القروض الصغيرة تسهل مشاريع النساء وتنغص حياتهن !!
بقلم : شيماء رحومة ... 19.06.2020
“القاعدة الأولى لا تخسر المال، والقاعدة الثانية لا تنسَ القاعدة الأولى”، يبدو أن بعض النساء في حاجة ماسة إلى التسلح بهذه المقولة التي أدلى بها رجل الأعمال الأميركي وارن بافيت حين يفكرن في الحصول على قرض، حيث تجد بعض المقترضات أنفسهن مهددات بعقوبة السجن إذا فشلن في سداد المال بسبب عجزهن عن حسن استثماره في مشاريع صغرى.
تونس – تقنع العديد من النساء أنفسهن عند التفكير في الحصول على قروض صغيرة من المصرف، أن ما سيحصلن عليه من مال مهما كان ضئيلا مفيد.
وفتحت بعض الجمعيات وأيضا ما يعرف بـ”مؤسسات التمويل الصغيرة” التي تعمل على إقراض المواطنين الذين لا يملكون رواتب شهرية أو دفعات مالية، طريقا أمام النساء للاقتراض.
ودفعت العديد من التسهيلات المالية المقدمة من قبل هذه المؤسسات بالنساء إلى الإسراع صوبها، في سبيل الحصول على قروض صغيرة، بهدف تغطية احتياجاتهن الاقتصادية أو المعيشية، أو تمويل مشروع صغير يحسّن به دخل العائلة.
وعلى الرغم من أن المرأة قد تتعرض للمحاكمة والسجن في حال لم تتمكن من السداد، فإن هذه الظاهرة في تصاعد مستمر، لاسيما مع ارتفاع عدد العاطلات عن العمل.
الشابات الأكثر تضررا
أبرزت المندوبية السامية للتخطيط بالمغرب في مذكرة إخبارية حول وضعية سوق الشغل، خلال الفصل الأول من السنة الحالية، أن عدد العاطلين تزايد بـ208 آلاف شخص، مشيرة إلى أن أعلى معدلات البطالة سجلت على الخصوص في صفوف النساء (14.3 في المئة مقابل 9.3 في المئة لدى الرجال).
وبحسب الأمم المتحدة، فإن 14 في المئة فقط من العراقيات يعملن أو يبحثن بنشاط عن عمل، في مقابل 73 في المئة من الرجال.
كما أظهر أحدث تقرير لمنظمة العمل الدولية بأن النساء هن الأكثر تأثرا بالزيادة السريعة في البطالة منذ فبراير الماضي. وقالت سوكتي داسغوبتا، رئيسة فرع سياسات العمالة في المنظمة، إن “اثنين من بين كل ثلاثة شباب عاطلين عن العمل، من الإناث”، مضيفة أنه يوجد حاليا حوالي 1.3 مليار شاب على مستوى العالم. وقد تم تصنيف 267 مليونا منهم على أنهم عاطلون عن العمل ثلثهم أو 181 مليونا منهم من الفتيات.
وأكد مدير المنظمة غاي رايدر، أن تأثير كوفيد – 19 على النساء “أصعب وأسرع من أي فئة أخرى”، مشيرا إلى أنهن ممثلات بشكل مفرط في الاقتصادات غير الرسمية والرعاية، وكلاهما تأثر بشدة منذ سريان تدابير الإغلاق.
ومع ما يشهده الاقتصاد العالمي من ركود غير مسبوق اختارت بعض البلدان مساعدة مواطنيها من ذوي الدخل المحدود بقروض أو تأجيل دفع أقساط قروضهم البنكية السابقة لمساعدتهم على تخطي الأزمة، حيث وضعت على سبيل المثال وزارة المرأة والأسرة والطفولة وكبار السن بتونس خط تمويل خاصا بالمعينات المنزليات لمواجهة الجائحة، سيمكنهن من الحصول على قروض ميسرة قيمتها حوالي 351.99 دولار أميركي مع فترة إمهال بشهرين.
