عن أي ربيع تتحدثون وبه تفتخرون؟!
بقلم : آمال قرامي ... 31.08.2013
حوّل بصرك صوب أيّ اتجاه إلى العراق ، تونس، اليمن،سوريا ،ليبيا،مصر...تجد حال الناشطات السياسيات والحقوقيات ثابتا لم تشمله رياح التغيير التي بشّرت بأمل تحقّق مواطنيّة الأفراد.فأجهزة الاستخبارات الأمنيّة كانت ولازالت تترصّد الناشطين والناشطات لا شغل لها سوى تعقّب حركات الأصوات المتمرّدة على الأنظمة على اختلاف أنواعها.وقد أبلت هذه الأجهزة البلاء الحسن في أداء واجبها ، بل إنّها تماهت مع دور الرقيب حتى باتت تستمتع بالتجسّس على حياة الآخرين. تفنّن الأمنيون في حبك الدسائس، وصاروا على مرّ الأيّام محنّكين ، حصّلوا خبرات، وسخّروا وسائل تقنية حديثة لتحطيم ذوات نساء أردن أن يكن فاعلات، نحتن في الصخر حتى تُسمع أصواتهن وتصل خطاباتهن إلى الناس وما همّهن الثلب والشتم والضرب والترهيب.
اتهمّت فئة من الناشطات بالزنى أو بممارسة "الشذوذ" أو بالمتاجرة بالعملة أو بالمخدرات أو ...واتهمت أخريات بالتآمر على أمن الدولة والتعامل مع الأجنبيّ ،...لُفقت تهم وقُدمت حجج، واختلقت روايات عن انحرافات أخلاقية وأخرى جنسية ، واخضعت النشاطات للابتزاز أو للتحرّش الجنسي أو الاغتصاب أو التعذيب : دمّرت حيوات وتفتّت ذوات.
ثمّ حلّ الربيع العربي أو هكذا خُيّل للقوم، فاشرأبت الأعناق واتّسعت الأفاق وكان مرتجى الناشطات شيئا من الاعتراف ، ونصيبا من الاحترام ،واستمتاعا بالحرية والكرامة والمساواة والعدالة ...وتغييرا لأساليب التعامل وردّ اعتبار لمن أفنين عمرهن في السير في المسالك الوعرة، وصعود الجبال، وبناء الذوات عبر الفعل.
واهِمة من ظنّت أنّها مع أجواء الربيع ستستمتع بهدنة المحارب وستأخذ نصيبا من الراحة.لا مكان للراحة في بلدان الثورات...وقدر الناشطات أن يقاومن على جميع الجبهات.
واهِمة من اعتبرت أنّ النظام غيّر أساليب التعامل مع الأصوات المتمرّدة ، وأنّ الآليات تبدّلت، والتصوّرات والاستراتيجيات صارت تُراعي منظومة حقوق الإنسان ومقتضيات "أمن جمهوري" يكفل للناس حقوقهم.
تطلّ الرؤوس من جديد بلا وجل، لتستأنف نشاطها الدؤوب فلا شغل لها سوى التنصّت على هواتف البعض، والتسلّل إلى البريد الإلكتروني، والحسابات على مواقع التواصلية الاجتماعية ، تتلهّى بهتك الحيوات الخاصّة، تستمتع بالاطلاع على خفايا البيوت. وبمهارة عالية تسترق السمع، تختلق الأكاذيب، تُناور، تعبث، تصنع "الحقائق"، تكتب السرديات الجديدة ، وتستغلّ الفضاءات الجديدة لنشر الأخبار الفضائحية .فمن لا يتأثّر اليوم بما يتداول على الفايسبوك من معلومات ؟ ومن له القدرة على التشكيك في الروايات المزعومة تلك التي سُبكت خيوطها بمهارة فنيّة فائقة؟ ومن يُشكّك في صورة ناشطة تمارس العري أو تتهتّك أو تتثنّى سكرا وعربدة؟ الفضائح تستهوي الفضوليين تدعوهم إلى تتبّع التفاصيل. أو لسنا أمّة مشدودة إلى بنية العجيب والغريب ؟
ولكن لا يمكن أن نتجاهل حضور لاعبين جدد على الركح. فمع المنتمين إلى الجهاز الأمنيّ برز أتباع الأحزاب ذات المرجعيّة الدينيّة ... والركح يتّسع، في الواقع، للجميع ليمارسوا أدوارهم ويصقلوا مواهبهم.
