ليبيا : مع تزايد الفوضى وسطوة الميليشيات الليبيات في مواجهة خطر العنف!!
بقلم : روعة قاسم ... 14.05.2017
منذ شباط/فبراير 2011 تعيش المرأة الليبية وضعا صعبا بعد ان تساقطت تدريجيا أحلامها وطموحاتها في انتقال ديمقراطي وفق مسار سلمي. فمع تحول ليبيا إلى ساحة للاقتتال السياسي والعسكري بين قوى الداخل، ومع تصاعد تأثير القوى الخارجية ومحاولتها الهيمنة وفرض سيطرتها وما رافق ذلك من تفشي ظاهرة الإرهاب والميليشيات المسلحة أصبح وضع المرأة الليبية أصعب من أي وقت مضى وفرض عليها تحديات جسام. فقد لعبت المرأة الليبية دورا كبيرا في الحراك الليبي في 2011 ورغم ذلك وجدت نفسها خارج المعادلة السياسية مقصية من أي دور فعال في صنع القرار والخوض في القضايا الهامة المتعلقة بالشأن العام.
ان تحول الحراك الليبي إلى نزاع مسلح أثر بشكل كبير على المرأة على كافة الصعد، الاقتصادية والاجتماعية والصحية ووجدت نفسها في ظرف متأزم فرض نفسه على حياتها السياسية والاجتماعية والأسرية. وعلى الصعيد الحقوقي خاصت مجموعة من النساء والناشطات الليبيات معارك قانونية وشاركن في عدد من الورش تحت رعاية المنظمات الإقليمية والدولية من أجل تحسين وضعها أكثر في المجال القانوني وتمكينها سياسيا ومن أجل سن دستور جديد يضمن حقوقها الكاملة. وتجدر الإشارة إلى ان منظمات المجتمع المدني الصاعدة لعبت دورا متزايدا في تمكين المرأة عبر مختلف ورشات العمل والتدريب على مدى السنوات الماضية.
تعنيف واعتداءات
في كانون الأول/ديسمبر الماضي أصدر تجمع « ليبيات صانعات السلام» بيان رقم 6 أعلن خلاله استنكارهن لما يحدث من جرائم وانتهاكات بحق النساء والأطفال وذلك بعيد الواقعة التي هزت طرابلس وتتعلق باغتصاب امرأة ليبية من قبل الميليشيات المسيطرة على المدينة، وطالبن بفتح تحقيق جنائي في هذه القضية والقضايا المشابهة لها. وطالبن أيضا المجلس الرئاسي برفع يده عن الميليشيات كما دعت النسوة في بيانهن بعثة الأمم المتحدة والمبعوث الليبي للأمم المتحدة بالعودة للعمل من داخل ليبيا لا من خارجها لإرساء الأمن وإنهاء الفوضى.
وتقول ابتسام القصبي الناشطة الحقوقية الليبية ورئيسة منظمة مسارات للسلام والتنمية ان أثر غياب الدولة كان واضحا على أوضاع النساء في ظل النزاع المسلح، وتؤكد تزايد حالات الانتهاكات والتعنيف ضد النساء وأضافت ان الأعمال الحربية العسكرية والنزاعات المسلحة ضغطت على كثير من النواحي ودمرت النسيج الاجتماعي ووصل الأمر إلى حد انتهاك حقوق الأفراد، وأضافت بالقول: «مع استمرار النزاع المسلح الذي هيمنت فيه الميليشيات المسلحة وتحولت إلى عصابات تحمى أجهزة الدولة ومؤسساتها ومع تصاعد الصراع على السلطة، والسيطرة على مفاصل الدولة والاستحواذ على منابع الأموال من الحقول النفطية والبنوك وغيرها، كل هذا أوقف حركة الدولة، وغيب القانون فعاث الفساد في الأرض ولم تتوفر الحماية الشخصية خاصة للنساء اللواتي عانين الويلات والعنف بأنواعه. فظاهرة العنف باتت لافتة في المجتمع الليبي والمحيط الأسري». وتشير الباحثة الليبية إلى ان أكثـر من نصف النساء ما زلن يواجهن خطر العنف حسب تقارير مختصة. كما اعتبرت ان ظاهرة التعنيف ليست جديدة ولا هي نتاج الأوضاع المستجدة في البلاد، إذ ان المجتمعات العربية ذكورية في طبيعتها، لكن مع ارتفاع صوت السلاح وانتشار الفوضى وغياب دولة المؤسسات والقانون وانخفاض صوت مطرقة المحاكم، ازدادت هذه الظاهرة ووصلت إلى تعرض الناشطات والمدافعات عن حقوق الإنسان والمطالبات بالدولة المدنية للتهديد والقتل والخطف أيضا مما اضطر عدد منهن إلى السفر خارج ليبيا، وقد اتهمت بعضهن بمعاداة الإسلام ومخالفة المجتمع، وهذا كان له أثر سلبي حتى على أسرهن وأولادهن.