وأوضحت أسماء السحيري وزيرة المرأة والأسرة والطفولة وكبار السن “أن من أولويات الوزارة، خلال المرحلة المقبلة، النهوض بالفئات الهشة من النساء”، وفقا لوكالة تونس أفريقيا للأنباء.
وسبقت هذه الخطوة في عام 2016 مبادرة “رائدة” الهادفة إلى تقليص نسب البطالة لدى حاملات الشهادات العليا من الراغبات في بعث مشاريع صغرى ومتوسطة بغاية تعزيز مساهمتهن في الدورة الاقتصادية.
وتمكّنت هذه المبادرة إلى حدّ الآن من إحداث أكثر من 4400 مشروع نسائي في عدة قطاعات، وبذلك فقد ساهمت في خلق مواطن شغل للكثير من النسوة اللاتي بدورهن فتحن أبواب الشغل أمام غيرهن من العاطلين.
وشملت المشاريع العديد من القطاعات، من بينها الخدمات وأيضا المهن الحرة مثل الصناعات التقليدية، ومخابر التحاليل الطبية، والطب والمحاماة وتصنيع الحليب ومشتقاته، والتعليم الخاص، وبيع الملابس، وتدوير البلاستيك، والطباعة، وأيضا قطاع المقاولات والصناعات الغذائية إضافة إلى تمويل عدة مشاريع فلاحية مثل تهيئة البيوت المكيفة، وتربية الدواجن، وتربية الأبقار.
أما “أبسمي” وهي مبادرة سودانية فتعطي قروضا صغيرة للنساء الريفيات اللاتي في حاجة إلى المساعدة على إقامة مشاريع خاصة.
ووفقا لتلك المبادرة يمكن لمجموعة من النساء التقدم للحصول على قرض قيمته ما بين 150 و1200 دولار. وإذا تخلفت إحداهن عن السداد يتعين على عضوات المجموعة الأخريات أن يسددن القرض عنها وإلا فإنهن يفقدن إمكانية الحصول على أي قروض أخرى مستقبلا. وتهدف المبادرة بحلول 2025 للوصول إلى مليون امرأة ريفية وأُسرهن من أجل إعطائهن أملا وفرصا لم تكن تلوح في الأفق من قبل. وفي مصر تقدم وزارة التنمية المحلية، قروضا ميسرة للشباب والنساء بالقرى، من خلال صندوق الوزارة بفائدة لا تتعدى 6 في المئة، لتنفيذ مشروعاتهم الصغيرة.
ويرى الدكتور التونسي في علم الاجتماع الطيب الطويلي أن “في تقديم بعض الدول العربية قروضا صغرى ميسرة خاصة بالمرأة لتشجيعها على بعث المشاريع الصغيرة، أمرا إيجابيا في تقديري يساعد على إيجاد مسارب أخرى لتشغيل المرأة وإدخالها في المنظومة الاقتصادية”.
وأضاف الطويلي لـ”العرب” أن في ذلك “محفّزا لخروج المرأة المهمّشة خاصة في الأرياف والأحياء الفقيرة إلى العمل، وامتحان قدراتها على المستوى الحرفي وجلب الثروة، وخروجها من الأدوار السلبية الخاضعة التي تضعها في موضع التابع للرجل”.
وأكد أن “عمل المرأة يمثل سندا ماليا لها وحماية نسبية من تضخم الهيمنة الذكورية التي تسود المجتمع بشكل عام ومحيطها الأسري بالخصوص، ففي أحيان كثيرة يمر الذكر المهيمن إلى الإساءة والعنف اللفظي أو الجسدي، ويعتبر الفقر من أهم أسباب العنف المسلط ضد المرأة.. إذن خروج المرأة للعمل يوفر لها نصيبا من الاستقلالية ويحدّ من عوزها ومن خضوعها لسلطة الشريك”.
