السجن الصهيوني والمسلخ العربي!!
بقلم : سهيل كيوان ... 20.04.2017
إنهم أشرفنا وأكثرنا نقاءً وأشدّنا غيرة على وطنهم، إنهم حقيقيون، يفعلون ما يقولون، تركوا الزيف والتمثيل وراءهم فناضلوا حتى غابوا في غياهب السجون. بعضهم دخله شابًا وخرج عجوزًا أنهكت جسده الأمراض المزمنة، ولكن روحه بقيت ثائرة.
بعضهم لم ير أطفاله لسنين طويلة وخرج ليجدهم رجالًا، بعضهم حُرم من الزواج والإنجاب وما زال قابعًا بين جدران سجنه، بل أن بعضهم حُرم الطفولة والمراهقة وسُجن قاصرًا.
تَركوا وراءهم آباءً وأمهات يبللون الوسائد خلسة بدموعهم، بعضهم حُرم من نظرة الوداع الأخيرة على أحد والديه أو كليهما. ومنهم من قضى نحبه داخل سجنه في ظروف غامضة، أو نتيجة إهمال طبي واضح، أو لاحقته رصاصات الغدر الخرساء حتى بعد إطلاق سراحه.
أخطر ما يواجهه السجين هو عزله التام عن محيطه، ورفع جدار أسود حالك يحاصره فلا يدري ماذا يدور من حوله وخارج زنزانته، وذلك كي يُشعروه بأن الجميع تخلوا عنه، لا أحد يسأل عنه، ولا أحد يهمه أمره.
يخطط السجان بدهاء مدروس جيّداً ليقول للسجين ها قد نسيك ذووك وتخلوا عنك، ها هي زوجتك وحيدة لا حماية لها، ها هم أبناؤك بلا حضن دافئ، أين هم أصدقاؤك وأقرباؤك! ماذا نفعك قائدك السياسي الذي أقنعك بفكرة المقاومة! أين هو شعبك الذي دفعت وستدفع هذا الثمن الباهظ لأجله! ها هو شعبك الجاحد قد نسيك، ها هي قيادتك قد تخلت عن المبادئ التي قاتلتَ وسُجنتَ لأجلها!
ها قد خسرت كل شيء لأجل أناس لا يستحقون، ها هم يرقصون ويتزوجون ويتنزهون ويحتفون بألعاب كرة القدم ها هم منقسمون بين ريال مدريد وبرشلونة وبايرن ميونيخ! ها هم لاهون بالبرامج الترفيهية ويأكلون ويشربون ما تشتهي أنفسهم، وأنت ماذا أنت، لأجل من فقدت حريتك، لأجل من ضحيت بشبابك وصحتك، لأجل من تعذبت وتعذب نفسك!
أخطر ما في الأمر أن ينجح السجان بإدخال هذه الوساوس التي لا بد وأن تمر في ذهن كل سجين في لحظة ما، فتوهمه بأنه منسي وأن أمره وقوفنا إلى جانب السجناء الفلسطينيين في إضرابهم مطالبين ببعض الحقوق هو واجب وطني وقومي وإنساني وحق للسجناء على أبناء شعبهم وأمّتهم.
وبهذه المناسبة يستحق د. باسل غطاس الذي حكم بالسجن لعامين وبغرامة أكثر من ثلاثين ألف دولار وأقيل من الكنيست، إذ ألقي القبض عليه متلبسًا في محاولة تهريب هواتف لسجناء أمنيين لمنحهم إمكانية الاتصال بذويهم. الهاتف العمومي هو أحد مطالب السجناء الفلسطينيين المضربين ليتمكنوا من الحديث مع أهلهم ومحبيهم.
يحاول السجّان المستبد أن ينزع إنسانية السجين من خلال التعامل معه كما لو كان حيوانًا، فيتفنن بالاستهتار بصحته وآلامه ومطالبه وبحقوقه التي تضمنها المواثيق الدولية للسجين، يقول المستبد إن المواثيق الدولية كلها تحت حذائي! وحقوقكم كلها هراء، لا ألتزم بشيء منها وما من قوة تستطيع إلزامي بها.
