logo
وباء جرائم الشرف في إيران يستمر في التفشي مع تساهل السلطة!!
بقلم : الديار ... 21.02.2025

تتواصل جرائم قتل النساء على أيدي أقاربهن وتستمر في الارتفاع تحت ذريعة ما يسمى جرائم الشرف، في ظل قانون يتساهل مع الجاني ويمنحه أحكاما مخففة، بل إنه لا يطبق في بعض الأحيان في حال وصلت القضية أصلا إلى المحكمة.طهران - في أواخر يناير الماضي، كانت لا تزال تعيش إيران صدمة الأخبار التي تفيد بأن فتاة تبلغ من العمر 17 عاما قُتلت طعنا على يد والدها في شمال غرب البلاد، لتنتشر أنباء جديدة تفيد بأن فتاة أخرى تبلغ نفس العمر قُتلت برصاص والدها وشقيقها بينما كانت تحمل طفلها بين ذراعيها.
الفتاتان كاني عبداللهي وعاطفة زغيبي، هما أحدث ضحايا تصاعد العنف ضد النساء على يد أفراد أسرهن والتي تشهدها بشكل متواصل جميع أنحاء إيران.
وبحسب دراسة أجرتها إذاعة فاردا التابعة لإذاعة أوروبا الحرة/راديو ليبرتي، قُتلت ما لا يقل عن 133 امرأة وفتاة في العام الماضي بدعوى “الشرف” أو لأسباب أخرى على يد أزواجهن أو آبائهن أو إخوتهن، وهذا يعني أنه كل يومين تصبح امرأة واحدة ضحية لقتل الإناث في البلاد.
وتشير مراجعة الحالات المبلغ عنها في إيران خلال العام الأخير من التقويم الإيراني، الذي يتألف من 318 يوما، إلى أن ثلاث جرائم قتل فقط لنساء ارتكبها أفراد من خارج أسرة الضحية، بدوافع مثل السرقة أو الاعتداء الجنسي في هذه الحالات. ولم تتضمن حالة واحدة سوى مواطن أجنبي.
**قضية قتل عائلي في عام 2024 منها 51 جريمة تم تصنيفها على أنها "نزاعات عائلية"
وقالت لجنة المرأة التابعة لمنظمة “المعارضة الإيرانية” إن 10 نساء قتلن داخل إيران بالإضافة إلى ثلاثة أطفال، خلال 10 أيام من شهر يناير الماضي.
وأضافت في بيان أن هذه “الموجة” من العنف الأسري تكشف عن “قضايا عميقة” متعلقة بالمجتمع والإطار القانوني المحيط بالعنف ضد النساء.
وتوثق اللجنة بشكل مستمر الانتهاكات الحقوقية وجرائم العنف الأسري داخل إيران. وعددت أسماء النساء اللاتي قتلن بين السابع عشر والسادس والعشرين من يناير الماضي، جميعهن ضحايا لرجال العائلة: الزوج، الأب والأخ.
وتنوعت هذه الجرائم بين الطعن بآلة حادة أو إطلاق النار أو الحرق حتى الموت. جريمتان منها، قام رجال بقتل زوجاتهم وبناتهم معا.
ويصف المدافعون عن حقوق الإنسان قتل النساء بأنه قتل بدافع مرتبط بالجنس وعادة ما يتوافق مع منع أو معاقبة الفتيات والنساء على أفعال تعتبر غير مقبولة اجتماعيا بالنسبة لجنسهن في المجتمعات الأكثر محافظة.
وتقول منظمة “أوقفوا قتل النساء في إيران”، وهي منظمة غير حكومية مقرها نيويورك، إن غالبية حالات قتل النساء في إيران يتم التغاضي عنها باعتبارها جرائم شرف أو نزاعات عائلية حيث يتم استهداف أحد أفراد الأسرة من الإناث بسبب أفعال تتعارض مع التقاليد المجتمعية أو المطالب الدينية أو سمعة الأسرة.
وفي قضية عبداللهي، ورد أنها قُتلت في الخامس والعشرين من يناير بسبب صداقتها مع شاب. وذكرت وسائل إعلام إيرانية أن مقتل زغيبي في التاسع والعشرين من يناير على يد والدها وشقيقها جاء بعد هروبها قبل عامين.
جرائم قتل النساء غالبا لا يتم الإبلاغ عنها أو يتم الإبلاغ عنها كذبا على أنها حالات انتحار أو حوادث
ووفقا لتقرير موقع “ركنا” الإخباري الإيراني، فقد فرت الفتاة قبل عامين مع شاب كانت تنوي الزواج منه. وبعد ذلك بعام، دفع زوجها مبلغ 600 مليون تومان (نحو 12 ألف دولار) لعائلتها، خلال جلسة عشائرية لحل النزاع والاعتراف بزواجهما رسميا، لكن والد عاطفة رغم تلقيه المبلغ، هدد بقتلها ونفذ تهديده لاحقا.
