قراءة في رؤية السيسي لحكم مصر!!
بقلم : وفاء صندي* ... 25.05.2014
ايام قليلة فقط تفصل مصر عن انتخاباتها الرئاسية والتي جاءت نتيجتها في الخارج لصالح المرشح الرئاسي عبد الفتاح السيسي بنسبة 94% من اصوات الناخبين (وان كانت نسبة المشاركة لم تتجاوز فعليا 14% من اجمالي عدد المقترعين)، وهو المرشح المحسومة النتيجة لصالحه منذ البداية، ليس فقط لأنه يحظى بشعبية كبيرة، والتي تبقى على اوسع نطاق في صفوف ما يعرف في مصر بحزب الكنبة عكس غريمه الذي استطاع استقطاب فئة واسعة من الشباب والثوار وحصل على تأييد في اوساط الكتلة المتحركة، ولكن ايضا لأنه يتمتع بدعم الاعلام وامتياز اجهزة الدولة التي لا تقف على بعد نفس الخطوة من المرشحين، مما يسيء للأسف للعملية الديمقراطية ككل.
والاعلام المصري الذي اراد له المرشح السيسي ان يعمل على تشكيل الوعي الاجتماعي، والذي لا اعلم اذا كان ذلك سيتم عن طريق برنامج تصفى من خلاله الحسابات السياسية، او عن طريق انتاج او الترويج لاغنية حماسية لحظية تنتهي صلاحيتها بمجرد انتهاء ظرفيتها، فيبقى له الدور الاكبر في حملة السيسي الانتخابية، فهو الذي رفع شعار “تحيا مصر”، وهو نفسه شعار السيسي الانتخابي. وهو ايضا الذي يعمل جاهدا من اجل تشجيع المصريين على المشاركة في العملية الديمقراطية، اولا تأكيدا لشرعية ثورة 30 يونيو، وثانيا واساسا لحث مؤيدي السيسي من حزب الكنبة على ضرورة النزول والمشاركة.
وهو ايضا الاعلام الذي لم يكن حياديا في تقديمه للمرشحين، بل بدا منذ البداية يميل بالكفة نحو السيسي الذي حاول في كل حواراته تلميعه واظهاره بصورة مثالية تجذب المواطن وتستأتر على اهتمامه وتدغدغ عواطفه من خلال اسئلة معينة ومحددة تعامل معها السيسي بذكاء ووعي بطبيعة الشخصية المصرية وكيفية التأثير عليها، مستعملا في ذلك حسه الاستخباراتي وخلفيته العسكرية. فقد نجح السيسي في اقناع مؤيديه الذين تعرفوا على ملامح شخصيته لاول مرة من خلال الحوارات واللقاءات التي اجراها، حيث بدا واثقا، مسيطرا ومدركا لحجم خطورة اللحظة التاريخية التي تمر منها مصر بعد ثلاث سنوات ونصف من الفوضى والانهيار، وليس فقط بعد سنة من حكم الاخوان كما يحاول ان يروج لذلك الاعلام. وقد استعمل المرشح السيسي اكثر لغة تأثيرا وتحفيزا للشعوب وهي “الدين” حيث بدا متدينا، محترما لكل الاديان ومؤمنا بالاختلاف والحوار. ثم “الوطن” الذي تجاهله وظلمه الكثير مقابل مصالح فئوية او فردية، وكيف يعتمد على الجميع من اجل اعادة بنائه. ودور “الجيش” الذي يشكل صمام الامان لهذا الوطن. و”الامن القومي المصري” الذي لن يسمح السيسي الرئيس بالمس او التلاعب به سواء داخليا او خارجيا. اما المرشح صباحي، فقد قدمه الاعلام في صورة المدافع عن نفسه، سواء فيما يتعلق بعمله ورصيده البنكي وقضية ابنته ووو، اكثر من المقدم او المدافع عن برنامجه الانتخابي.
