مؤتمر وارسو ضمن صراعات تشكيل الشرق الأوسط الجديد !!
بقلم : د. عبير عبد الرحمن ثابت ... 12.02.2019
تلجأ اليوم الولايات المتحدة الأمريكية إلى عقد مؤتمر منخفض التمثيل وبمستوى وزاري للترويج لصفقة القرن؛ والتي تُعد تسوية الصراع الفلسطينى الاسرائيلى جزءا يسيرا منها، وبرغم أن الدعاية الأمريكية لتلك الصفقة كرست بالأساس لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلى إلا أنه من الواضح أنها ذات أبعاد أكثر عمقا وشمولية في منطقة الشرق الأوسط من حل الصراع الفلسطيني الاسرائيلى، وكما ذكرنا في مقالات سابقة أن الهدف الأساس هو إعادة ترتيب الشرق الأوسط طبقا للمصالح الامريكية ولفترة طويلة الأمد.
ولكن تدرك الإدارة الأمريكية أن تناقض مصالح قوى دولية مع تلك الصفقة ذات المنظور الأمريكى الصرف يعوق لحد ما تنفيذ تلك الصفقة؛ وبِتَفحص الخارطة الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط تبرز لنا جملة من الحقائق؛ لعل من أبرزها أن اللاعبين الرئيسين في تلك المنطقة هم قوى إقليمية ليست عربية وتتمثل بالأساس بإيران وتركيا وإسرائيل؛ وهذه القوى الثلاث هي أحد المؤثرين الفاعلين في إمكانية مرور هذه الصفقة من عدمه، وهناك قوى أخرى وهى أكثر فاعلية وتتكون من الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والاتحاد الأوروبى.
وبالنظر لقائمة الحضور إلى مؤتمر وارسو نلاحظ أن كل من روسيا ومفوضة الشؤون الخارجية موغرينى قد اعتذرتا عن الحضور؛ وهو ما يعنى عدم رضا كلا الطرفين عن الطبخة السياسية التي تنفرد بإعدادها الإدارة الامريكية لترتيب الأوضاع السياسية في الشرق الأوسط؛ وكذلك رفض إيران هذا المؤتمر الذى كان عنوانه الأساسى وتم تعديله لاحقا مواجهة النفوذ الايرانى في الشرق الأوسط، وإنما تركيا يأتي حضورها ضمن تفاهمات خاصة مع الولايات المتحدة؛ وأما الحضور العربي لمعظم الدول العربية وخاصة دول الخليج العربى فهو تحصيل حاصل. وعلى صعيد آخر نجد أن إسرائيل من أكثر الدول المهرولة لهذا المؤتمر بعد أن أعلن بنيامين نتنياهو أنه سيحضر المؤتمر برغم أن المؤتمر على المستوى الوزاري؛ وفى المقابل أعلنت السلطة الوطنية الفلسطينية رفضها للمؤتمر ومقاطعته وهو ما يعكس اداراكا سياسيا عميقا للقيادة الفلسطينية لأبعاد المشهد السياسي الراهن.
لكن والأهم وما يحب الإشارة إليه أن المؤتمر يتزامن مع حدثين مشابهين تقودهم روسيا؛ وهما قمة سوتشى التي تجمع على مستوى القمة كل من روسيا الاتحادية وتركيا وايران؛ وكذلك مؤتمر الفصائل الفلسطينية في روسيا لبحث ملف المصالحة، ويبرز لنا هذا المشهد البانورامي الراهن حجم الصراع السياسى الخفى القائم بين القوى الدولية والإقليمية على ترتيب مناطق النفوذ الدولية وأبرزها منطقة الشرق الأوسط؛ وما ستسفر عنه نتائج تلك الصراعات من البديهى سيعمر لوقت طويل من الزمن.
وتدرك روسيا والاتحاد الأوروىى حقيقة مفادها أن الخطة الأمريكية المعنونة بصفقة القرن إنما هي استثمار للواقع السياسى القائم في الشرق الأوسط في محاولة لتعديل ذلك الواقع بما يتناسب مع مصالحها الاستراتيجية؛ والذى سعت روسيا سلفا إلى تغيير هذا الواقع من خلال عودتها للشرق الأوسط عبر الأزمة السورية ووضعت موظئ قدم ثابت لها في الشرق المتوسط وذلك ضمن تفاهم إيرانى تركى. وتخطو روسيا اليوم خطوة متقدمة في هذا الصدد بانخراطها القوى في ملف المصالحة الفلسطينية عبر مؤتمر موسكو والذى تراهن على نجاح محاولتها في راب الصدع الفلسطيني لأنه ببساطة سيمثل خلخلة كبيرة للخطة الأمريكية التي أحد ركائزها الأساسية استمرار الانقسام الفلسطيني؛ وتراهن كذلك على نتائج مؤتمر سوتشى لرسم خطة نهائية لحل الأزمة السورية.
وبينما الاتحاد الاوروبى والذى هو طرف أساسى في المعادلة؛ فهو متوجس بالأساس من سياسات دونلد ترامب نظرا لارتباط كثير من مصالحه الاستراتيجية بمنطقة الشرق الأوسط؛ والتي قد تتعارض بجوانب كثيرة مع خطة صفقة القرن؛ وقد رأينا منذ أشهر معارضة دول أوروبية وازنة لخروج الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق النووي؛ والذى من تداعياته التأثير على مصالح اقتصادية لدول أوروبية مع ايران، خاصة أن جوهر الصفقة الامريكية هو إنشاء تحالف عربى إسرائيلى( الناتو العربى) ضد ايران، واستراتيجيا فان ظهور تناقض مصالح أوروبى أمريكى لتلك التسوية الأمريكية من شأنه أن يجعل الاتحاد الأوربى طرفا مستقلا عن الولايات المتحدة الأمريكية في الترتيبات القادمة للمنطقة .
وفى خضم هذه النزاعات يبدو الطرف العربى ومعه الفلسطيني الخاسر الأكبر من نتائج هذا الصراع؛ نظرا لأنه لا يمثل أيا من القوى الإقليمية أو الدولية؛ على الرغم أن نتائج تلك الصراعات سوف يتحمل تبعاتها الطرف العربى والفلسطينى إذا لم يحسن استثمار تلك الصراعات بالخروج منها بنتائج تحفظ المصالح العربية والفلسطينية؛ وذلك بخطط استراتيجية من المفترض أنها تمثل خطة حيوية في هذه المرحلة الحساسة والحرجة سياسيا للمنطقة .
وينبغى على الطرف الفلسطيني حسم أمره سياسيا وتحديد خياراته مع أي المحاور السياسية تلك يجب أن يكون؛ ذلك لأن العلاقات الدولية هي فن إدارة المصالح والدول ليست إلا عبيد لمصالحهم بعيدا عن أى تحالفات أخلاقية أو منطقية . وهذا النهج ما يجب أن يكون دائم الحضور في ذاكرة صانع القرار الفلسطيني .
www.deyaralnagab.com
|