حرب الأحباب!!
بقلم : رابعة الختام ... 12.12.2016
الحب قبل الخبز أحيانا، فالحياة بغير الخبز قد تستمر بالكثير من البدائل، ولكن دون الحب لا قلب ينبض، ولا وطن تسكنه أفسح من قلب امرأة تحبك.
أصون كرامتي قبل حبي فهل يشعر بي؟ يحس بقلبي الجريح، أجهد نفسه ساعات وساعات وقد قضم من عمره مسافة عمر. ظل يحاورني ليلة وضحاها محاولا إقناعي بأن زواج المصالح جائز وأنه خالي الدسم. منزوع المشاعر، لا ضير منه طالما يخدم مصالحه ويحقق منفعة له، لكنه لم يستطع استمالة قلبي لتصديقه. هذا القلب الذي خبأه في سويدائه سنوات لم يقتنع بأن عناق امرأة أخرى يحقق منفعة. بأن مشاطرة قلبها بما يحويه من مشاعر واقتسام نبضاته مجرد مصلحة، أن يشم رائحة جلدها الوردي، ويداعب خصلات شعرها الثائر، يمسّد خديها بقفا يمناه ويتنفس في أذنيها هامسا بكلمات الحب والغزل اللذيذ. يقفز لبؤبؤ عينيها ضاحكا ويضع رأسه الضخم على صدرها. تداعب أصابعها شعره بوجل ودفء يسري في القلوب. تقفز إلى واقعه وتتملكه.. ويقنعني بأن الحب ليس في أبجديات علاقته بها.. ياه لسذاجتي المفترضة منه.. وياه لقلبه القاسي القاتل بصمت. يختبئ حبه بقلبي، متواريا خلف الجراح، ودموع عيني تبكيه أكثر ممّا يتخيل.
كل هذا وأكثر رأيته بعيون قلبي في علاقة زوجي وأبو بناتي الثلاث وهو يحاول إقناعي بزواجه الثاني من أرملة ثرية نالت ثمن سنوات قلائل من عمرها في معية رجل يكبرها بعشرين عاما. باسم الزواج عاشت معه “متعة” لمدة معينة وحققت ثروة، وهذا زوجي المهندس الثلاثيني الشاب يبتاعها شبابه لتقضم هي الأخرى منه سنوات تدفع ثمن المتعة فيها كما دفع لها العجوز بعد رحيله. يؤذي قلبي ثم يطلب مني البقاء.
رفض الطلاق باسم الحب الذي كان، وباسم ثلاث فتيات يزعم بأنه يحقق لهن استقرارا ماديا يدفع ثمنه من جسده.. ياه للوقاحة وهو يصارحني بهذا، أيتاجر بجسده كما لو كان متطوعا في حرب خاسرة. خلعته من حياتي ولم أخلعه من قلبي. لا أعرف كيف أصف مشاعري تجاهه، ولكنني أقول لنفسي في بعدك كرامة وفي قربك إهانة. أحبه لدرجة الجنون وأعلم أنه يحبني أكثر من نفسه، فلم يكن زواجنا عاديا بل كان تحقيقا لحلم سنوات طفولة وحب مراهقة.
كان ابن الجيران الرائع الذي يكبرني بخمس سنوات، وكنت الطفلة المدللة لديه. كيف يجرؤ على البعد لمجرد مصلحة يرى أنها الأقدر على منحه بعض الجنيهات، وهل أسامح قلبه وهو يستقبل ضيفة جديدة تشاركني فيه أم أثأر لكرامتي المشتتة بين الحب والحب. وقفت أمام قاض لا يعرفني ولا يعرفه بل يقرأ أوراقا ووقائع لا تتضمن سنوات عمري، لا تعرف كم من الوقت مر علينا بلا نقود؟ كم من الأفراح عشناها معا؟ كم حزنا سكن قلبي وعيني وكم وكم..؟
حار عقلي في تفسير ولاء تلك الزوجة الشابة لقلب لفظها، تحبه ولكنها لا تستطيع البقاء معه، لا تكرهه لدرجة النفور ولكنها تبحث عن كرامتها الذبيحة. تجمع الشيء ونقيضه تماما. تمارس معه حرب أحباب من الطراز الأول، كالمرجل الملتهب قلبها. يبحث عن الحب ولا يتحمل الخيانة. تريد أن تكون ملكة على عرش قلب حبيبها، وهو يحولها لمجرد زوجة أولى عليها الرضا بلهثه خلف غيرها لتحقيق أي مطمع حتى ولو كانت ستتقاسم الغنيمة معه.
بعض الرجال لا يدركون كيف تفكر المرأة. فمن النساء من تقدس الحب ولا ترضى بغيره بديلا وهن ممن يحملن قلبا من ذهب. فإن كانت امرأتك إحداهن عزيزي الرجل، فلا تقايض قلبها بشيء حتى وإن كانت خزائن قارون. الحب قبل الخبز أحيانا، فالحياة بغير الخبز قد تستمر بالكثير من البدائل، ولكن دون الحب لا قلب ينبض، ولا وطن تسكنه أفسح من قلب امرأة تحبك.
نعم.. المجتمعات العربية تضج بالتعدد، لا أحرّم حلالا، لكنني أصف وجع صديقة تعاني وبناتها الوحدة وبرودة الجدران. لم يطلقها زوجها كما يفعل الكثير من الرجال ولكنه صفعها بالتعدد باسم المصلحة. هي مازالت تحبه ولكنها تحاول الحفاظ على كرامتها مفضلة الوحدة على البقاء مع نصف رجل.
كاتبة من مصر..المصدر : العرب
www.deyaralnagab.com
|