المقاومة الوطنية الفلسطينية والمشروع العالمي السنّي (حديث في الارتباط والإمكانية)!!
بقلم : إبراهيم عمر المصري ... 30.03.2015
( 1 )
إن الناظر بتأمل لحالة السيولة التي تعيشها المنطقة في ظل زحمة مشاغلها الداخلية الحاصلة أو المفتعلة، يكاد يجزم أننا على أعتاب إعادة تشكّل شاملة لكل المستويات: الرؤى والتوجهات، الأحلاف والعلاقات، الحدود والكيانات...إلخ.
وبإطلالة سريعة على التاريخ القريب، وبعد سقوط الخلافة الإسلامية العثمانية في عشرينيات القرن الماضي، فإنه يمكن القول بأن المشروع الإسلامي السنّي الجامع قد تم تحييده عن المشهد العالمي وما زال، بله أن محاولات المشاريع الأخرى مستمرة إلى اليوم في العبث بمقومات إحياء هذه القوة ومنع عودتها إلى الصدارة من جديد؛ إذ هي الوحيدة من كل المشاريع الواقعة التي تحمل بذور الديمومة والصلابة والفعل المؤثر.
وبهذا.. وبقليل من التعمق لتحديد المشاريع العالمية الحقيقية والفاعلة اليوم، وبغض النظر عن المقارنة بينهم من حيث مدى التمكّن والسيطرة والحجم، فإنه يمكن عنونتها ضمن التقسيم التالي:
(أمريكا) التي تعرف ما تريد، وتعمل لأجل (المشروع الليبرالي الرأسمالي)
(روسيا والصين) اللتان تعرفان ما تريدان، وتعملان لأجل (المشروع الاشتراكي اليساري)
(إيران) التي تعرف ما تريد، وتعمل لأجل (المشروع الفارسي الشيعي)
(الكيان الصهيوني المحتل) التي تعرف ما تريد، وتعمل لأجل (المشروع الصهيوني اليهودي)
وكل من هذه الدول/المشاريع تمتلك أوراق ضاغطة من قبيل دول تابعة ومنظمات قارّية وتنظيمات إقليمية/محلية، وتجيد تحريكها بما يخدم أهدافها التوسعية/التمكينية.
فإذا أدركنا ذلك جيدا وما يترتب عليه من إجراءات فعلية تُحقِّق غائية كل طرف من الأطراف، فإن تسويقنا لحالة المظلومية أو ادعاءات المؤامرة في غياب (مشروع إسلامي عالمي) تصبح نغمة نشازا وقدما كسيحة في ساحة الكينونة والفعل الحضاري.
إن أكثر نقاط القوة الاستراتيجية لدينا، وهي مركزية القضية في العالمين الإسلامي والعربي، بدأت تهتز وتتراجع أولويات الفعل لأجلها واستثمارها في ظل دول محيطة متهالكة وشعوب منهارة إلى حد محاولات محو أثر بعضها، وانتشار فزاعة الإرهاب المصطنع في كثير منه.
أسوق هذه التقدمة لأؤسس لمنهجية سليمة تعتمد على أسس متينة وركائز ثابتة عند وضع الرؤى الاستراتيجية التي يتعدى تأثيرها الأوساط المحلية مثل قضية تحرير فلسطين "الهوية والإنسان والأرض والمقدسات". إذ إننا اليوم لسنا بمعزل عمّا يحدث في هذا العالم الوسيع، مما يحتّم علينا التفكير بهذا المنطق من خلال تسجيل حضورنا وتهيئة موقعنا في هذا الملعب الكبير.
إن الأمة اليوم، ومن خلال قواها الصادقة والحيّة (الأفراد والجماعات والدول)، مطالبة أكثر من ذي قبل باثنتين:
تشكيل مرجعية دينية تقف بوجه الاجتهادات الشاذة.. وتعيد النضارة والإشراق للمفاهيم الإسلامية التي تواكب متغيرات العصر.. وتمثّل مرجعا وسندا وزخما.
