العرب بلا عنوان:المأساة بتصرف!!
بقلم : د. لبيب قمحاوي* ... 09.12.2013
من الخطأ الأفتراض أن الوضع المأساوي الذي يعيشه العالم العربي الآن قد جاء بشكل مفاجىء أو نتيجة لأسباب تعود الى الوضع الذي مرت به المنطقة مؤخرﴽ .مانحن بصدده الآن هو محصلة مسلسل طويل وتراكمي من الأنتهاكات للثوابت العربية وعلى مدى اكثر من ستة عقود أدت بنا الى ما نحن فيه الآن من مآسي و كوارث.
الأحداث المتلاحقه و التطورات السلبيه فرضت على المواطن العربي مسارات ليست من صنعه أو إختياره ووضعته بالتالي أمام مجموعة من الخيارات التي لا تعكس بالضروره مصالحه سواء جزئياﹰ أو كلياٴ. واختلاط الأمور هذا أدى الى أن تفقد البوصلة قدرتها على تحديد الأتجاه الصحيح وهكذا تختفي الخسائر الحقيقيه و الكبيره بين أكوام من التفاصيل الصغيره التي لا تعكس أي قيمة وطنية أو استراتيجيه.
انهيارمنظومة الثوابت العربيه الرئيسيه تم على أيدي حكام و قيادات فاقده للأحساس بالمسوؤلية الوطنيه و الوازع الأخلاقي و لا يهمها سوى مصالحها الأنانية وديمومة تلك المصالح.وانتهاك هذه الثوابت هو بمثابة تدمير للأسس التي تحمي الأمه و مستقبلها و مصالحها.
ومع أن معظم هذه الثوابت قد تم انتهاكها بالحد الادنى من الاعتراض الشعبي ، وعلى كل حال فإن هذه الأنتهاكات تمت بالتواطؤ العلني للأنظمة الحاكمه و بقرار أو رغبة منها و ليس من الشعوب.
إن غياب الديمقراطية وتمادي الانظمه العربيه الحاكمه في استبدادها واستعبادها لشعوبها قد جعل من انتهاك ثوابت الأمه أمراﹰ ممكناﹰ اذا ما توفرت النية لدى تلك الأنظمة لفعل ذلك.
أول و أهم الثوابت التي تم انتهاكها هي قضية فلسطين و حقوق الشعب العربي الفلسطيني في أرضه ووطنه. وقد تم هذا الأنتهاك ابتداءً بأيدٍ عربية ً من خلال معاهدة السلام في كامب ديفيد التي أدت الى السلام المصري- الاسرائيلي وخروج مصر من معادلة الصراع. وقد أعقب ذلك الضربة القاضية للقضيه الفلسطينيه من خلال اتفاقية أوسلو بين نظام الحكم الفلسطيني بقيادة ياسر عرفات و اسرائيل. وقد أدت هذه الأتفاقية الى بدء مسلسل التنازلات الفلسطينيه الأستراتيجية و العلنية مقابل تنازلات شكلية اسرائلية. وبالأضافه ٬ فقد فتحت هذه التنازلات المجال أمام دول عربية أخرى مثل الأردن لتوقيع معاهدةْ سلام منفرده مع اسرائيل ٬ودول عربيه أخرى مثل بعض دول الخليج العربي والمغرب العربي لأقامة علاقات شبه دبلوماسيه صامتة مع اسرائيل .
أما الثابت الثاني الذي تم انتهاكه فهو وحدانية الهوية العربيه كتعبير عن الهوية السياسية لشعوب الأمه العربية. وخلال العقود السبعة الأولى من القرن العشرين لم يتجرأ أي حاكم أو مسؤول عربي على التنصل علناً من عروبتة و أنتماءه القومي سواء كنظام حكم أوكشعب أو كدوله الى أن تم الأعلان عن إنشاء مجلس التعاوني الخليجي في 25 ايار1981 الذي شكل الخطوة الأولى في اتجاه التغاضي عن الهويه العربيه و تقديم هوية سياسية جديده للدول و الشعوب المنتمية الى ذلك المجلس وهي بالتحديد الهويه الخليجية.
وقد حاول أنور السادات طرح الهوية الفرعونية لمصر عقب اتفاقات كامب ديفيد الا أن تلك المحاولة فشلت لعم وجود أرضية واقعية لها أو قبول شعبي بها. ولكن تبقى المحاوله الخليجيه هي الأخطر حيث شكلت القاعده الشرعيه وقدمت الأسبقيه لمحاولات مماثله للأنقضاض لاحقاً على الهويه العربيه أو السماح بتفكيكها الى هويات فرعيه أو مذهبية.