العنف ضد الناشطات
وتؤكد ابتسام القصبي تصاعد وتيرة العنف السياسي خلال الأعوام الماضية خاصة ضد الناشطات المدنيات والمدافعات عن حقوق الإنسان بشكل ممنهج من قبل الميليشيات المسلحة، وتؤكد تعرض العديد منهن للتهديد والخطف والاغتيال والتهجير بسبب توجهاتهن السياسية وفكرهن المدني وأرائهن المعلنة ومنهن الشابة نصيب كرفانه من مدينة سبها التي قتلت ذبحا في شهر أيار/مايو 2014 وفي 21 تشرين الثاني/نوفمبر 2014 اغتيلت سارة الديب رميا بالرصاص بينما كانت تستقل سيارتها في حي الأندلس في طرابلس، وتوالت سلسلة الاغتيالات في مدن مختلفة وفي 26 حزيران/يونيو 2014 سجلت ليبيا أول عملية اغتيال سياسي في حق امرأة ليبية وتسبب اغتيال الناشطة الحقوقية والمحامية سلوى صدمة لكل النساء على حد قول محدثتنا ..تبعها اغتيال فريحة البركاوي حينما تعرضت يوم الخميس 17 تموز/يوليو 2014 لوابل من الرصاص في إحدى محطات التزود بالوقود في مدينة درنة.
دور اجتماعي جديد
تؤكد الباحثة الليبية ان وضع المرأة ليس منفصلا عن وضع باقي الشعب الليبي، إلا أنها الأكثر معاناة وألما.
وقالت انها ضحية الانشقاق السياسي وانتشار السلاح وتغول الميليشيات والعصابات التي باتت تحمي السلطات التشريعية والتنفيذية والمؤسسات الحكومة بالكامل من بنوك ومحطات وقود ومستشفيات ومدارس وحتى مصالح شخصية وتعمل على الإتجار بالبشر وتهريب ثروات الدولة برا وبحرا.
وأضافت ان تزايد أعداد القتلى من الرجال وتعرضهم للاغتيال رفع من نسبة الأرامل: «وتبدأ مرحلة مواجهة التحديات والدخول إلى معترك الحياة لقيادة الأسرة وإعالتها دون دراية أو تكوين، فيتبدل دورها الاجتماعي فجأة، هذا الوضع مرتبط بأوضاعها الاقتصادية مع غلاء الأسعار وغياب السيولة المالية». وقالت ان هذا الوضع جعل بعض النساء يتعرضن للابتزاز للحصول على المال، وهذا ما يتسبب لهن في معاناة نفسية.
ومن الناحية الصحية أوضحت ان المرأة الليبية ليست في مأمن مع انهيار الوضع الصحي وانعدام الخدمات في البلاد وانهيار العملة وبالتالي أصبح من الصعب جدا ان تفكر في محاولة السفر إلى الخارج للحصول على العلاج مثلا. فحقوق المرأة هي ضمن منظومة حقوق الشعب الليبي كاملة ولم تتمكن من أخذ هذه الحقوق إلا بإعادة بناء دولة بكل مؤسساتها ولها دستور ينظمها ويضمن حقوق الجميع خاصة المرأة، وعليها ان تستمر في النضال لتمكين ذاتها وتطوير قدراتها لتكون في مستوى التحدي لبناء المجتمع وصنع السلام وتحقيق التنمية.
مستقبل غامض
ولا يبدو مستقبل المرأة الليبية أفضل حالا من حاضرها، فالأطراف التي تسيطر على شرق وغرب ليبيا والتي من المتوقع أنها ستصل يوما إلى صيغة توافقية لحكم ليبيا، وكذا الجماعات التكفيرية، لا يبدو أنها ماضية قدما في تحسين الوضع الحقوقي للمرأة الليبية. ولعل صدور قرار بمنع سفر النساء الليبيات دون سن الستين إلى الخارج من غير محرم، الذي أصدره الحاكم العسكري لمنطقة درنة، بن جواد يبقى خير مثال على هذه النوايا المبيتة لإقصاء المرأة من قبل حكام ليبيا الجدد، خاصة وقد وجد القرار الدعم من جماعة حفتر الذين سارعوا إلى نشره على مواقع التواصل الاجتماعي.
وما زالت الذاكرة تحتفظ بما أقدم عليه مصطفى عبد الجليل، الذي ترأس أول هيئة انتقالية لإدارة ليبيا بعد الإطاحة بالقذافي مباشرة، حيث كان أول ما أعلن عنه أن ليبيا ستعود إلى نظام تعدد الزوجات. وكأن المشاكل انتهت أو كأن الأولوية الرئيسية لليبيين هي الزواج قبل التنمية وبناء مؤسسات الدولة.
بذلك فإن أغلب الطيف الحقوقي الليبي لا ينتظر الكثير من طرابلس وطبرق على حد سواء خاصة وأن انتهاكات حقوق الإنسان لافتة لدى الطرفين وإن بدرجات متفاوتة. وفي هذا الإطار يقول مروان السراي الباحث في المركز المغاربي للبحوث والدراسات والتوثيق لـ«القدس العربي» أنه لا بد لليبيا من نخبة سياسية جديدة عمودها الفقري نشطاء حقوق الإنسان خاصة أنه بلد ليست له تقاليد في مجال احترام الحريات. ويضيف «لا الطبرقيون ولا الطرابلسيون (الجماعات السياسية المسيطرة على المدينتين) لديهم القدرة على صياغة نظام يضمن للمرأة الليبية حقوقها، فحفتر العلماني يحد من حرية تنقل المرأة فما بالك بالتيارات الدينية؟».
*المصدر : القدس العربي
www.deyaralnagab.com
|