جبهة إسلامية متينة، تقوم على أحلاف وثيقة بين دول ارتكاز وقوى تنظيمية مساندة، تقف أمام وجه المشاريع الأخرى بل وتزاحمها.
إن العالم لا يهدي أحدا مكانا وموقعا، بقدر ما يتماهى رضوخا مع الإرادة والعزيمة أيّا كانت فلسفتها. وإنني أرى اليوم، وفي ظل هذه الأمواج المتلاطمة والمتلاحقة دينيا وإنسانيا وصراعا براجماتيا، أنّ دواخلنا تتنادى نحو مجددها على أبواب مائتها القابلة، كما أننا أقرب إلى تحقيق نواة مشروع إسلامي نهضوي عالمي.. وإن بدا عسيرا، لكن الأهم أن نبدأ وقد لاحت للرائي عناوينه ومفرداته دولا وأحزابا.
( 2 )
انتقدت يوما ما اعتاد يردده أنصار حزب التحرير بقولهم (الخلافة مسألة وقت)، وقلت أنّ الصحيح بكونها -أي الخلافة- (مسألة عمل).
اليوم أكرر ذات النقد لكل دعاة المقاومة في فلسطين بتنبيههم أن التحرير ليس شعارا بقدر ما هو عمل يعتمد على الثلاثية التالية:
وضوح الرؤية والأولوية.
شمول الاستراتيجية والبرنامج.
تحشيد الجهد المحلي والإقليمي والدولي - سيما الإسلامي والعربي.
إذ إن أي اختلال في (التعبير الجمعي) عن واحدة من هذه الثلاثة سيجعل من الجهود شكلا من المشاغلة ضمن سياسة حرق الوقت، والذي لا يُخرجه بحال من الأحوال من دائرة الجهاد إنما يُبقيه في أدناه.
ولا بد من فهم أن الثلاثية السابقة لا تجتمع فعلا إلا على أرضية المشترَكات بين أمّة (ولا يزالون مختلفين) حيث (ولذلك خلقهم)، فتُحَشِّد الرُّخَص نَدِيّا، وتتقدم العزائم مُضِيّا.
لم يعد مقبولا هذه الحالة من الجمود (والاستاتيكية) والفراغ والعجز بل وربما الهبوط أحيانا على مستوى الفعل أو التمثيل التي يعيشها الحق الفلسطيني العربي الإسلامي.
إن الانتقال بالمستوى من التفكير في ضيق المكان والمحلية (The Place/Local) إلى التفكير في فضاء الفعل والعالمية (The Space/Global) هو اليوم بمثابة فريضة سياسية وضرورة جهادية، تستدعي النظر في توسيع مجالات العمل والفعل على كافة الأصعدة المؤسسية والأجنحة الوطنية والتأثير الإقليمي والدولي؛ لنحقق ونعيش أحلامنا معًا كإخوة قبل أن نهلك فرادى كحمقى.
( 3 )
إذًا يبقى مخاض بزوغ المولود الجديد كرافعة للحالة الفلسطينية رهينة الإجابة على أسئلة ثلاث:
من نحن معا؟ - الهوية
ماذا نريد جميعا؟ - الرؤية والبرنامج
كيف سنحقق ذلك سويا؟ - الوسيلة والأداة
وللتفصيل عن إجابة تلكم الأسئلة المفتاحية فإنه يلزمها نية خالصة وعزيمة صادقة وفهم نيّر وجهد متنوع، فيما تطبيقه ينادي (ربما) مجدد المائة الجديدة !، وهو -برأيي- أقرب أن يكون في صورة تحالف دول إسلامية بقيادات كاريزمية منه إلى جماعات أو أفراد.. وإنّا على كلٍّ إلى حينها لا بد وعاملون.
www.deyaralnagab.com
|