ذبح عن ذبح يفرق…!!
بقلم : سهيل كيوان ... 09.10.2014
«الذبح في المنام هو الظلم، فمن رأى أنه يذبح إنسانا فهو يظلمه، ومن رأى أنه يُذبح فهو مظلوم».
تفسير الأحلام لابن سيرين.
ومصدر الظلم في لاوعينا العربي أو في الجنس السامي الذي قد يظهر لأحدنا في المنام، هو إسماعيل الذي كاد أن يُذبح ظلما بيد والده إبراهيم الخليل عليهما السلام، لولا أن فداه رب العالمين بذبح عظيم، وفي اللحظة الأخيرة، ومرت قرون حتى جاء الإسلام الحنيف، وفي السنة الثانية للهجرة صار المسلمون يحتفلون بهذه المناسبة حيث يقوم القادرون منهم بذبح الأضاحي بيوم النحر، والهدف من الأضحية هو ديني واقتصادي واجتماعي، ولكن أصله هو التقرب من الله وشكره على نعمائه، وتقسم الأضحية إلى ثلاثة أقسام، ثلثها لنفسه والثلث الثاني يُهديه، والثالث يتصدق به،والهدف من هذا على الموسر درء الجوع عن نفسه وعن من يهديهم اللحم وعن الفقراء الذين يتصدق عليهم بهذا اللحم، وفي هذا يوجد بحر من الفتاوى والأحاديث حول الأضحية وشروطها ومدى صحتها،حتى أدق التفاصيل المتعلقة بشعرها وعظمها وجلدها وعمرها وحالتها الصحية وتوقيت نحرها، منذ اختيارها حتى ذبحها وتوزيع لحمها وطهوها وأكلها.
ومن جميل الفتاوى أنها تبيح التصدق من لحمها على فقراء الكفار، طمعا بالحسنات ولتقريب قلوبهم من المسلمين ودينهم، وهناك مثال في هذا عن الرسول(ص) الذي تصدق لكافرة من لحم أضحيته.
لا شك أن كلمة الذبح والنحر كانت من أكثر الكلمات شيوعا هذا الأسبوع، تلفّظ بها المضحّون وغيرهم سواء لذبحها بأيديهم كما فعل الملك محمد السادس الذي ظهر في فيديو مسجل وهو يذبح أضحيته بيده من وراء ستارة بيضاء، والذي أفتى الأزهر ببطلان أضحيته لأنها أتت في يوم الأحد بدلا من السبت، أم بتوكيل جزار أو أي شخص ذي مؤهلات للقيام بهذه المهمة كما تفعل الأكثرية.
التضحية أو القربان تقربا من الآلهة كان موجودا منذ فجر البشرية، كانت القرابين في الحضارات القديمة من البشر، ثم استعيض عن البشر بالبهائم أو المحاصيل الزراعية، ولا بد أن هذه المرحلة ووجهت بالصعاب والاعتراض من قبل متشددين أصروا على ذبح البني آدمين كقرابين.
عملية قتل الحيوان لأجل الطعام عملية رافقت الإنسان منذ وُجد، فكان يصطادها ثم صار يربيها بهدف قتلها لتناول لحمها، ثم صار يتفنن في طهوها ويستمتع بها، وفي تراثنا الفلاحي في فلسطين من يفقد عزيزا يحرم على نفسه الكبّة النيئة والشواء لفترة قد تصل عاما لأن أكلها شواءً وكبةً هو تعبير عن فرح ومتعة أكثر من كونه ضرورة كما الطبخ . وأتت الديانات السماوية لتنظم عملية قتل الحيوان بطقس ديني، حيث تتم تذكيتها قبل ذبحها باسم الله وبأقل ما يمكن من الألم بأداة مشحوذة جيدا لتقليص ألم الذبيحة قدر الممكن.
إلى جانب هذا هناك صراع قديم بين أنصار أكل اللحوم ومعارضيه، والرأفة بالحيوان حتى حين نريد قتله وأكله، فقد قرر وزير الزراعة الدنماركي أن صعق الحيوان بالكهرباء يقتله بألم أقل ومَنع عملية الذبح، وهذا لم يُعجب اليهود والمسلمين الذين دافعوا عن ذبحهم للبهيمة، بأنه يتم بأقل ما يمكن من الألم، طبعا إلى جانب الطقس الديني وهو الأهم.
