كرة القدم: غرام وانتقام!!
بقلم : سهيل كيوان ... 21.06.2018
فقط لأجل مشاهدة مباراة في كرة قدم، ممكن أن تدخل إلى بيت لم تدخله من قبل، الرغبة في المشاهدة تتيح تجاوز العلاقات المتعارف عليها بين الناس، أنت مثلاً لا تسمح لنفسك بدخول بيت جارك، لتطلب منه أن يفتح فضائية تبث لقاءً مع أديب أو مع فنان، أو حتى لمشاهدة خطاب جلالة هذا الملك أو فخامة ذاك الرئيس، لكن عندما تكون هذه مباراة في المونديال، وخصوصاً بين فريق عربي وأجنبي، تنكسر الحواجز، وقد تجد نفسك في بيت لم تطأه قدماك من قبل شاخصاً أمام الشاشة، أو تجد في بيتك ضيفاً لم تربطه بك علاقة مباشرة من قبل، يدخل برفقة صديق مشترك، أو نسيب لمشاهدة المباراة، وذلك لأن القنوات التجارية احتكرت بث المباريات، ولم يتح التقاطها للجماهير الواسعة من خلال الأطباق الخاصة، وهذه في رأيي خيانة لكرة القدم وعشاقها.
منتخب كرة القدم القومي يمثل أكثر بكثير من اللياقة البدنية والمهارات الكروية، وهذا متفق عليه، إنه يمثل كبرياء شعب ما، ويتجاوزه إلى الأمّة، أو حتى قارّة كما هي حال القارة الإفريقية في مباريات ممثليها أمام الأوروبيين البيض، وأمريكا اللاتينية أمام أوروبا وأمريكا الشمالية.
في كرة القدم محبة وكراهية، تنتقل بالعدوى وأحياناً بالوراثة لهذا الطرف أو ذاك. في العام 1974، لعبت هولندا مع نجمها الراحل يوهان كرويف، لكننا كرهنا هولندا في تلك الحقبة، لأنها وقفت مع إسرائيل خلال حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، ولم تعبأ بسلاح البترول العربي، وما زال هذا الموقف محفوراً في أعماقنا، كان همّنا أن تخسر هولندا، ليس مهماً أمام من، وبالفعل خسرت وقتها أمام ألمانيا الغربية بقيادة بكنباور، وكان بيننا شاب وحيد، أحبّ وشجّع منتخب هولندا، ، منذ تلك الأيام لا أرتاح إليه، ويبدو الأمر غريباً بأنني بتُّ أشكّك بكل مواقفه، وأعتبره انتهازياً بامتياز، ولا أرتاح في التعامل معه، وعندما رشّح نفسه لمنصب اجتماعي ما، أسرعت لإعلان موقفي ضده، والغريب أن هذا الحدس ما زال ساري المفعول، ويشاركني في شعوري هذا كثيرون.
جاء الانتقام الجميل عندما تعادلت مصر مع هولندا عام 1990، فخرجت مظاهرات الفرح في معظم القرى والبلدات الفلسطينية.
لأن هذا الموقف من هولندا، في السنوات الأخيرة، حيث بدأ الهولنديون يُظهرون تضامناً مع شعبنا الفلسطيني، من خلال نشطاء في حملة المقاطعة لشركات إسرائيلية نشطة في الضفة الغربية، وكذلك التعاطف مع المهاجرين، إلا أننا نفتقدها وإيطاليا، ويعز علينا غياب إيرلندا في هذا المونديال.
إرتباط كرة القدم بالمشاعر القومية وثيق جداً، وعبارة «ون تو- ثري- فيفا لالجيري»، اشتهرت منذ العام 1962، بعد فوز المنتخب الجزائري على المنتخب الفرنسي في استاد العاصمة الجزائر، تصوّروا النشوة التي اجتاحت الجزائريين والعرب في ذلك الوقت، للأسف لم يوفّق منتخب الجزائر في هذه الدورة بالوصول إلى موسكو.
هذه المرة بخلاف مرات سابقة اختلطت المشاعر تجاه المنتخب السعودي، من ناحية ترى أن المنتخب يُستغل سياسياً لصالح نظام غير عابئ بمصالح الأمة، ومن ناحية أخرى لا تستطيع التخلي عن مشاعرك القومية تجاه أبناء قوميّتك ولغتك وجلدتك، ما نتمناه أن لا تصل الخسائر إلى حد الإهانة بأعداد أهداف كبيرة.
منتخبا تونس والمغرب، حظيا بالمحبة والتعاطف بلا قيد أو شرط، ورغم اللعب الجماعي الجيّد والتمكّن من السيطرة على الكرة وسط الملعب وفي الدفاع، إلا أن أداءهما الهجومي متواضع جداً.