ينزع عنه إنسانيته من خلال حرمانه لأتفه الأسباب من أتفه الحاجات، وتحويل كل شيء مهما كان صغيرًا إلى قضية صعبة المنال تحتاج إلى عملية إذلال وتذلل طويلة كي ينالها أو إلى نضال عنيد وطويل ومرير.
ينزع السجان عن السجين إنسانيته، يحوله إلى كائن بلا روح ولا مشاعر، كي يمنح نفسه الحق بتعذيبه بسادية وبلا أي ذرة من الرحمة أو تأنيب ضمير حتى ولو قتله.
أسوأ ما في قضية السجناء الفلسطينيين المضربين حاليًا هو أن السجان الصهيوني صار يقارن سجنه بالسجون العربية ويعيّرهم بأنهم لو كانوا في سجن عربي السوري مثلاً لكان وضعهم أسوأ بكثير من وضعهم في السجون الإسرائيلية، هي مقارنة بين الزفت والأزفت، بين القذارة والأشد قذارة بين الوجع والأشد ألمًا، بين الحزن والفجيعة والكارثة، هي مقارنة بين الإذلال والإهانات والحرمان والتعذيب النفسي والجسدي وبين المسح التام وسلخ الجلد، هي مقارنة بين المجرم والسفاح.
سمعة السجون العربية السيئة وصلت إلى العالم كله، وهناك شهادات كثيرة جدًا من منظمات حقوقية دولية محايدة، إضافة إلى شهادات وكتابات ووثائق ممن عانوا ومروا تجربة الاعتقال في السجون العربية وهو ما يسمى حيونة الإنسان.
التهم عادة في السجن الصهيوني هي الانضمام لمنظمة إرهابية والقيام بأعمال تخريبية أو تحريضية أو حتى قتل أو محاولة قتل مستوطن أو جندي أو يهودي عادي، أو مساعدة منفذ عملية والتغطية عليه وهذا يعني اعتقال أبناء أسرته وأحيانًا هدم منزلهم.
في السجن العربي التهمة هي خيانة الوطن وتهديد استقراره واقتصاده والتآمر لتغيير نظام الحكم بالقوة والانضمام إلى تنظيم إرهابي في خدمة للعدو، الأمر الذي يهيئ الأرضية للإعدام أو التعذيب حتى الإشراف على الموت وعزل المتهم تمامًا وترهيب ذويه حتى من زيارته، هذا إذا سُمح بزيارته أصلاً وجعله عبرة لمن يعتبر.
هناك شهادات من منظمات عالمية تذكر فظائع ترتكب في السجون العربية من كل الأشكال والألوان منها سجون سوريا وخصوصًا تدمر وصيدنايا والتي تعتبر مسالخ بشرية، وسجلت هذه المنظمات انتهاكات فظيعة ومنها في سجن الكاظمية في العراق وطرّة في مصر وجو في البحرين والرزين في الإمارات والرومي في تونس وسجن القنيطرة في المغرب والحائر في السعودية، والبليدة والحراش في الجزائر وفي سجون المخابرات السودانية، وفي سجن رومية في لبنان حيث سجلت حالات اعتقال طويلة بدون محاكمة وهذه أمثلة فقط، هذا يشمل في بعض الحالات اعتقال عائلات حتى مع أطفالها، جميعها تتحدث عن تعذيب وتعامل وحشي وحرمان من أبسط حقوق السجين التي تقرها الأعراف الدولية، فتهمة الخيانة تبيح للسجان كل المحرمات بما في ذلك الاغتصاب، وفي حالات كثيرة أدى التعذيب إلى الموت، وهناك حالات كثيرة لا تحصى من السجن ولفترات طويلة بلا محاكمة وبدون تهمة واضحة.
قضية السجناء في فلسطين وفي الوطن العربي هي قضية الإنسان العربي في نهاية الأمر، قضية الطلقاء مثلما هي قصة السجناء، قضية الإنسان الذي يقمعه الاحتلال إذا حاول انتزاع حقه في وطنه وتحريره من الاحتلال، وسحله وهتك عرضه واتهامه بالخيانة وتعذيبه وحتى إخفاءه إذا ما حاول رفع نير الاستبداد عن رقبته.
كاتب فلسطيني
www.deyaralnagab.com
|