والثابت الثالث الذي تم انتهاكه هو وجوب حل المشاكل و الخلافات العربيه بالوسائل السلمية و بأيدي عربيه و ضمن مؤسسات النظام العربي و أهمها الجامعة العربيه ومؤسسات العمل العربي المشترك وقد نجح هذا المبدأ بشكل واضح في البداية عندما تم استعمال المظله العربيه لوقف الحرب المحتمله بين العراق و الكويت في عهد الرئيس العراقي عبدالكريم قاسم عام 1961. وفي المقابل فإن هذا المبدأ قد سقط في عدة اختبارات كان من أهمها النزاع المغربي- الجزائري حول الصحراء٬ والصراع المصري- السعودي في اليمن.
أما الثابت الرابع فيتمثل في مبدأ عدم جواز احتلال أي أرض عربية بالقوة من قبل أي دولة عربية أخرى. و اكبر مثلين على ذلك هما احتلال سوريا لدولة لبنان و الذي ابتدأ كقوات حفظ سلام عربيه بغطاء عربي لينتهي كإحتلال سوري فعلي ومباشر للدولة اللبنانيه . والمثل الثاني بالطبع هو احتلال العراق لدولة الكويت في عهد الرئيس صدام حسين.
أما الثابت الخامس والقاضي بعدم المشاركة أو التعاون مع اي قوة غير عربية تقوم بالأعتداء العسكري على دولة عربية ٬ فقد تم انتهاكهه أكثر من مرة. والانتهاك تم مباشرة و بشكل علني من خلال المساهمه العربية في الاعتداء الاول على العراق انطلاقاً من "حفر الباطن" في السعوديه وبمشاركة عربية واضحه . وقد تبع ذلك الحرب الثانية على العراق حيث تم احتلال هذا البلد العربي وتدميره وتفكيك مؤسساته وتقسيمه . والأمور لم تقف عند حدود التدخل العسكري المباشر بل امتدت للمساهمه بشكل غير مباشر وغير معلن في تسهيل عمليات التجسس من قبل دول غير عربية على دول عربية أخرى أو تسهيل العدوان على منشآت عربية مثل التسهيلات التي أعطيت للطائرات الأسرائيليه للقيام بعملية قصف المفاعل النووي العراقي.
لقد أدت كل تلك الأنتهاكات تدريجياً وبشكل تراكمي الى خلخلة النظام العربي وتفكيكه تدريجياً خصوصاً وأن تلك الأنتهاكات قد سبقها أو رافقها استلام انظمه دكتاتوريه فاسده لمقاليد الحكم في معظم الدول العربيه مما ساهم في خلق مزيج عجيب وخطير من عوامل التجزئه والتخلف التي أدت الى الأنهيار الفعلي للنظام العربي وتحوله الى عنوان بلا محتوى وجعل معظم الدول العربيه في حالة مستعصية من التخلف والأنحطاط الأمر الذي سهل على قوى إقليميه ودوليه الأنقضاض على أشلاء العالم العربي والأمعان في تمزيقها ونهب ثروتها .
ولكن, كيف يمكن أن ننطلق من الواقع الحالي الى مستقبل أفضل ؟
ان إعادة تعريف الثوابت والمصالح المشتركه والأنتقال بها من المضمون الرومانسي الى المضمون العملي والمصلحي هو نقطة البدايه الصحيحه. فدول الخليج تعلم الأن جيداً أن الأحتماء خلف أسوار مجلس التعاون الخليجي والهوية الخليجيه لن ينفع لأن الأخطار المحدقة ببعضها خصوصاً السعوديه والكويت والبحرين تأتي من خارج المنطقه العربيه وأن عمقها الأستراتيجي الحقيقي هو في المنظومه العربيه وخطر الانشقاق المذهبي بين سنة وشيعه هو في طريقه لأعطاء هويه مذهبيه لتلك الطوائف عوضاً عن الهوية العربية كهوية سياسيه.وهذا من شأنه أن يشق السعوديه ويشتت بعض دول الخليج مثل الكويت والبحرين٬ ويضعها جميعاً تحت خطر القسيم و الهيمنة الأيرانية.
المضمون الرومانسي الذي رافق الحقبة الناصرية وشكل خطرﴽ حقيقياﹰ على العديد من الأنظمة العربية السائدة في ذلك الحين أدى الى اعتبار العروبه و المد القومي و الوحده العربية المنشودة خطراﹰ عليها دفعها لمقاومته في بلادها وان كان ذلك يتم بصمت. وقد لجأ العديد من تلك الدول مثل السعوديه الأردن الى الأستعانه بالأسلاميين وحركة الأخوان المسلمين لمقاومه المد القومي!!
*كاتب اردني
www.deyaralnagab.com
|