ومع أن النتيجة، كما ذكرت، هي محسومة في كل الاحوال لصالح مرشح الدولة السيسي، ورغم قناعتي الشخصية بأنه فعلا رجل المرحلة، وبأن له من الآليات والمقومات ما سوف يساعده على اعادة بناء البلاد ويعيد لها نوعا من الاستقرار ويقفز بها من مستنقع الفوضى الذي تعيشه، الا أنه هناك بعض الاسئلة التي لا تزال ترهق المتابعين للشأن المصري، واهمها كيف سوف يحكم السيسي مصر؟ ماهي برامجه؟ ما هي خططه واولياته؟ كيف سوف يتعامل مع الدستور الذي قلص من صلاحيات الرئيس لصالح رئيس الوزراء والمؤسسة التشريعية؟ وايضا كيف سيكون هامش الحريات في ظل حكمه؟
ولأن المرشح الرئاسي السيسي يرفض حتى الأن الافصاح عن برنامجه الانتخابي، او كما صرح هو نفسه ردا على الفنان محمد صبحي قائلا “وانتوا الفنانين كنتوا جزء من الناس اللي ضغطوا عليا، ودلوقتي جايين تطالبونى ببرنامج، أنا معنديش برنامج”، مع العلم أن أي مرشح في العالم يجب ان يتقدم ببرنامجه والذي على اساسه سوف يتم تقييم ومحاسبة فترة حكمه، وهو ما يعرف بمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، ووقت الحساب لا احد سوف يشفق على الحاكم من المسؤولية ومن المحاسبة، الا أن هناك بعض النقاط التي اشار إليها المشير السيسي في لقاءاته ولي عليها بعض الملاحظات.
بخصوص الملف الامني، هناك بداية مشكلة العنف وقضية الارهاب التي ترهق جميع المصريين، وقد وعد السيسي باعادة الامن والقضاء نهائيا على جماعة كمحرك للعنف في مصر، حيث تعهد بأن لا يكون في فترة حكمه اخوان. وانا هنا اتساءل كيف للدولة ان تقضي او تقصي ما يقارب من مليون اخواني مصري؟ وما هو المحدد بين اخواني ومعارض سياسي؟ وأليس اولى ان تكثف جهود الدولة ليس للقضاء على اشخاص، ولكن القضاء على فكر يتغلغل داخل المجتمع بصور مختلفة، والقضاء ايضا على الاسباب التي جعلت الكثير يتبني ذلك الفكر ويتشبع به، لدرجة تحول اليوم الى اداة لتحريك العنف وحرق الدولة، والتي من اهمها الفقر والجهل والبطالة وغياب العدالة الاجتماعية؟
اما بخصوص سياسات السيسي الاقتصادية، يجب الاشارة بداية الى ان الشعب المصري اليوم ما احوجه الى مشروع قومي يشغل الشباب وينقذهم من بؤس البطالة، ويصالحهم على الوطن، ويحمسهم للمساهمة في بنائه. وقد اعلن السيسي أنه يحتاج تريليون جنيه للنهوض باقتصاد مصر، واعتبر في احدى الحوارات ان مصادر تحصيل هذا المبلغ تبقى امنا قوميا، علما انه طلب من رجال الأعمال في اجتماعه بهم إنشاء صندوق للتنمية يتبرعون له بمائة مليار جنيه. لكن هل سوف ينجح السيسي في جمع هذا المبلغ وخصوصا ان التجربة في مصر اثبتت ان كل محاولات جمع التبرعات لم تحقق الهدف المنشود منها. وايضا ما هي الضمانات او الامتيازات التي سوف تمنحها الدولة لرجال الاعمال المتبرعين، فالسوق الاقتصادي والمالي لا يعترف بالنهاية الا بلغة المصالح المشتركة؟ والسؤال الذي يطرح نفسه: ماذا لو فشل السيسي في جمع هذا المبلغ؟ ماذا سوف يكون مصير المشاريع التنموية الكبيرة التي تحدث عنها وقال في احد لقاءته أنها سوف تنطلق في نفس الوقت وسوف تتوزع على جميع محافظات مصر؟ والاهم هل هناك خطة بديلة للنهوض باقتصاد مصر واقامة مشاريع تنموية في حال لم يستطع تحصيل التريليون؟