كذلك النقاش بين النباتيين واللاحمين موجود منذ زمن بعيد، فهناك من حرّموا على أنفسهم تناول اللحوم ورأوا في أكلها وحشية مثل برنارد شو وميخائيل نعيمة وغيرهما، ولكن البشرية عموما ما زالت متفقة على تناول اللحم الذي يبدو أنه لا غنى عنه لمنع المجاعات، إلى أن يتغير شيء ما في طبيعة البشر وتركيب أجسامهم ونفسياتهم وقدراتهم في المجالات الزراعية والاختراعات والقوانين وغيرها مما قد يقلص استهلاك اللحوم، وما أدراك أن يأتي يوم يستلم أنصار الحيوان السلطات ويسنون تشريعات تحرّم أكل اللحوم، وتعاقب من يذبح حيوانا بهدف أكله مثلما تعاقب اليوم في دول كثيرة من يذبح كلبا أو قطا.
عملية ذبح الحيوان هي عملية وحشية بلا شك إذا ما جُردت من الطقوس الدينية، وإذا كانت بغير حاجة لطعام، ولكن ذبح البهيمة بهدف أكلها بعد تذكيتها بالتسمية عليها يعطي العملية قدسية وبعدا نفسيا وفهما مختلفا.
عملية الذبح بذاتها عملية قاسية لا يقدر عليها كثيرون، حتى عندما يكون الحديث عن أضحية محــــللة لأجل الطعام، وكثيرون من أصحاب الأضحيات لا يستطيعون النظر إليها وهي تذبح، وأعرف رجلا ربّى كبشا ولكنه حين أتت لحظة الحقيقة رفض ذبحه ودافع عنه في وجه أبنائه المتحمسين لشوائه، فما بالك بذبح إنسان! هي بلا شك عملية مرعبة، وهذا ما جعل لتنظيم الدولة الإسلامية شهرة عالمية، وفي الوقت ذاته هذا ما سهّل تجنيد قوى كثيرة ومنحها غطاء أخلاقيا لأجل محاربته.
عمليات ذبــــح البشـــر وتصـــويرها وبثهــا تقول إن الفـــاعل ابتعد كثـــيرا عن الإجمـــاع الإنساني، الإنسانية المتفقة حتى الآن على ذبح أصناف كثيرة من البهائم والأحياء لأكلها، البشرية التي يتقبل بعضها أو الكثير منها الإعدام رميا بالرصاص للمجرمين أو الأعداء أو المعارضين للأنـظمة، وقد يرون فيها شأنا داخليا، البشرية التي تتفهم الطائرة والصاروخ الذي يقتل الآلاف من الأبرياء، والتي لا تنتفض لمقتل مئات الأطفال، ولا تتجند لإنقاذ عشرات آلاف السجناء الذين يقضون تحت التعذيب في أقبية أنظمة الظلام الدكتاتورية العمياء، هي نفسها البشرية التي ترى بذبح إنسان واحد بسيف أو سكين وحشية لا تسامح معها، مهما كانت الدوافع والفكر أو الأيديولوجيا التي تقف وراء عملية ذبح الإنسان. وإذا كانت رسالة داعش للعالم هي الترهيب والتخويف فقد وصلت وبامتياز، خاف مئات ملايين البشر، دماء المذبوحين حركت بقوة طاحون الإسلاموفوبيا، والأخطر من الذبح، هو أنه تم ويتم بإسم الله، هذا جعل من عملية الذبح تبدو وكأنها جزء من طقس ديني، وهذا أخطر من جرائم القتل بالقنابل والتفجيرات التي تجري كأعمال عنف مجردة يقوم بها نظام ما أو معارضوه في الصراع تمسكا بالسلطة من جانب ولأجل الحرية من جانب آخر.
في ذبح البهائم ما هو حلال وما هو غير ذلك،ما هو مكروه وما هو مستحب، ولكن ذبح البشر مرفوض ومدان بغض النظر عن هوية الذابح والمذبوح، وبغض النظر عن العقيدة التي يؤمن بها أو لا يؤمن بها هذا أو ذاك، فلا عذر لمن يذبح إنسانا لا في الأرض ولا في السماء.
www.deyaralnagab.com
|