وقال إن “تونس تعتبر رائدة عربيا على مستوى تحرير المرأة، وتمكينها من الندية مع الذكر على مختلف الأصعدة، حيث تكونت وزارة النهوض بالمرأة منذ الثمانينات، وتطورت أعمالها ومبادراتها، وهي تقف خلف مختلف المبادرات الاجتماعية والمادية التي تهدف إلى حماية المرأة وإبعاد شبح العنف عنها”.
القروض الصغيرة خدعة كبيرة
لكن هناك نساء بدل تحقيق غاياتهن من اقتراض المال وإثبات قدراتهن على العمل واستثمار مهاراتهن يصبحن ضحايا لتراكم الديون والعجز عن السداد وبالتالي يصبحن مهددات في أحيان كثيرة بالسجن وهي وصمة عار ترتبط بهن وبعوائلهن.
إذ تُقبل بعض السيدات على اقتراض مبالغ صغيرة من المال بهدف تلبية احتياجات أسرهن، ويدفع عدم استثمار المال الذي تم الخصول عليه أو استثماره بطرق غير مدروسة إلى العجز عن السداد وهو ما يعمق مآسي العديد من العائلات، كما يمكن أن يجر القرض سلسلة من القروض الأخرى و”يزيد الطين بلّة”.
وعزز الوضع الاقتصادي الراهن مخاوف المقترضين من العجز عن دفع أقساط قروضهم في مواعيدها المحددة، خصوصا أن الحجر الصحي بسبب فايروس كورونا كانت له عواقب وخيمة على النساء أكثر من الرجال من الناحية الاقتصادية.
أزمة تغذي أزمة
يضيع الهدف الأساسي من تقديم الدولة أو المؤسسات قروضا ترمي إلى خفض معدلات البطالة بمجرد عجز المقترضة عن القيام بالاستثمارات المناسبة، وتعد هذه النقطة من أهم التحديات المتعلقة بالحصول على قروض.
وقالت السيدة التونسية سعيدة العياري (اسم مستعار)، وهي صاحبة إحدى دور رياض الأطفال، “عملت قبل زواجي سكرتيرة بمكتب محام، وبفضل حوالي 2800 دولار صرت صاحبة مشروع وأعمل لحسابي الخاص متحدية كل العراقيل من أجل مساعدة زوجي وأبنائي”.
وتابعت “استوفيت كل آجال تسديد القرض وتراكمت علي الفواتير من قبل الشركة التي أقرضتني، وأضحيت أكومها على مكتبي أتطلع إليها عاجزة عن سدادها وأتوقع في كل لحظة أن يصدر أمر بمصادرة كل أثاث الروضة”.
وأوضحت أن هناك الكثير من العوامل التي دفعتها إلى الوقوع فريسة للديون، فالمبلغ مع الفوائد وعجزها عن التسديد تضاعف، بالإضافة إلى أنها انشغلت بمحاولات إنجاح مشروعها وسط تنافس شرس في هذا القطاع، ولاسيما أن مشروعها هو مصدر الدخل الوحيد لعائلتها.
وأكدت أنها منذ سنوات لم تنعم بالراحة من كثرة التفكير في مصيرها وعائلتها إذا ما أقفل مورد رزقها، وصارت مطالبة بدفع الدين أو الدخول في دوامة من التتبعات القانونية.
وتتعرض المرأة بسبب القروض إذا فشلت في ترشيد استثمارها لضغوط متنوعة، تجرها غالبا إلى أن تصبح في خانة ما يطلق عليهن تسمية الغارمات أو المديونات وهن النساء اللواتي لم يلتزمن بدفع الأقساط الشهرية لسداد القروض.
وتحول الأمر بالعديد من الدول كمصر والأردن إلى ظاهرة خطيرة يصعب حصرها في أرقام، نظرا إلى حدوثها باستمرار، لاسيما وأنه ينجر عنها حبس عدد كبير من الغارمات وملاحقة أخريات قضائيا.