نقطة اخرى اشار إليها السيسي، وهي اعادة رسم خريطة مصر واستصلاح 4 ملايين فدان توجد لهم المياه الجوفية التي تكفي لزراعتهم، وهو مشروع قومي لو نجح السيسي في تنفيذه يكون قد حقق انجازا يحسب له، وبغض النظر عما اذا كان هناك مشروعات سابقة تحمل نفس الحلم ولكنها لم تنجح (توشكى والصالحية وعرب الدلتا)، لكن تبقى ملاحظة جانبية يجب الاشارة إليها، في خضم رد السيسي على سؤال حول ما اذا كان سوف يصوغ تشريعات جديدة بخصوص التقسيم الاداري لمحافظات مصر ام سوف ينتظر انتخاب البرلمان حيث كان جوابه “هو انا لسه هاستنى البرلمان”، مع العلم ان الدستور المصري واضح في هذه المسألة. فهل سيلجأ السيسي الرئيس الى خرق الدستور؟ ام سوف يصدر اعلانا دستوريا مكملا يعطي نفسه فيه حق التشريع في انتظار انتخاب البرلمان؟ وفي هذه الحالة ماذا سوف يكون رد فعل وقرار المحكمة الدستورية العليا على الاعلان والقرارات الناجمة عنه، خصوصا ان لها حكم سابق في نفس الموضوع وهو اعلان مرسي.
نقطة اخيرة مرتبطة بالخطاب الديني في كل حوارات السيسي وتركيزه على الأخلاق والقيم في مختلف لقاءاته، بحيث يبدو جليا ان هناك نية لتمرير صورة ذهنية للمجتمع المصري بـ “الرئيس المؤمن”، وهي صورة نمطية كان يحرص على الظهور بها الرئيس انور السادات من قبل، وربما هذه الصورة تجد لها الان ترويجا وارتياحا اكثر في نفوس المصريين، بحيث لم يعد الدين محتكرا باسم جماعة او حزب او فئة. لكن في كل الحالات ولجميع الاسباب، هل تقدمت هذه الصورة “الرئيس المؤمن” او “المجتمع المتدين” بالمجتمع المصري؟ وهل شفعت للسادات؟ فكثير من الدراسات الاجتماعية عن هذه الظاهرة عرت هذا الزيف في المجتمعات العربية، وهو الزيف الذي افرز التناقض في الشخصية المصرية التي حللها شيوخ عصر الانفتاح وعصر مبارك. اما قول السيسي بأنه “مسؤول عن القيم والمبادئ والأخلاق والدين” فلا اعلم صراحة هل سينزل السيسي بنفسه ليخطب في المنابر ويظهر كواعظ اخلاقي مثلا؟ ام المفروض ان من يقوم بذلك الدور هو المجتمع بأعرافه وعاداته، والضمير البشري الذي يشكل بالنهاية مصدرا للأخلاق ومقياسا لها، هذا الضمير الذي يجب العمل على تنشئته تنشئة صحيحة من التربية في البيت الى المدرسة والعمل والشارع..
وبالنهاية اتمنى ان يدرك الرئيس القادم بأن مكانه الطبيعي ومسؤوليته الاساسية التي من المفترض أنه جيء من أجلها هي جمع شتات المصريين، ووقوفه على منبر التنمية وادراكه اللعبة السياسية وفقا لتوزانات القوى سواء في الداخل أو الخارج. فالوطن لن يتحمل أي تجريب او فشل في الفترة الحرجة التي يمر منها سياسيا واجتماعيا واقتصاديا.. والرئيس القادم عليه أن يعمل بايقاع الساعة المنضبط لا بايقاع الهوى المتغير.
ونسأل الله بالنهاية ان يولي مصر من يصلح شأنها ويخرجها من ازماتها المتعددة، ليس فقط بحسن النوايا ولكن اساسا بحسن الادارة وحسن الاختيار والنجاح في تدبير المرحلة.
* كاتبة مغربية
www.deyaralnagab.com
|