الخيبة الكبيرة جاءت من منتخب أم الدنيا، فأضافت إلى مرارات الواقع مرارة، وحرمت الناس من فرحة جماعية نادرة قصيرة، عبّر عنها مواطن مصري من خلال فيديو انتشر في وسائل التواصل، يتحدث بمرارة وهو يقود سيارته، ويقول: « نحن كمصريين ليه منفرحش؟ ليه مثلاً منقضيش يوم حلو زي دَه؟ ونِكسب روسيا مثلا؟ تبص تلاقي الناس كلها مهمومة… محمد صلاح تحسّ إنه خايف ال تي شيرت بتاعه يتوسّخ، يا حضرة الأستاذ الكابتن محمد صلاح، مش جاهز متنزلش، القهاوي كلها بتتفرج، الأهالي سارقة نت وعمّالة تتفرج، والناس اللي داخلة واخده وَصلة اللي هي القراصنة اللي عمّالين يحكوا عليها الأستاذ حفيظ دراجي وعصام الشوالي، كلُّه في سبيل مصر، قلنا حنفرح..أبصّ ألاقي منظر غير مشرف، يا أخي خايفين ليه؟ هو انت بتلعب على الحدود! هو اللّعيب بتاع روسيا حامل لك آر بي جي… مية مليون نفسهم يفرحوا.. مية مليون مصري دمهم محروق.. دي الوقت زينا زي السعوديين، هم خسروا خمسة إحنا ثلاثة، أتمنى سيارة تضربني..أنا مصري وعايز أفرح..يا ناس عايز أفرح».
في اعتقادي أنه يلي اهتمام الجمهور العربي بالمنتخبات العربية الفريقان الإيراني والسنغالي، بلا شك أن لهما مناصرين كثيرين، المنتخب الإيراني يمثل بلداً مسلماً إضافة للجماهير العربية التي تؤيده من منطلقات القربى المذهبية، وإن اختلف كثير من العرب مع قيادته الدينية وسياستها، هناك من يتعاطف معه أمام المنتخبات الأوروبية بشكل خاص، إلا أن هناك أيضاً من لم يعد يطيق إسم إيران نتيجة سياسة قادتها.
وللمنتخب السنغالي نصيبان، فهو يمثل بلداً أكثريته الساحقة من المسلمين، إضافة إلى أنه يمثل القارة السّمراء إلى جانب منتخب نيجيريا، وقدّم أداءً مشرّفاً أمام بولندا وفاز عليها، وهذا يعني أن القلوب تهوي إلى السنغال، وإذا ما حقق فوزاً آخر، سوف نرى الجماهير العربية العريضة وقد تَسَنْغلت.
بعد هذا تحظى المنتخبات المتضامنة مع القضايا العربية وعلى رأسها القضية الفلسطينية بالتقدير والتعاطف، كان هذا واضحاً مع منتخب الأرجنتين الذي صفع حكومة إسرائيل قبل ثلاثة أسابيع، ولهذا ترى أعلام الأرجنتين مرفرفة على كثير من البيوت والمقاهي العربية.
التعاطف مع فريق الأرجنتين ليس جديداً، وله جذور منذ ثمانينيات القرن الماضي بقيادة مارادونا، والذي مثّل في الوجدان الشعبي، الطبقات والشعوب الفقيرة أمام أوروبا الغنية المرفّهة، كذلك الحال بالنسبة لمنتخب البرازيل الذي يحظى بمحبة خاصة لدى كثيرين كون اسمه مرتبطاً منذ عقود باللعب الفني الجميل.
النجم رونالدو وأداؤه المتميز عامل جذب كبير لمشجعيه في اتجاه البرتغال، وخصوصاً أن له مواقف طيبة من القضية الفلسطينية، كما قال الرئيس التركي أردوغان، وسوف يجرف المزيد من المشجعين إذا ما تقدم وحقّق نتائج أكثر.
هناك منتخبات لا حاجة لذكر أسمائها، بيننا وبينها حواجز عاطفية، لا نستطيع تقبّلها، معظمها أوروبية.
كنا في زمن ما ننحاز إلى المنتخب السوفييتي في مواجهة الفرق الغربية، ولكن المنتخب الروسي لم يعد يمثل هذا الدور أبداً، والعكس صحيح، فقد بات شريكاً لقوى الاستكبار والعربدة على العرب طبعاً، إلا لدى قلة قليلة ما زالت تعتبره – شمس الشعوب – منذ ستالين حتى يومنا وما بدّلوا تبديلا.
www.deyaralnagab.com
|