ولا يذهبن في الظنّ أنّ من تعلّم عواقب قذف المحصّنات ومساوئ تتبّع عورات الناس والتجسّس عليهم ، وأدرك خطورة إيذاء الآخرين،وفقه آداب التعامل ودلالات حسن الظنّ بالناس، قد تعفّف عن تشويه صور الناشطات بل إنّك تجدهم أكثر الناس ولعا بانتزاع الكلام من سياقه، والوقوف عند ويل للمصلّين وولعا بترويج الفيديهوات والفتوشوب التي تهتك أعراض النساء ، واهتماما بثلبهن.
وبين أمنيّين اختاروا عن طواعيّة، الاستمرار في ترويع الناشطات وابتزازهن بحثا عن موارد رزق إضافيّة ، واستمتاعا بسلطة عرفوا فضائلها على مرّ السنين، وأتباع أحزاب خوّلت ل جنودها تدمير الخصوم ، كان مآل الناشطات مزيدا من المكابدة والتضحيّة ودفعا للثمن : ثمن اختيار المقاومة نهجا في الحياة ، عبر الكلمة، والفعل الاحتجاجيّ ، وعبر إحداث "الضجيج" وإرباك نسق اليقينيّات ، وعبر تبليغ "الصوت". ولكن في بلدان يعاني فيها المهمّشون شتى أنواع المعاناة من يعبأ بما تعيشه الناشطات من أزمات؟
ينال الناشطون نصيبا من المكابدة ، يعذّبون ، يسجنون، يجوّعون، يتجرّعون المرارة...قد يفقدون رؤوسهم ولكن تبقى المسافة فاصلة والفوارق بين الجنسين واضحة والحدود قائمة. فشتّان بين فنيّات التعامل مع الناشطين وأساليب التعامل مع الناشطات. ففي ظلّ مجتمعات بطريكيّة تُعلي من شأن الرجل، وتحفظ امتيازاته، وتراعي منزلته يخرج الناشط من الاختبار أو المحنة مرفوع الرأس، يمشي بخطوات واثقة ويجد له الأنصار والخلاّن ألف مبرّر ومبرّر لتطهيره من الأدران التي علقت به ، يُؤسطر فعله، فيغدو أيقونة النضال . أمّا الناشطة فإنّها تبقى رهينة اللعنة الأبدية . أليست المسؤولة عن الخطيئة في المتخيّل الجمعيّ؟
لقد فارقت الناشطة منظومة البيتوتة والطاعة والخنوع ، اختارت قطع الوصلة وشذّت عن السرب . ولأنّها ناشز تستحقّ التأديب من صاحب الشرطة أو من حارس الشريعة أو من القيّم على الأخلاق أو من الناهي عن المنكر.
من قال إنّ وضع الناشطات قد تغيّر فليستمع إلى حكايات تروى عن حيوات النساء وليجلس في حضرتهن ليسمع الكلام الممنوع والمحظور وليفكّك المسكوت عنه ثمّ ليشرع في التدوين لعلّ الكتابة تُخلّد المعاناة وتُذكّر بتاريخ نضال الناشطات وليقرّ في نهاية الأمر، بأنّ بلدان الربيع لازالت تتعامل مع النساء وفق ثنائيات المقدّس والمدنّس، الطهر والنجاسة، اللوغوس والإيروس...وتصرّ على نعت الناشطات بالعاهرات وترى أنّهن لسن جديرات بالكرامة فعن أيّ ربيع تتحدّثون؟
في بلدان يسحق فيها الفرد ...لا عزاء للناشطات الحقوقيات.
في بلدان تُمتهن فيها كرامة الناس... تردّد الناشطات المؤمنات : لنا الله ، وقول الإمام الغزالي"وإذا رأيت الله يحبس عنك الدنيا ويكثر عليك الشدائد فاعلم أنّك عزيز عنده".
في بلدان لا تُعير اهتماما لحقوق الإنسان ولا تقرّ بمواطنيّة النساء... تردّد الناشطات: سنواصل المقاومة كلّفنا ذلك ما كلّفنا، قد نخسر الأحبّة والحضن الدافئ ونظرة التقدير والإعجاب، قد نخسر الأهل والولدان وكلّ ما حققناه طيلة سنوات ...ولكن يبقى أملنا أن تنعم الأجيال القادمة برغد العيش. كلّنا فداء للوطن.
المصدر : مركز مساواة المرأه
www.deyaralnagab.com
|