الحلف الاسلامي- الامريكي:"الناتو الشرق اوسطي"!!
بقلم : د.ابراهيم ابو جابر ... 22.05.2017
استفادت امريكا كثيرا من احداث الاقليم، او ما عرف بالفوضى الخلاّقة فيه، التي أكلت الاخضر واليابس حتى افقدت الامة بوصلتها، وغدا العرب ايتاما على موائد اللئام .يبدو ان الرئيس الامريكي "ترامب" لديه النية في توظيف الفوضى الحاصلة في الاقليم لصالح الغرب، بخاصة الولايات المتحدة ولمشروعها الامبريالي العالمي؛ لا بل ايضا حماية ودعما لحلفائها في المنطقة الذين هم اصلا رعاة المصالح الاجنبية في بلادهم .
انّ القمّة الامريكية- العربية –الاسلامية في الرياض(21/5/2017) ،والتي ستجمع القيادة الامريكية ممثّلة في الرئيس "ترامب" وحاشيته من خبراء ومفكرين ورجالات امن وسياسة، ونظرائهم من عرب ومسلمين ،تذكّر بمشروع الجامعة العربية الذي طرحته بريطانيا على العالم العربي، وبموجبة تم تأسيس جامعة الدول العربية التي خدمت الغرب اكثر مما خدمت العرب وقضاياهم وعلى راسها القضية الفلسطينية؛ فالقمة هذه قد تؤسس لمؤسسة عربية-اسلامية –امريكية في الاقليم خلفا لجامعة الدول العربية ورابطة العالم الاسلامي ايضا، شبيهة بحلف شمال الاطلسي "الناتو".
هذه القمة، والتي سيرافقها تدشين العديد من المؤسسات والمنتديات التي ستدفع نحو(كما يدعون) نشر ثقافة التسامح والحوار والدعوة الى مواجهة الارهاب ،لها اهداف كثيرة ومركّبة ،اعلن عن بعضها ولم يعلن عن البعض الاخر بالتأكيد، ولعل منها :
اولا: ضرب دعاة المشروع الاسلامي: ان ابرز قضية ركّز عليها القائمون على الدعوة للمؤتمر تتمحور حول مكافحة الارهاب، مع التركيز على التصدي والقضاء على الحركات الاسلامية المتطرّفة وعلى راسها القاعدة وتنظيم الدولة "داعش" مع ان الامر قد يطال حركة الاخوان المسلمين ايضا على حد قول بعضهم، ومن يدري اين ستنتهي بهم القائمة .
يهدف القائمون على هذا الطرح توجيه ضربة استباقيّة للحركات الاسلامية في الاقليم، العامل منها وغير العامل، تعطيلا للمشروع الاسلامي الذي يبدو انه يأرق الغرب وحلفائهم في المنطقة ،وعليه فان الامر سيؤدي الى فتح معتقلات واغتيالات، واخراج حركات اسلامية عن القانون وحظر نشاطاتها، لا بل واغلاق مؤسسات وجمعيات خيرية، وتكميم افواه واغلاق وسائل اعلام وتجميد اموال على المستويين العربي والاسلامي.
ثانيا: حماية امن وسلامة الكيان الاسرائيلي: ان هدف المؤتمر الرئيس(غير معلن عنه) والذي سيجمع اقطاب العالمين العربي والاسلامي بالقيادة الامريكية، حماية الكيان الاسرائيلي وامنه وسلامته، لا بل ودفع الدول العربية والاسلامية الى التطبيع معه والانفتاح عليه، بل والعمل المشترك ضد العدو الرئيسي –كما يدعون- الارهاب العالمي وايران، واعتبار الكيان الاسرائيلي دولة شرق اوسطية كباقي دول الاقليم.
ان التطبيع الجماعي المذكور ان تم، فانه سيكون تحقيقا لحلم "بن غوريون" وغيره من القادة الاسرائيليين الذين حلموا كثيرا في شرق اوسط جديد ،واعتراف العرب بالكيان الاسرائيلي كدولة عادية من دول الاقليم ،بكل ما يعنيه بالنسبة للقضية الفلسطينية.
ثالثا: تهميش المشروع الوطني الفلسطيني والقضية الفلسطينية: فقمة الرياض والمشاريع المنوي طرحها على جدول اعمال المؤتمرين وهي بالتأكيد مهمة، لن تترك فرصة للتفكير الجدي في حلحلة القضية الفلسطينية والبحث عن حلول عملية لها، وانما سيقتصر الامر كما يبدو على تلطيف الاجواء بين الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي وربما اعادة الطرفين لطاولة المفاوضات للتفاوض فقط، في ظل مواصلة الاستيطان وتهويد الارض وفرض سياسة الامر الواقع في الاراضي الفلسطينية، واحتجاز الاف الاسرى الفلسطينيين.
رابعا: زعزعة امن الاقليم واستمرار الفوضى الخلاّقة: ان مصلحة الولايات المتحدة ايضا ابقاء الشرق الاوسط غير مستقر، كي تتمكّن من اختراقه اولا ناهيك عن بيعها للسلاح للأطراف المتصارعة فيه ،ثم الدفع نحو تقسيم المقسّم كما يقولون بناء على قاعدة فرّق تسد. وان الفوضى في الاقليم ايضا لتخدم الكيان الاسرائيلي من خلال انشغال العرب بأنفسهم وقضاياهم الداخلية اولا .
ولا ادري هل المملكة السعودية تدرك انها مستهدفة ايضا من هذا المشروع المشؤوم ام لا المتناغم مع مخطط "صموئيل لويس " و "كودنليزا رايس"، من منظري تقسيم الدول العربية الحالية الى دويلات ومن جملتها المملكة السعودية.