ولا توجد إحصاءات رسمية بشأن جرائم القتل المنزلية في إيران، ووفقا لمنظمة حقوق الإنسان الإيرانية غير الحكومية، فإن جرائم قتل النساء غالبا لا يتم الإبلاغ عنها أو يتم الإبلاغ عنها كذبا على أنها حالات انتحار أو حوادث.
وذكرت صحيفة شرق الإيرانية أن ما لا يقل عن 165 امرأة قُتلن على يد أفراد من أسرهن من الذكور بين عامي 2021 و2023. ويشير إجمالي عدد حالات القتل التي بلغت 133 حالة في عام 2024، والذي توصلت إليه إذاعة أوروبا الحرة/راديو ليبرتي، إلى زيادة في عدد الحالات.
وبعيدا عن قضية جرائم القتل الأسرية، فإن مراجعة أجرتها إذاعة أوروبا الحرة/راديو ليبرتي للإحصاءات الرسمية للحكومة الإيرانية تظهر أيضا أن أكثر من 74 ألف امرأة زارت مراكز الطب الشرعي لإجراء فحوصات بدنية بسبب العنف الزوجي.
وتشير تقديرات الباحثين ونشطاء حقوق الإنسان أيضا إلى أن العدد الفعلي لحالات العنف الأسري في البلاد أعلى كثيرا، حيث تشير بعض التقديرات إلى أنه قد يكون أكبر بما يصل إلى 100 مرة من العدد الرسمي للحالات المبلغ عنها.
موجة العنف الأسري تكشف عن "قضايا عميقة" متعلقة بالمجتمع والإطار القانوني المحيط بالعنف ضد النساء في إيران
كما يظهر تحليل لـ133 قضية قتل عائلي في عام 2024 أن 51 منها تم تصنيفها على أنها “نزاعات عائلية”، وهو ما تقول جماعات حقوق الإنسان إنه يتناسب مع اتجاه أوسع في إيران حيث تسعى السلطات إلى إخفاء جرائم الشرف عن الإحصاءات الرسمية من خلال الإبلاغ عنها بشكل خاطئ. ويحدث اتجاه مماثل مع حالات الاغتصاب، والتي غالبا ما يتم تصنيفها على أنها “تحرش” في وسائل الإعلام التي تديرها الدولة وتقارير الشرطة.
ويستند القانون الإيراني إلى قواعد وممارسات الشريعة الإسلامية. وكثيرا ما تمنح هذه القواعد الآباء والأزواج السلطة لاتخاذ قرار بشأن ما إذا كان ينبغي للأشخاص الذين يقتلون النساء في أسرهم أن يدفعوا ثمن جريمتهم، وكيف ينبغي لهم أن يدفعوا، مما يسمح بإصدار أحكام مخففة إذا كان أولئك الذين يقررون العقوبة متورطين في القتل أو متواطئين معه.
وتنص المادة 630 من قانون العقوبات الإيراني أيضا على أنه “متى رأى الرجل زوجته ترتكب الزنا مع رجل آخر وعرف أن الزوجة وافقت على ذلك، فإنه يحق له قتلهما معا في نفس الوقت، وإذا كانت المرأة بريئة، فلا يحق له إلا قتل الرجل”.
وقال المحامي وخبير حقوق الإنسان سعيد دهقان لإذاعة أوروبا الحرة إن هذه المادة غالبا ما تؤدي إلى إصدار القضاة أحكاما مخففة في قضايا القتل بدافع الشرف، وغالبا ما يختارون عدم فرض الحد الأقصى للعقوبة وهو 10 سنوات.
ويضيف أن هناك نقصا في الحماية القانونية للنساء في البلاد. فقد ظل مشروع قانون يهدف إلى توفير الضمانات للنساء على رفوف البرلمان الإيراني منذ تقديمه في عام 2013، ولم يتقدم إلى الأمام على الرغم من العدد المتزايد من حالات العنف ضد المرأة.
وفي السنوات الأخيرة، أدت جرائم قتل عديدة للنساء، والتي زُعم أنها جرائم شرف، إلى إثارة غضب الشارع الإيراني، حيث كانت رومينا أشرفي البالغة من العمر 14 عاما واحدة من هؤلاء، والتي قُتلت على يد والدها في عام 2020 بعد هروبها مع رجل يبلغ من العمر 28 عاما، بعد أن عارضت أسرتها هذا الزواج.
قضايا عميقة
ورتب والد أشرفي لاعتقال الزوجين. وعلى الرغم من التعبير عن مخاوفه على سلامتها، فقد أعيدت إلى أسرتها وقتلها والدها أثناء نومها باستخدام المنجل.
