حكم دستوري يُعمق مآسي المطلقات في مصر!!
بقلم : أحمد حافظ ... 15.04.2025
القاهرة - استقبلت المصرية شيماء حمدي، المطلقة منذ ثلاث سنوات وتعيل ثلاثة أبناء، حكم المحكمة الدستورية العليا بإسقاط حق المرأة الحاضنة في الاحتفاظ بمسكن الحضانة بعد بلوغ الصغير خمسة عشر عاما، بقلق وخوف من المستقبل لأنها صارت تواجه مصيرا مجهولا بالعجز عن توفير مكان آمن تعيش فيه بعد ذلك.
وقضت المحكمة بانتهاء حق الحاضنة في الاحتفاظ بمسكن الحضانة بعد بلوغ أبنائها السن الإلزامي، وعليها إعادة المسكن للمطلق، لأن التزام الرجل بتهيئة منزل للحاضنة بعد الانفصال لإعالة أولادها لا يعني أن تظل فيه طوال الوقت، بل من حقه أن يسترد مسكنه والانتفاع به عقب بلوغ الأبناء سن الخامسة عشرة.
أثار الحكم جدلا واسعا بين أوساط النساء، والرجال أيضا، لأنه يعني ضمنيا طرد المرأة المطلقة التي تعيل أولادها من مسكن الحضانة الذي وفره زوجها السابق عندما يصل الأبناء إلى سن البلوغ، وبعدها لا يكون من حقها أن تستمر في السكن أو يضطر الرجل إلى توفير مكان لتقيم فيه أو يدفع لها ما يوازي ذلك.
قالت شيماء حمدي لـ”العرب” إن قرار المحكمة بتحديد سقف لإقامة المطلقة في منزل الحضانة على نفقة زوجها السابق سوف يضر بالكثير من المطلقات، لاسيما الفئة التي ترفض الزواج مرة ثانية وتقرر أن تعيش راعية لأولادها فقط، حتى لو وصلوا سن البلوغ وما بعد ذلك، فأين سيعشن أولائك النساء مستقبلا؟
وأضافت “هناك مطلقات سيصل سن أولادهن الخامسة عشرة بعد عام أو عامين، ماذا سيفعلن عندما يصبحن ملزمات بتسليم مسكن الحضانة للرجل، تنفيذا لحكم القضاء. والظروف المعيشية لا تسمح للكثيرات من هذه الفئة بشراء وحدة سكنية أو استئجارها، لذلك فالحكم جاء صادما.”
الأحكام القضائية كانت تصدر حسب كل حالة على حدة ونادرا ما يُنصف القضاء الرجل على حساب مطلقته مراعاة لأولاده
وحمدي مثل الكثير من المطلقات المصريات لا تعمل، وحاصلة على مؤهل متوسط، ومنذ طلاقها قام زوجها السابق بتوفير وحدة سكنية لتقيم فيها برفقة أولادها، وتعيش على النفقة الشهرية التي تتحصل عليها منه، مع بعض المساعدات المالية من أشقائها كي توفر الحد الأدنى من المتطلبات المعيشية لأبنائها.
صحيح أن أولادها لا يزالون في سن صغيرة وأكبرهم وصل إلى عُمر العاشرة، لكنها عقّبت “عندما يصل أولادي الثلاثة إلى سن البلوغ، وأنا قررت عدم الزواج مجددا، أين سأعيش، وإذا قرر أولادي أن يسكنوا معي مستقبلا ورفضوا الإقامة مع والدهم، ماذا أفعل، وبأي مقابل مادي سأوفر كلفة الإقامة وظروف المعيشة.”
وجرى العُرف القضائي في مصر أن على الرجل الذي يرغب في استرداد مسكن الحضانة من مطلقته، بعد فترة معينة، أن يرفع دعوى قضائية لتمكينه من السكن لأسباب كثيرة، مثل زواج مطلقته مرة ثانية أو لأن ظروفها المادية تحسنت وتستطيع توفير وحدة سكنية، أو لأن أولاده وصلوا إلى سن البلوغ وبإمكانهم الاعتماد على أنفسهم.
كانت الأحكام القضائية تصدر حسب كل حالة على حدة ونادرا ما يُنصف القضاء الرجل على حساب مطلقته مراعاة لأولاده، حتى قام زوج سابق برفع دعوى قضائية أمام المحكمة الدستورية يطلب فيها تمكينه من منزل الحضانة، أو ما يُعرف بـ”رد مسكن الحضانة”، ثم أصدرت المحكمة قرارا عاما وملزما لكل النساء.