وهذا ما دفع بفاطمة الخياري، وهي ربة بيت تونسية، إلى رفض الانسياق وراء إغراءات إحدى الجمعيات التي تقدم قروضا صغيرة للسيدات بهدف مساعدتهن على تخطي الأعباء المالية للعائلة، قائلة “حاولت جاهدة أن أتمسك بموقفي الرافض لمثل هذه المساعدات التي قد تضعني وعائلتي في دوامة لا تنتهي من سداد دين يمكن أن يضيع هباء دون أن أستفيد منه بشيء”.
ويحذر خبراء اقتصاد النساء من الوقوع فريسة لبعض الشركات التي تعمل على تجميل الأمور، بغية منحهن قروضا، وإخفاء الكثير من تفاصيل التمويل والإجراءات القانونية، وطالبوا بتشديد الرقابة على بعض الشركات في ما يخص الشفافية وحقوق طالبي القروض في معرفة تفاصيل التمويل وشروط الكفالة المالية.
وقال المحلل الاقتصادي الأردني هاشم الفحماوي، وهو محلل استشاري في الأسواق العربية والعالمية، إن “الدول العربية لا تدفع للنساء فعليا قيمة المشاريع، فالدعم الخاص بهن لا يصلهم منه إلا 10 في المئة”.
وأضاف الفحماوي لـ”العرب”، “هذه القروض لا تساعد على أن تكون للمرأة مساهمة اقتصادية تذكر وذلك لعدة أسباب أهمها تراجع الإنفاق للفرد إلى أكثر من 50 في المئة بسبب ارتفاع أسعار السلع الأساسية، وبالتالي فإن هذه المشاريع الصغرى الفردية تعجز عن توفير وظائف”.
ولفت إلى أن “هناك شركات استثمارية في الأردن تعطي النساء قروضا تبدأ من حوالي 1400 إلى 2800 دولار أميركي لتمويل المشاريع الصغيرة، في المقابل يوجد أكثر من 15 ألف سيدة متعثرة ماليا بسبب هذه القروض”.
وفي 2018 تعرضت حوالي 1700 غارمة أردنية للسجن وظهرت ناشطات يطالبن بمساعدتهن وعدم سجنهن، كما وضعت وزارة التنمية الاجتماعية، شروطا للبدء بسداد ديونهن، بمبادرة من الإمارات.
وأطلق شباب أردنيون حملة “نساء في السجون” لتسديد ديون المديونات الموقوفات في بعض السجون على ذمة قضايا مالية، ونجحت الحملة في مساعدة نحو 70 سيدة.
وأوضح الفحماوي أن “الإمارات تدخلت لسداد ديون 400 سيدة”، متابعا أن “القرض مأزق يورط المقترض، فالمشكلة في وطننا العربي تكمن في تهميش دور المرأة في القطاع الاقتصادي، ولذلك فإننا نحتاج قرونا لتطوير اقتصادنا”.
وفي مصر أوضحت دراسة أعدها المجلس القومي لحقوق الإنسان في عام 2016 أن نسبة النساء بين المديونين الذين دخلوا السجن تتراوح بين 20 و25 في المئة، ومعظمهن يعملن في قطاع الاقتصاد غير الرسمي من دون أي تأمين اجتماعي أو حماية طبية.
ونظرا إلى استفحال ظاهرة “المديونات” ومعاناة أسر عربية كثيرة، قررت جمعيات خيرية وصناديق الزكاة ومبادرات شبابية، المساعدة في تسديد الديون عن كاهل النساء المديونات وتخفيف الأعباء عن عدد كبير من البيوت التي تضرر أطفالها، بسبب غياب الأم.
ويؤكد بعض المسؤولين أن النساء أكثر حرصا من الرجال على سداد القروض في الزمن المحدد، ومع ذلك فإنهن يقعن في أحيان كثيرة فرائس بين أكذوبة الإدماج في التنمية من خلال تشجيعهن على العمل والإنتاج وإجادة تعلم الحرف والأشغال اليدوية، وبين حقيقة تعميق الفقر والتهميش وضياعهن بسبب دخولهن في أزمة مالية خانقة.
*المصدر : العرب
www.deyaralnagab.com
|