يغتصبونها ثم يتهمونها بتدنيس شرف العائلة!!
بقلم : سهيل كيوان ... 27.02.2014
لو كان نظام الأسد معروفًا أو معتادًا على الرد الفوري على اعتداءات إسرائيل جوًا برًا وبحرًا، لاستنتجنا أن حربه الداخلية أشغلته عن ردّه المعتاد و(الذي يفترض أن يكون حازمًا مؤلمًا)، وحمّلنا الثورة السورية وزر نكوصه وتقاعسه وعدم جرأته بالرد على طائرات إسرائيلية أغارت على أراضيه ودمّرت (أو لم تدمّر) هدفًا ما، وذلك لانشغاله المشروع بمحاربة ‘الإرهاب’.
لو أننا (أولاد اليوم) ولم نسمع الجملة الشهيرة التي صار يستحي مسؤولو النظام وإعلاميوه كما يبدو من تكرارها عن ‘الزمان والمكان المناسبين’ عشرات المرات، لو ردّوا على اعتداء واحد من اعتداءات إسرائيل التي توقف النظام عن عدّها ومنها التحليق فوق القصر الجمهوري، لقلنا إن الثورة السورية تتحمّل العار، وهي التي أضعفت النظام وحالت دون رده (الصاعق والمؤلم) على عدوانية إسرائيل! وقلنا ساق الله تلك الأيام التي كان النظام السوري يرد ولا يؤجل عمل اليوم إلى يوم يبعثون، وكنا سنتفهم الوضع لو قال النظام من أول غارة ‘منكم لله يا صهاينة..’ لفهمنا أنه ينوي الرد بالفعل ولكنه ضعيف عاجز!
لو أن الجيش العربي السوري الذي سرقه النظام وحوّله إلى جيش الدكتاتور لم يتدخل ضد الثورة، ولم يكن قادته الكبار بمعظمهم خدمًا لتنفيذ القرار السياسي للنظام بقمع الثورة، لو أنهم تعاملوا مع شعبهم كبشر، أو تدخلوا لوقف المجزرة قبل الإيغال فيها بهذا الشكل الإجرامي، لقلنا إن من وافقوا على تلقي العلاج في إسرائيل خونة أولاد خونة، وتبًا ثم تبًا لهم، ولكن أن نصفهم بالخونة بينما براميل ‘الصمود والتصدي’ تتساقط من السماء على أحياء مدنهم وقراهم وتقتل خلال ثلاثة أسابيع في حلب لوحدها حوالي ألف إنسان بينهم حوالي 200 طفل!! أن نصف بالخونة من يحاصرون لأشهر ويُمنع عنهم الرغيف وحبة الدواء رغم الضغوط الدولية، والأهم إذا ألقي القبض على أحدهم يقتل بالرفس والعصي والأدوات الحادة ويهتك عرضه وعرض كل من يقربه ثم يتم التمثيل بجثته! مثل من يغتصبها ذووها ثم يتهمونها بتدنيس شرف العائلة!
أما تصوير زيارة نتنياهو لأحد الجرحى في صفد وتحويرها إلى شهادة تصب في صالح النظام فهذا ظلم فادح.
إن أكثر ما يخشاه نتنياهو هو نجاح الربيع العربي وخصوصًا الثورة السورية وتخلص شعبها من نظام بائس ضعيف بات ملعونًا بين الأمم من قبل كل صاحب ضمير، لهذا بالذات يقف نتنياهو ويلتقط صورة وهو يزور جريحًا سوريًا في صفد كي يستغل الصورة إعلاميًا، فهو لم يعتد على زيارة جرحى حتى من الإسرائيليين إلا بعد توجيه انتقادات له!
في زيارته للجريح السوري والتقاط الصور أراد نتنياهو الإساءة للثورة السورية وبالذات للجيش الحر، والتأكيد على أنها جزء من مؤامرة هو أحد أطرافها! النظامان السوري والسعودي يقومان بالذبح وإسرائيل تختم (كاشير)، قيامه بهذه الزيارة أثناء زيارة المسشارة الألمانية إنجيلا ميركيل جاء ليذكر ميركيل والألمان والأوروبيين بوحشية العرب، وأنه هو الذي يمثل الوجه الحضاري ‘الأوروبي’ في المنطقة، أما الغارة التي ما كانت لتتم بلا موافقته فهي وخزة أخرى لميركل ليقول لها إن إسرائيل مهددة ومحاطة بالأعداء، وهي لا تعتمد إلا على نفسها، وها هي تضرب قافلة سلاح معدة لقتل اليهود (قد تكون حقيقية أو وهمية).