خامسا: مواجهة التمدّد الروسي في الشرق الاوسط او الاقليم: لا شك ان عودة روسيا لأخذ دورها العالمي ومنافستها للولايات المتحدة في الشرق الاوسط حتى عسكريا واستراتيجيا مثلما هو الحاصل في سوريا، وتحالفها مع بعض دول الاقليم مثلما حصل من تنسيق بينها وبين ايران وتركيا، كل هذا ازعج القيادة الامريكية وهدّد مصالحها بل وحلفاءها في المنطقة ،وعليه فالمؤتمر ايضا يأتي ردا على النشاط الروسي الجاري في المنطقة، بخاصة وهناك شبه اجماع على عودة الحرب الباردة بين القطبين الروسي والامريكي.
سادسا: تعميق مفهوم وثقافة العولمة في المنطقة: لقد نجحت امريكا الى درجة كبيرة في نشر ثقافة العولمة عالميا ،هذه الثقافة التي هي في الواقع اقوى من القوة العسكرية في فرض الهيمنة الغربية سواء منها الاقتصادية او الثقافية او الاجتماعية، حتى غدا الناس اليوم من حيث يدرون او لا يدرون يقلّدون الغرب في كثير من مجالات الحياة، واصبح الملايين مدمنين على الاجهزة الالكترونية واهمها الهواتف النقّالة وما تحمل من ثقافة ودس للسم في الدسم ؛فالمؤتمر هذا سيثبّت دعائم هذه الثقافة اكثر فاكثر، وسيفتح افاقا جديدة لتغلغل الفكر الغربي العلماني والليبرالي في المنطقة الغربية كوسيلة سهلة لمواجهة الصحوة الاسلامية.
سابعا: مواجهة التغلغل والتمدّد الايراني في الاقليم: ان التصدي للتمدّد الايراني في الخليج العربي والاقليم ومواجهة الارهاب بدا واضحا في تصريحات الرئيس والمسؤولين الامريكان ونظرائهم السعوديين بانه الهدف الاول والرئيس من هذه القمة والحلف. فتركيز وسائل الاعلام العربية الموالية للنهج السعودي- الخليجي على هذا الطرح منذ حين محاولة لتهيئة الاجواء لشرعية ما سيوقّع من تفاهمات واتفاقيات مع امريكا ،سواء على مستوى المشتريات العسكرية او اقامة قواعد عسكرية جديدة لها في الخليج ،والاخطر من ذلك ما يتوقعه البعض من فرص زجّ دول الخليج وعلى راسها السعودية في صراع عسكري مع ايران مما سيستزف كل امكانياتها ويجعلها رهينة الدعم العسكري الامريكي، لا بل سيسدي خدمة جليلة لإسرائيل في الابقاء على تغوّلها في المنطقة وقمع الفلسطينيين والتنكّر لحقوقهم الشرعية.
لكن ورغم كل ما ذكر، الا ان نجاح هذا المشروع ليس سهلا وان نجح فان نجاحه يتوقع ان يكون جزئيا ،فهناك عدة عوامل يمكنها افشاله منها:
1.فتح الادارة الامريكية ملفات تحقيق ضد الرئيس "ترامب" صاحب المشروع، الامر الذي قد يؤدي الى عزله او استقالته من منصبه، كما حصل مع الرئيس الامريكي الاسبق "نيكسون"، وفي التالي فشل مشروعه المذكور.
2.رفض بعض الدول المحوريّة الشراكة في هذا المشروع ،بخاصة مصر التي اعاقت اكثر من مرّة مشاريع امريكية للهيمنة بدءا من مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، لدور ومكانة مصر في العالم العربي، بل لربما تتعمّد مصر افشال المشروع لان الولايات المتحدة اختارت انطلاقته ومقر مؤسساته السعودية وليس القاهرة وهذا يدخل في باب المنافسة على قيادة الامة العربية .
3.تركيا التي بدأت في رسم معالم مستقبل سياستها الاقليمية والعالمية ،وشرعت في التخلّص من عقدة الخواجا والهيمنة الغربية عليها المتمثلة في اتفاقية لوزان عام 1923 والتي ستنتهي العام 2023 ،مما سيجعل انقرة في حلّ مما حملت من بنود مهينة لسيادتها وامنها القومي؛ ثم ان تركيا اليوم ليست تركيا الحكم العسكري، فهي تتزعّم اليوم العالم الاسلامي السني وتدافع عن قضايا الامة، ومن جملتها بعض الحركات الاسلامية التي يقيّمها البعض على انها ارهابية، ناهيك عن موقفها من بعض سياسات امريكا في المنطقة ومنها دعم واشنطن للأكراد والكيان الاسرائيلي.
واخيرا، فلعلّ القارئ غدا مستهجنا دعوة امريكا لمواجهة الارهاب والمقصود به بالتأكيد الاسلامي منه، في حين يعيث الكيان الاسرائيلي قتلا وتعذيبا واسرا لألاف الفلسطينيين وهدم لمنازلهم واقامة للمستوطنات على اراضيهم واغتيال قادتهم ،اي ما يمكن ان يطلق عليه ارهاب دولة؛ فمن هو الارهابي يا سيادة "ترامب" ويا قادة العالمين العربي والاسلامي ؟هل فقدتم اراداتكم؟ ام غرّتكم وعود "ترامب" العرقوبية كما سلفه اوباما؟ ام وهم الغول الايراني ؟ام هو الخوف والافلاس الاستراتيجي بعينه؟ ولتعلم الدول المشاركة وعلى رأسها السعودية انه قد ينطبق عليها المثل القائل "اكلت يوم اكل الثور الابيض"!!
www.deyaralnagab.com
|