من الصوّملة إلى العرقنة… فالسوّرنة… ماذا بعد؟!
بقلم : د. فيصل القاسم ... 23.08.2014
وصلتني رسالة غاضبة من أخ صومالي يقول فيها: ألا تخجل عندما تستهزئ، وتقول مثل هذه الألفاظ، وتكررها يوماً بعد يوم في حلقات برنامج «الاتجاه المعاكس»، والان في منشوراتك؟ عيب عليك ان تقول «صوملة» وانت سوري. وضع الصومال حالياً أحسن بكثير من وضع بلدك السوري، ولست فرحاً بما يحدث في سوريا، لكن أقول لك: استخدم «سوّرنة» بدلاً من صوملة».
عندما أعدت نشر رسالة الأخ أعلاه على صفحاتي في مواقع التواصل تفاعل معها كثيرون، وأيدوا صاحبها. ولا شك انهم محقون. فللأسف الشديد لم تعد «الصوملة» المثال الأسوأ للدولة الفاشلة، فقد لحقت بها دول عربية كثيرة أصبحت في وضع أسوأ بكثير من وضع الصومال. وهذا يقودنا إلى الاستنتاج المؤلم بان العرب ربما يكونون قادرين على إسقاط الأنظمة والطواغيت، لكنهم غير قادرين على استبدالهم بنماذج أفضل، لكن ليس فقط بسبب قلة حيلتهم وصراعهم الأعمى على السلطة على الطريقتين الأفغانية والصومالية، بل لان ضباع العالم لا يريدون لنا ان ننتقل أصلاً من الطغيان إلى الديمقراطية ودولة المواطنة، هذا إذا لم تكن كل ثوراتنا مجرد بروفات لمشاريع دولية كبرى لا ناقة لنا فيها ولا جمل.
ألم يكن البعض على حق عندما وصفنا باننا كالعنزة الرعناء التي تحلب حليباً لذيذاً جداً، لكنها سرعان ما تدلقه على الأرض بحركاتها الطائشة؟ لاحظوا كيف نجح أعداء الداخل والخارج في حرف الثورات عن مسارها وتحويلها إلى وبال على شعوب البلدان التي ثارت. لقد حذرنا منذ بداية الثورات من الوقوع في الخطأ الأفغاني القاتل. صحيح ان المجاهدين الأفغان نجحوا في طرد الغازي السوفياتي، وأسقطوا الديكتاتور المحلي نجيب الله، لكنهم بدل ان يبنوا دولة حديثة بعد الانتصار، راحوا يتقاتلون فيما بينهم بتشجيع ودعم من القاصي والداني كي تبقى أفغانستان أرضاً مستباحة بلا دولة وشعباً ممزقاً يستغلها ضباع العالم لتنفيذ مشاريعهم ومآربهم.
لم يتعلم الثوار العرب من التجربة الأفغانية المريرة للأسف، بل راحوا يكررونها بحذافيرها، وربما بشكل أسوأ وأخطر، فبدل ان يتفرغ الثوار الليبيون إلى بناء دولة حديثة على انقاض اللادولة القذافية، اختلفوا على الغنائم والسلطة، تماماً كما فعل نظراؤهم الأفغان والصوماليون. وقد ساهم الصراع والتنافس الدولي على ليبيا في تعميق الشرخ بين الثوار الليبيين، فتحولت ليبيا إلى صومال أخرى بلا قيادة مركزية، لا بل غدت مهددة بالتقسيم والانهيار.
لقد ظن البعض اننا في المقال السابق الموسوم: «لا بارك الله بثورات تطيح بالدولة»، اننا نترحم على العهود السابقة، وندين الثورات. لا أبداً. معاذ الله. لقد أردنا ان نقول ان إسقاط الطواغيت وانظمتهم الحقيرة في ليبيا وسوريا واليمن وغيره لا يعني أبداً إسقاط الدولة وتحويل البلاد إلى ساحة حرب بين المتصارعين على السلطة والغنائم. شتان بين ثورة تندلع لإسقاط الديكتاتوريات، وثورات تطيح بالديكتاتوريات والدول والبلاد والعباد؟ من يفعل ذلك ليسوا ثوراً، بل ثيران في محل لبيع الأواني الزجاجية، ان لم نقل مخربين.
الثورات والثوار في أي مكان في العالم ليسوا اناساً وأشياء مقدسة لا يأتيها الباطل لا من خلفها ولا من بين يديها. لا أبداً، بل هي يمكن ان تصيب، ويمكن ان تخطئ خطأً كارثياً. ولهذا لا بد من تصويبها وفضح انحرافاتها، لان الشعوب لم تثر لاستبدال السرطان بالفالج، بل للانتقال إلى وضع أفضل. لكن للأسف الشديد، على عكس ثورات أوروبا الشرقية التي نجحت في نقل شعوبها من الحكم الشيوعي الطغياني إلى الديمقراطية الحديثة في وقت قياسي، عادت بنا بعض الثورات إلى نقطة الصفر، طبعاً ليس بسبب أخطاء الثوار فقط، بل أيضاً بسبب المؤامرات الداخلية والخارجية التي لا تخطئها عين. فالثورة السورية مثلاً تركها العالم لتتحول إلى محرقة ولأخطر كارثة انسانية منذ الحرب العالمية الثانية. ولو قارنا وضع سوريا بالصومال الان لاكتشفنا ان «السوّرنة» وليس «الصوملة» هي النموذج الأسوأ للدولة ليس الفاشلة فقط، بل لـ «الدولة الكارثة».
أخيراً: هل، يا ترى، نماذج «الصوملة» و»اللبننة» و»العرقنة» و»السوّرنة» و» اللبينة» سببها فشل العرب في إدارة ثوراتهم وتوجيهها في الاتجاه الصحيح كشعوب أوروبا الشرقية، أم انها النماذج المطلوبة دولياً تمهيداً لإعادة هيكلة عالمنا البائس خدمة لمصالح ضباع العالم وذئابه؟ هل سنكتشف بعد فوات الأوان انهم نجحوا في استثمار الثورات لإعادة رسم خرائط العالم العربي بعد ان انتهت صلاحية معاهدة «سايكس-بيكو»، وان الأوان لاستبدالها بتقسيم جديد للمنطقة بعد مرور مائة عام على المعاهدة البريطانية الفرنسية القديمة؟ هل تمر منطقتنا بما مرت بها من قبل عام 1916 أيام ما سُمي وقتها بـ»الثورة العربية الكبرى»، أم اننا، كالعادة، نعيب زماننا والعيب فينا؟
www.deyaralnagab.com
|