من جهة ثانية في أوكرانيا هرب الرئيس يانكوفيتش، والبرلمان الأوكراني يطالب المجتمع الدولي بمحاكمته، واتضح أن رجل موسكو أو رجل بوتين يمارس فساده مثل دكتاتور عربي، فهو يعيش في قصر أسطوري وحتى مرحاضه من الذهب، ولكن في الوقت ذاته اتضح أن هناك قيمة لدماء الناس وأرواحهم، وأن أوكرانيا ليست سورية، ولا تسامح مع إراقة دماء البشر فيها، وقد حاول يانكوفيتش أن يلعب دور دكتاتور عربي، وظن أن معاملته ستكون بالمثل، فوصف المتظاهرين بالمخربين والإرهابيين، وأعلنت وسائل إعلامه أن ‘المخربين والإرهابيين’ هم الذين بادروا وأطلقوا النار وقتلوا بعض رجال الشرطة، تمامًا كما كنا نسمع من إعلام أنظمة الإنحطاط العربي في بداية انطلاق المظاهرات والاعتصامات، وبدأنا نسمع عن مؤامرة لتقسيم أوكرانيا، وأعلن بوتين بالضبط كما سبق وأعلن في سوريا أن ما يحدث هو عمل إرهابيين وهو انقلاب على الشرعية، وتبين أن بوتين يحترم ‘الشرعية’ فقط في ‘الزمان والمكان المناسبين’، بينما يستقبل المشير (ال سي سي) ويؤكد معه على ضرورة محاربة ‘الإرهاب’، فلا انقلاب في مصر ولا هم يحزنون! بوتين قدم للنظام السوري السلاح اللازم لمقاتلة شعبه وقمع ثورته، ووقف إلى جانبه في المحافل الدولية حتى صار يفاوض باسمه، ولكننا لم نر من أسلحته المتطورة شيئًا في التصدي لطائرات إسرائيل المغيرة، وصواريخ إس 300 التي أصمّوا آذاننا بها وقلنا من وقتها بأنها لم ولن تصل، لم نرها تحمي فضاء سوريا، لأن المتفق عليه هو قمع الشعب السوري وثورته باسم ‘محاربة الإرهاب’، وليس التصدي لطائرات إسرائيل.
من جهته النظام السعودي انسحب مثل الشيطان بعدما أغرى آدم بالكفر، بعدما اطمأن إلى ذبح الثورة السورية وتلويثها ووصمها بالإرهاب، وحرف ما بدأت لأجله كثورة سياسية اجتماعية، ونجح إلى حد كبير بوصمها بالطائفية والتكفير والتذبيح، حتى صار كثيرون من السذج يتمنون عودة الدكتاتورية أو بقائها مهما كانت حقيرة.
تقاطع مصالح الأنظمة المعادية لحرية شعوب المنطقة السوري والسعودي وإسرائيل وروسيا وإيران وذراعها المتمثلة بحزب الله والصمت والتواطؤ الدولي المشين حوّل سورية إلى أفغانستان أخرى، من حيث أعداد اللاجئين والعنف والدمار، ومن حيث تشرذم القوى المعادية للنظام وصراعها بعضها ضد بعض، وهذا ليس ذنب ثورة الشعب السوري بل ذنب الطاغية ونظامه وشبيحته الذي أصر وما زال مصرًا على إنكار وجود ثورة، ووصف ما يحدث بأنه أعمال إرهابية ومؤامرات أجنبية، وهو ذنب الدول العظمى وأوروبا التي تكيل بعشرة مكاييل، وتميز بين دم العربي والمسلم ودماء الأوكرانيين وغيرهم من شعوب الأرض.
www.deyaralnagab.com
|