مهر الزواج الحقيقي في جنوب السودان!!
بقلم : هانا حسن ... 10.06.2021
تعرض هذه السطور تزايد مستويات العنف الجسدي والجنسي الذي عرفه جنوب السودان في الأسابيع الأخيرة. ولوحظت أن عادة دفع المهر للعروس قد تشكل عقبة أمام تطبيق اتفاقيات السلام في المنطقة. .
يخلد شهر غشت من هذا العام ذكرى مرور سنة على انتهاء الحرب الأهلية التي شهدها جنوب السودان، مع أن التصاعد الأخير في أعمال العنف لا يبشر ببزوغ فجر السلام. وتشمل هجمات الجماعات المسلحة حالات عنف واعتداء جنسي ضد النساء والفتيات.
ويمثل العنف الجنسي والجنساني أحد السمات الطاغية على نزاعات جنوب السودان، الشيء الذي يهدد حياة وحقوق الإنسان خاصة بالنسبة للنساء والفتيات. وعن تقارير اليونيسف، تعرض ما يقرب 65٪ من النساء والفتيات جنوب السودان للعنف الجسدي أو الجنسي مرة واحدة على الأقل. ولا يخفى على أحد ما لهذه الأشكال من العنف الجنسي من آثار عميقة وقائمة قد تمس النساء والفتيات وتسبب لهن مشاكل صحية، أو عقلية، أو جسدية خطيرة.
السؤال الذي يطرح نفسه، لماذا ترتفع معدلات العنف الجنسي جنوب السودان؟ وفقًا لخبراء حقوق الإنسان، فإن الإجابة على هذا السؤال تقود إلى عنصر أساسي من الاقتصاد المحلي لجنوب السودان - مهر العروس.
جرت العادات والتقاليد جنوب السودان على أن الرجل إذا رغب في الزواج، فسيتعين على أسرته أن تدفع مهرها الذي يكون غالبًا من الأبقار أو الماعز، بناءً على القيمة التي تم التفاوض عليها. وبمجرد تزويج النساء، تصبحن ملزمات بإنجاب العديد من الأطفال، وخاصة البنات نظرًا لما يشكلنه من أصول تسهل اكتساب المزيد من الماشية. ولذلك، فإن الزواج المبكر والقسري أمر شائع حيث تزوج أكثر من 50 في المائة من الفتيات قبل سن 18 عامًا. ويتزوج عدد من الفتيات، على صغر سنهن، بخطاب مسنين فقط لأنهم يملكون أصول أكثر.
أصبحت المرأة مجرد جسد وسلعة في مجتمع جنوب السودان، ثقافة تسمح بالعنف القائم على النوع الاجتماعي وترخص لتطبيعه. وتساهم الأدوار التقليدية للجنسين، المتوارثة عبر الأجيال، وظروف الفقر في فرض ممارسة دفع مهر العروس.
خروقات حقوق المرأة ليست هي مصدر المعاناة الوحيد في جنوب السودان، لأن هناك أيضا تحدي الجهود المبذولة لتعزيز السلام في خضم بعض المفاهيم الثقافية، مثل كون النساء خلقن للمنزل وإنجاب الأطفال، التي تروج لعدم المساواة. والحقيقة أن 7 في المائة فقط من الفتيات يكملن مرحلة الدراسة الابتدائية، فيما تتمكن 2 في المائة فقط من بلوغ المستو الثانوي. ذلك لأن العائلات قد تشعر بالقلق أيضًا من احتمال تعرض الفتيات للاعتداء الجنسي في طريق المدرسة، وهو ما يخفض قيمة مهر العروس مستقبلًا. إن العنف القائم على النوع الاجتماعي عقبة كبيرة تمنع الفتيات من تحقيق أحلامهن وتبقي على حال العائلات التي تعيش في غيابات الفقر. لهذا يبدو من الضروري العودة للدراسة بعد إعادة تقييم مسألة دفع مهر العروس. وتشير الدراسات إلى أن سنة واحدة من التعليم الابتدائي تزيد من أجور النساء بنسبة تصل إلى 20٪ في حياتهن المهنية المستقبلية.
من أجل النهوض بقطاع الاقتصاد جنوب السودان وتعزيز فرص تنمية، أصبح تعليم النساء والفتيات أمرًا حاسما بل مصيريا. وقالت السيدة ريتا لوبيديا، فاعلة جنوب سودانية، في حفل افتتاح جائزة "النساء بانيات السلام": "أمام النساء فرصة للمساهمة في بناء هذه الأمة ودعم استقرار وسلام البلاد". ترتبط المساواة بين الجنسين ارتباطًا وثيقًا بتحقيق الاستقرار في جنوب السودان.
من الضروري أن تتخذ حكومة جنوب السودان خطوات جدية للحد من انتشار العنف القائم على النوع الاجتماعي وزيادة فرص الحصول على التعليم الأساسي. وتبدأ معالجة جذور هذه المشكلة بوضع قوانين تؤطر مهر العروس. لأن ارتفاع هذا الأخير يشكل عبئا على الرجال والنساء سواء. ويواجه الرجال الذين لا يستطيعون تحمل مهر العروس الإحساس بالنقص والعزلة الاجتماعية، الشيء الذي يدفع شباب القرى للمغامرة بحياتهم لسرقة الماشية من القبائل المجاورة، بدافع توفير نفقات الزواج. كما أن النساء تتعرضن للعنف على شكل عنف جسدي وجنسي إثر تسعيرها القائم على رصيد الثروة الحيوانية. هكذا، ومن خلال معالجة الأعراف الاجتماعية التي تشحذ هذه المستويات من العنف، سيتمكن جنوب السودان من خلق حركة ملهمة نحو إعادة التأهيل وإعادة البناء.
قد يكون من الصعب تجاوز التصورات الشائعة التي لن تتغير بين عشية وضحاها، لكن الجهود المجتمعية تجاه التحسيس ونشر والوعي بمخاطر العنف القائم على النوع الاجتماعي ستمثل حجر الأساس لوضع قوانين وسياسات مستدامة تهم حقوق المرأة. وفي حين تمكنت النساء من قيادة ورشات الأعمال، أو سرن معلمات، أو صانعات قرار مع أطر مخطط اتفاقيات السلام، فسيتحول جنوب السودان إلى جهة قادرة على وضع أسس دولة تخدم احتياجات شعبها.
إن المهر الذي يتم دفعه لإتمام الزواج في جنوب السودان يأتي على حساب فرص تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة. وعلى الرغم من أن مهر العروس يُدفع عادةً من الأبقار والماعز، إلا أن العائلات تضحي غالبا برفاهية بناتها وبفرص أفضل لكسب دخل أعلى.
مع تزايد العنف الجسدي والجنسي الذي عرفته الأسابيع الأخيرة، يبدو أن جنوب السودان معرض لخطر السقوط مرة أخرى في دوامة الصراع القومي والنزاعات واسعة النطاق. أما إذا كانت لدى جنوب السودان الرغبة في مواصلة السير على طريق السلام ومحاربة التخلف، فإن تنظيم مهر العروس يجب أن يدرج في جدول الأعمال.
**هانا حسن، طالبة جامعية في جامعة فرجينيا، متدربة حاليًا بمؤسسة الأطلس الكبير. **فرجينيا، الولايات المتحدة الأمريكية
www.deyaralnagab.com
|