ومن بين الحالات البارزة الأخرى التي حدثت مؤخرا حالة منى حيدري البالغة من العمر 17 عاما، والتي قطع زوجها رأسها بعد فرارها من العلاقة المسيئة إلى تركيا ثم عودتها. وقد انتشرت لقطات للزوج وهو يستعرض رأسها في مدينته على الإنترنت، كما نشرتها بعض وسائل الإعلام.
وتم اعتقال والد أشرفي وزوج حيدري ومحاكمتهما، لكن حكم على الرجلين بالسجن لمدة أقل من 10 سنوات بتهمة القتل.
وحمّلت لجنة المرأة النظام الإيراني المسؤولية عن استمرار هذه الجرائم. وقالت إن المادة 612 من قانون العقوبات الإيراني، غالبا ما تعفي الجناة من العقوبات القاسية، خصوصا إذا اعتُبرت الجريمة تهديدا لـ”النظام العام”.
كذلك لا يعاقب الجاني إذا تنازلت أسرة الضحية عن حقها في القصاص. وهذه الثغرة، وفق اللجنة الحقوقية، غالبا ما تؤدي إلى عدم تحقيق العدالة بحق مرتكبي الجرائم، تحت مسمى “جرائم الشرف”.
ويؤكد ناشطون أن تساهل السلطات مع هذه الجرائم زاد من حدتها، وأطلق العنان لمرتكبي “جرائم لا تغتفر” نظرا للاختلاف الصارخ في تعامل النظام الإيراني مع الجرائم “تحت مسمى الشرف” مقارنة بالسياسيين، وفق معارضين للنظام.
ويقول حقوقيون إن هناك مشكلة أساسية في القانون الإيراني، وهي أن الأحكام الجنائية ذات طابع فقهي، ولاسيما الفقه الشيعي، الإثني عشري، موضحين أن الرجل المذنب في القضايا “تحت مسمى الشرف” بموجب القانون الإيراني، يصدر في حقه الحكم، لكن لا ينفذ حتى يدفع أهل الضحية نصف الدية “غير ذلك، لا ينفذ الحكم” وفق تعبيره.
تحت التهديد
وتطالب منظمة هيومن رايتس ووتش الحقوقية الدولية السلطات في إيران بإصلاح مشروع قانون العنف ضد المرأة، وجعله يتماشى مع المعايير الدولية قبل إقراره.وأوضحت في بيان سابق “سيؤدي التقاعس في دفع القانون إلى الأمام إلى تعريض حياة المزيد من النساء والفتيات للخطر”.
ومشروع القانون الذي تشير إليه المنظمة قُدّم في عام 2011 إلى البرلمان، بعنوان “حماية وكرامة وأمن المرأة ضد العنف”.ويتضمن أحكاما إيجابية، منها إلزام المسؤولين بتسريع التحقيقات في شكاوى العنف الأسري، وتشكيل وحدات شرطة خاصة للتحقيق في هذه الانتهاكات، ووضع أوامر تقييدية، وإنشاء صندوق لدعم ضحايا العنف الأسري.
لكنه أيضا، وفق هيومن رايتس ووتش، يحتوي على ثغرات عديدة، كعدم تجريم الاغتصاب الزوجي أو زواج الأطفال. كذلك، لا يقدم تعريفا واضحا عن العنف الأسري (المنزلي).
وفي يوليو 2024، حذرت صحيفة “اعتماد” الإيرانية، من ارتفاع عدد النساء اللواتي قُتلن بدافع “الشرف أو الخلافات العائلية”. وذكرت أنه في الربع الأول من أعوام 2022 و2023 و2024، قُتل ما لا يقل عن 85 امرأة على يد رجال من عائلاتهن، وكانت طهران على رأس الإحصائيات.
وقالت الصحيفة إن أخبار قتل النساء “في معظم الحالات لا يتم نشرها في وسائل الإعلام”. وأضافت أن العدد الأكبر من جرائم قتل النساء نفذها “أزواج الضحايا” لأسباب عائلية أو بدافع “الشرف”.
وأحصت الحملة الدولية ضد جرائم الشرف عام 2020 مقتل 450 امرأة في إيران بدافع “الشرف”.وتعرّف الحملة هذه الجرائم بأن الجناة يدّعون ارتكابها “بدافع الشرف”، مثلا يقتل الرجل أخته أو زوجته أو ابنته. والضحايا في هذه القضايا إما يكنّ “رفضن زواجا مرتبا (تقليديا) أو تعرضن للعنف الجنسي أو الاغتصاب، وقد يتم اتهامهن بإقامة علاقات جنسية خارج الزواج، كما قد يعبرن عن رغبتهن في الطلاق”.


www.deyaralnagab.com