سياقة المرأة... لنغلق هذا الملف!!
بقلم : د.خالد الحروب ... 28.10.2013
نراوح في مكاننا بشكل مدهش، ونهدر عقود السنين والوقت كأنها لا تستحق شيئاً. المتأمل في القضايا التي كانت قد استهلكت جهد وتفكير وكتابات جيل النهضة في أوائل القرن العشرين سيرى أنها هي ذاتها التي تستهلكنا الآن في القرن الحادي والعشرين: موقع المرأة ودورها، الدين والسياسة، الاستبداد والحرية، الحداثة والتقليد، وهكذا. تذكرت هذه الحقيقة المرة التي تحرجنا في قاعات التدريس، وأنا أتابع النقاش الحالي المُستجد حول سياقة المرأة للسيارة في السعودية. قبل أكثر من ثماني سنوات كتبت السطور التالية وعندما عاودت الاطلاع عليها وجدتها وكأنها كُتبت للتو... ليس لأنها عظيمة بل لأننا نراوح مكاننا. ثمة مسوغ لإعادة اختصار تلك السطور لعدالة القضية ولضرورة غلق الملف فعلاً، وكانت قالت بالأمس وتكرر اليوم التالي: بصراحة وبلا لف أو مواربة: القضية ينبغي أن تنتهي بشكل رسمي وقانوني وشعبي: للمرأة السعودية الحق أن تقود السيارة مثلها مثل نظيراتها في كل دول العالم، وفي مقدمتها الدول الإسلامية. والمجتمع السعودي مجتمع عربي مسلم مثله مثل عشرات المجتمعات الإسلامية، والمرأة فيه لا تقل ولا تزيد عن المرأة في سائر المجتمعات الإسلامية. والمرأة المسلمة والعربية، وتحديداً المرأة الخليجية في الإمارات وقطر والبحرين والكويت وعُمان الجارة للمرأة السعودية تقود السيارة في بلدها وخارج بلدها ولا يترتب على ذلك «انهيار» المجتمع وانكشافه «للأعداء الخارجيين». وقياساً فإن للمرأة السعودية التي أثبتت نفسها في ميادين العمل والاقتصاد والتعليم حق أن تُترك لتمارس ما تريد، سواء في قيادة السيارة أم غير ذلك. على معارضي هذه الخطوة الصغيرة أن يتأملوا في معارضتهم خاصة عندما يربطون قيادة المرأة للسيارة بـ«انهيار المجتمع» وتغربه، وكأن هذا الغرب يتربص بنا وينتظر على أحرّ من الجمر الفرصة التاريخية لقيادة المرأة العربية للسيارة كي يهيمن على مجتمعاتنا. السعودية هي البلد الوحيد في العالم الذي لا تسوق فيه المرأة السيارة، وهو بالتأكيد تميز لا تريده السعودية ولا السعوديون.
... والمشكلة أن آراء معظم من يتحدث إليهم المرء، أو الكتابات التي يقرؤها، تكشف أن الغالبية هي ضد هذا الحظر الذي صمد بشكل مدهش إلى مطلع القرن الحادي والعشرين، ولكن عندما يجد الجد تختفي جرأة كثيرين. ولعل الشريحة التي تستحق الإدانة الأشد هي شريحة رجال الدين الذين يقفون موقفاً لا عقلانياً ولا دينياً في هذه المسألة ويحشرونها في قالب الشرع بشكل يقولب الإسلام والفقه الإسلامي في قوالب لا علاقة لها بالحياة من حولها. فلو كان الفقه الإسلامي بهذا الجمود الذي يصر عليه رجال الدين هؤلاء لما وصل إلى أقاصي الأرض وتفاعل مع الزمان والمكان في هذا المصر أو ذاك، ولما دخله الأسود والأبيض والغني والفقير والمرأة والرجل.
وفي المقابل فإن المبررات التي يسوقها المستنيرون من العلماء ورجال الفكر تقنع كل من له عقل، ومع ذلك يأتي الرد بأن قوة المبررات لا معنى لها، وأن الغالبية التي تؤيد سياقه السيارة لا قوة لها، لأن ذلك كله ضد «الشرع»، و«الشرع» هنا هو تفسير رجل الدين المعني الذي يريد أن يستمر في إطباق يديه على المجتمع. لم تترك تلك المبررات التي ساقها مؤيدو إنهاء الحظر جانباً إلا وعالجته: شرعاً، واقتصاداً، وأمناً، وثقافة، واحتراماً للذات. ومع ذلك لا تزال الأصوات التي تدعم تلك المطالبة في الوسط الديني السعودي قليلة. بل إن بعض رجال الدين الذين كانوا قد ترددوا في السابق وأبدوا آراء فيها ليونة إزاء هذه «المعضلة» عادوا وتراجعوا بسبب ضغط المؤسسة الدينية!
وهنا، كيف يمكن لعقل، ديني أو دنيوي، أن يقبل فكرة وجود مئات الألوف من السائقين الآسيويين يجوبون الشوارع من مكان لآخر مع ما يترتب على ذلك من هدر لعشرات الملايين، وربما مساس بالقيم التي تهم ويدافع عنها رجال الدين، ويرفض فكرة أن تكون المرأة سيدة نفسها في سيارتها؟
في كل لقاء إعلامي أو أكاديمي وأحياناً اجتماعي في الغرب، في سياق اللقاءات المؤيدة للقضايا العربية، نواجه من قبل أصدقاء العرب بنداء مخلص للانشغال بشكل جدي بقضية المرأة التي ما زالت قضية القضايا وكأننا لم نتحرك إلى الأمام من أيام هدى شعراوي وقاسم أمين. أما في اللقاءات المعادية للقضايا العربية فإن ما نواجه به هو أننا مجتمعات لا أمل بشفائها، وأنه قبل أن ننتقد ممارسات الغرب وسياساته تجاه بلداننا فلننظر إلى تلك المجتمعات التي لا تستطيع فيها المرأة حتى أن تقود سيارتها بنفسها!
لا أحد يقلل من ثقل المؤسسة الدينية في مجتمعاتنا، وفي مقدمتها المجتمع السعودي، ولكن المجاملة والمسايرة مضاف إليها تردد رجال الدين المستنيرين يشجع تلك المؤسسة على المضي في تشددها. وفي عصر لم تعد فيه تجدي غير المكاشفة التامة ومواجهة القضايا من دون مواربة صار لزاماً على السعوديين والسعوديات أن ينهوا ملف قيادة المرأة للسيارة بأسرع وقت، لأن في بقائه تشويهاً للعرب والمسلمين أيضاً. فهذه هي الحالة الوحيدة والفريدة في العالم التي يمنع القانون فيها المرأة من قيادة السيارة، ويبرر ذلك القانون باستخدام الدين والمسوغات الشرعية. وما ينبغي أن تنظر إليه المرأة السعودية وشقيقها الرجل هو ترقية وضع المرأة في المجتمع والسير بها نحو مكانة ومشاركة أرفع، اجتماعية ومهنية وسياسية».
www.deyaralnagab.com
|