هل أوشكت القضية الفلسطينية على نهايتها؟!
بقلم : سهيل كيوان ... 01.11.2018
من الملاحظ لدى المهتمين بالشأن الفلسطيني أن القضية الفلسطينية لم تعد تحظى بالاهتمام العربي والدولي الذي حظيت به في الماضي، وجرى تهميشها أكثر وأكثر في عهد الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة ترامب الذي يقود يمينا متوحّشا.
هذا الشعور بهبوط القضية الفلسطينية من الصدارة، عزّزته الصراعات والحروب الأهلية في العالم العربي والانقسام الفلسطيني، وغياب الرّغبة الحقيقية في رتق ما تمزق من نسيج بين من يقودون غزة ورام الله، ثم مشاهد التطبيع من مختلف الأقطار العربية التي تطفو بين فترة وأخرى بصورة مكشوفة، سواء بزيارات عرب إلى تل أبيب، أو زيارات تل أبيبية إلى أقطار عربية.
هذه الهرولة ليست جديدة، بل قديمة ومنذ عقود، ولكنها كانت مؤجلة، تنتظر فرصة للظهور منذ اتفاقات كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل، فما هو الحجم الحقيقي لسلطنة عُمان وإمارة أبو ظبي وغيرها، مقارنة بمصر التي بادرت إلى أول سلام مع إسرائيل، التي يزورها عشرات آلاف الإسرائيليين سنويا؟ ومن بعدها المملكة الأردنية، إضافة إلى نوايا التطبيع بصور مختلفة مع المملكة المغربية من خلال السياحة الإسرائيلية إلى المغرب، ونشاطات ومشاركات ثقافية لا تفسير لها سوى التطبيع. يتوّج هذا الإحباط ما يسمى الحرب على الإرهاب، التي قد لا تنتهي في العقود القريبة، لأن من صنع هذا الإرهاب ثم أعلن الحرب عليه، له فيه مآرب لمّا تنته بعد، وقد تطول. على ضوء هذا الواقع، هل يمكن القول إن القضية الفلسطينية انتهت، أو تشرف على نهايتها بانتظار صفقة تقضي على آخر جيوب المقاومه فيها؟
في الحقيقة أن القضية الفلسطينية لا يمكن لها أن تنتهي، لأن الحركة التي خلقت المشكلة الفلسطينية منذ البداية لم تستهدف شعب فلسطين لوحده، وأطماعها أوسع من مساحة وموارد فلسطين. الشعوب العربية ليست متحرّرة وإن اختلفت الصور أو الطُرق التي تُحكم بها، وقضاياها الجوهرية مرتبطة ببعضها بعضا، فلا يمكن فصل قضية فلسطين وما جرى لأرضها وشعبها عن قضايا الشعوب العربية التي تطمح إلى العدل والتحرّر من أنظمة لم تعد صالحة لاستعمال هذا العصر. الصهيونية التي تسببت بالمعضلة الفلسطينية لم تتوقف عندها، بل جعلت من فلسطين، رأس جسر لاختراق العالم العربي، ومصيدة لكل نظام حاول أو يحاول التحرر من الهيمنة الاستعمارية، وفي الوقت ذاته فهي تصطف موضوعيا إلى جانب الأنظمة في قمع شعوبها.
القضية الفلسطينية لن تنتهي، لأنها جزء عضوي من قضايا الأمة العربية، وهي ليست منفردة أو حالة منفصلة عن ما جرى ويجري في المنطقة كلها، فالحركة الصهيونية تتحالف موضوعيا ضد الشعوب مع الأنظمة لحمايتها من خلال أجهزتها الأمنية مثل الموساد، أو من خلال دفع هذه الأنظمة لإثبات حسن السلوك والنوايا تجاه إسرائيل لترضى عنها أمريكا، وهي بهذا حركة معادية للمواطن العربي حيثما كان، مثل عدائها للفلسطيني، فالصهيونية جزء لا يتجزأ من القوى التي تقف حجر عثرة في طريق تحرر شعوب المنطقة وفي تجلّيات كثيرة، تارة تستخدم كشماعة لقمع المعارضين تحت شعار «حشد القوى لمحاربة العدو»، وتارة بتدخلها المباشر، فالمواطن العربي الذي يطمح إلى حرية سياسية واجتماعية، سيلقى مقاومة شرسة من قبل الأنظمة المدعومة صهيونيا خِفية، أو مباشرة، وذلك لأن إسرائيل ترى بتحرر أي شعب عربي من قيوده ونيله حريته خطرًا على مصالحها التي توفرها الأنظمة على مختلف الأصعدة، وما دام أنه من مصلحة إسرائيل أن تحمي هذه الأنظمة من شعوبها، فإنه من الطبيعي أن تكون الحركة الصهيونية متمثلة بإسرائيل عائقا أمام تحرر الشعوب العربية ككل، وأن ترى الشعوب بها عدوا.
نيل الشعوب العربية لحرّيتها، لا بد أن يمرّ عبر مواجهة حتمية مع من يناصر الأنظمة القمعية، ولهذا من الطبيعي جدا أن تكون قضية فلسطين جزءا من الصراع وليست الصراع كله، ولهذا يخطئ من يعتقد أن القضية الفلسطينية في طريقها إلى التلاشي بسبب استشراس الاحتلال وتفاقم الاستيطان وضعف القيادة الفلسطينية وتشرذمها، وبسبب الظروف الدولية المتجهة يمينا حتى التطرّف. فالمشروع الصهيوني لم يقتصر يومًا على شعب فلسطين وأرضه، وإنما يشمل المنطقة العربية وجوارها، مثل إفريقيا وإيران وكردستان وقد يتجاوز ذلك، ليبقى الصراع مفتوحا بين شعوب وأمّة تطمح إلى الحرية، وقوى محلية وإقليمية ودولية متحالفة تسعى لإبقاء هذه الشعوب تحت نير العبودية والتذيّل الاقتصادي، الذي وصل مع صعود ترامب إلى مرحلة دفع الخاوة والبلطجة، مقابل حمايتها من شعوبها ومن بعضها بعضا.
www.deyaralnagab.com
|