ولم يعد أي رجل مطلق في مصر بحاجة إلى رفع دعوى قضائية لتمكينه من منزله الذي تعيش فيه زوجته السابقة وأولادها، طالما وصلوا سن الخامسة عشرة، حيث قالت المحكمة في تفسيرها للقرار إنه ملزم لجميع الجهات المختصة في الدولة بتنفيذه لصالح أي رجل ينطبق عليه هذا الحكم دون لجوئه إلى القضاء.
وتنتهي حضانة الأم لأولادها عند بلوغهم سن الخامسة عشرة، أما إذا كانت بحاجة إلى أن تستمر في الحضانة لفترة أخرى فعليها أن تتقدم بطلب إلى القاضي الأسري ليسمح لها بذلك، إذا رأى أن مصلحة الأبناء تقتضي ذلك، ولكن هذا لا يعني احتفاظها بمسكن الحضانة لأنها بذلك ستكون “متبرعة بالحضانة،” وفق المحكمة.
وحسب القوانين المصرية، القاعدة أن تكون شقة الزوجية للمرأة الحاضنة بعد الطلاق، ولكن عندما يبلغ الأبناء السن الإلزامي (البلوغ) يحق للأب أن يطلب ضم أولاده إلى حضانته، وهنا يقوم القاضي الأسري بتخيير الأبناء بين الإقامة مع الأب أو الأم، إلا أن المحكمة الدستورية لم تُلزم الأب بالمسكن بعد البلوغ.
وقال عادل بركات الباحث المتخصص في شؤون العلاقات الأسرية بالقاهرة إن قرار المحكمة الدستورية يربك حسابات الكثير من المطلقات، والخوف أن يؤثر ذلك على أولادهن مستقبلا، كما أن المشكلة الأكبر تكمن في شح الدعم الأسري للمرأة المطلقة اعتمادا على أنها اختارت لنفسها هذا المسار وعليها أن تتحمله.
وأوضح لـ”العرب” أن الكثير من المطلقات لا يتزوجن لرعاية أولادهن، وهؤلاء ستكون المشكلة أكبر بالنسبة إليهن ما يتطلب وقفة جادة من المؤسسات الرسمية لتوفير الرعاية والأمان المجتمعي والدعم المادي لتلك الفئة حتى لا تتم معاقبتهن على أنهن اخترن الرهبنة من أجل الاستمرار كخادمات لأبنائهن.
لم يعد أمام كل مطلقة مصرية تواجه الطرد من مسكن الحضانة إلا أن تحظى بمظلة رعاية حكومية توفر لها وأولادها المساعدة المستمرة
واستند القرار القضائي إلى أن الرؤى التشريعية التاريخية لم تستقر على مدة معينة لانتهاء فترة الحضانة بشكل كُلّي بل خضعت لاجتهادات، وهناك إجماع على أن تحتكر الأم رعاية شؤون أولادها في الفترة الأولى من حياتهم، وأن يصبحوا قادرين على التمييز بين الصواب والخطأ، والقدرة على الوفاء باحتياجاتهم.
وفسّرت المحكمة بأن وصول الأبناء سن البلوغ يعني أنهم لم يعودوا بحاجة إلى خدمة النساء وصاروا مؤهلين للحياة من النواحي النفسية والعقلية، وطالما تحقق الغرض بأن مصلحة الصغير صارت مؤمّنة ولم يتعرض لأذى خلال فترة رعايته الأولى، فإن مسكن الحضانة الذي شهد تلك الرعاية يؤول إلى صاحبه مجددا (الأب).
وتقود تلك القاعدة الدستورية إلى تحول جذري في ملف حضانة الأبناء، لأن الحكم أنهى الالتزام السابق الذي كان يقع على الرجل بتوفير مسكن للحاضنة وأولادها بعد سن البلوغ، ولو صدر حكم باستمرار احتفاظ الأم برعاية وحضانة أبنائها طوال حياتها، لكن سوف تصبح ملزمة بتوفير مسكن لهم، إلا إذا قرر الأب التنازل.
ومن شأن الحكم الأخير، الذي أصبح باتا ونهائيا ولا يُطعن عليه، أن يعمق مآسي المطلقات في مصر، حيث يعشن ظروفا صعبة، بدءا من ضعف قيمة النفقة الزوجية التي يحصلن عليها شهريا، مرورا بالنظرة المجتمعية السلبية، وانتهاء بتعرضهن لمطاردات مستمرة من أزواجهن السابقين، كنوع من الانتقام والإذلال.
ولم يعد أمام كل مطلقة مصرية تواجه الطرد من مسكن الحضانة إلا أن تحظى بمظلة رعاية حكومية توفر لها وأولادها المساعدة المستمرة، كي لا ينعكس حكم القضاء الدستوري على استقرارها المعيشي وتصبح مهددة بالتشرد في الشارع بمجرد وصول أبنائها إلى سن البلوغ تنفيذا لقرار المحكمة.
*المصدر : العرب
www.deyaralnagab.com
|