*غاية الأهمية : مفوض “الأونروا” المقال كرينبول: تم إقصائي لأسباب سياسية تتعلق بمواقفي وأنشطتي !!
بقلم : الديار ... 18.11.2019
نشر بيير كرينبول، المفوض العام السابق لوكالة إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، بيانا مفصلا حول ما قيل إنه استقال بسبب تورطه في قضايا فساد في المنظمة الإغاثية التي تعتني بخمسة ملايين ونصف مليون لاجئ فلسطيني. ،المعلومات الواردة في البيان لا تدحض رواية الفساد فحسب بل وتثبت بالدلائل والوقائع أن الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش انصاع لضغوط دولية لإقصائه عن الوكالة لأسباب سياسية بحتة. وهذا نص البيان الذي وجهه لزملائه العاملين في الأونروا:
بعد ست سنوات بالضبط من إعلان الأمين العام بان كي مون تعييني المفوض العام لوكالة الأونروا، قدمت استقالتي إلى خلفه، الأمين العام أنطونيو غوتيريش. لقد شرفني كثيراً أن أكون على رأس هذه المنظمة الاستثنائية خلال هذه الأوقات المضطربة. تعلمت منكم جميعا الكثير وتكوّن لدي منذ بداية مهامي احتراماً عميقاً لقوة الأونروا العملياتية ولشجاعة العاملين فيها. وبعد خبرة 22 عاماً مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر، أدركت سريعاً ومنذ البداية الصفات التي تميّز الأونروا، هذه الوكالة القادرة على الاستثمار في مشاريع إنمائية طويلة الأمد وعلى الاستجابة بفعاليةٍ وقت الأزمات.
وبشكل أكثر تعمقا، لقد أدركت الدور الأساسي الذي تضطلع به الأونروا في نظر اللاجئين الفلسطينيين، وهو دور الشاهد على الظلم التاريخي الذي لحق بهم 1948 والذي يستمر حتى اليوم، ممّا دفعني مراتٍ عديدة إلى الشعور بأنه لا بدّ من رفع الصوت والتطرق إلى موضوع حماية كرامة اللاجئين الفلسطينيين والدفاع عن حقوقهم، بالإضافة إلى ضرورة استمرار تقديم المساعدات والخدمات الأساسية لهم.
رفعت الصوت في غزة خلال الحرب عام 2014 وفي ظل الأزمة الصحية التي نتجت عن “مسيرة العودة الكبرى”. رفعت الصوت في اليرموك وفي حلب حيث عاش اللاجئون الفلسطينيون هناك صدمة الخسارة والنزوح من جديد. رفعت الصوت في برج البراجنة وفي عين الحلوة حيث غياب الأفق ليس أمراً سياسياً وشخصياً فحسب، بل جسدياً أيضاً. رفعت الصوت من جنين وبيت لحم والخليل حيث حُفرت في نفوس الناس حقائقُ الاحتلال التي يزداد تجاهلها. ورفعت الصوت من القدس الشرقية لأطمئن اللاجئين الفلسطينيين بعد إعلان الولايات المتحدة نقل سفارتها.
فالعمل الإنساني ليس توزيع الغذاء والمواد الأخرى فحسب. إنه عمل يترسخ في القانون الدولي. ولطالما رفضت فكرة أن تأتي المعاناة بصفة المجهول وأن تُجرّد من أسماء أصحابها وتُختصر بأرقامٍ وإحصائيات. لذلك، لطالما ذكرت في المحافل الدولية أسماء طلاب الأونروا الذين قتلوا في غزة وفي سوريا، لأنه كان لكل منهم مصير وأمل وإمكانية تحقيق إنجازات. كما حاربت لكي تُرفع في المقر الرئيسي في نيويورك أسماء موظفي الأونروا الذين فقدوا حياتهم خلال تأديتهم لواجبهم، وكذلك أسماء من اعتقلوا أو اختفوا حيث لم تكن أسماؤهم مسجلةً من قبل على لائحة ضحايا الأمم المتحدة.
نحن ندرك جميعاً المناخ الذي تعمل فيه الأونروا في العامين الماضيين. لقد كان لقرار الولايات المتحدة بقطع مبلغ 300 مليون دولار أمريكي عام 2018 هدفاً واضحاً: تقويض قضية اللاجئين الفلسطينيين والقضاء على وجود الأونروا. وعندما فشل ذلك المخطط بفضل قرارات الإدارة الحاسمة وإجراءات التوفير الداخلية التي اتخذناها وحملة “الكرامة لا تقدر بثمن” الاستثنائية التي أطلقناها، تحولت الهجمات مباشرةً إلى هجماتٍ سياسية.
أصبح الأمرُ جليّاً هذا العام، عندما خاطبت مجلس الأمن في 22 أيار/مايو. فجاءت الردود الداعمة من 14 من الدول الأعضاء. في حين شنّ مبعوث الولايات المتحدة هجوماً ضد الأونروا لم يشهد مجلس الأمن في تاريخه مثيلاً له ضدّ منظمة إنسانية. خاطبتهم من غزة، ودحضت بشكلٍ صارمٍ كل نقطةٍ وادعاء قدّمه كلّ من مبعوث الولايات المتحدة والممثل الدائم لإسرائيل في نيويورك. وكان جليّاً أنّ ما قمتُ به لن يمرّ دون دفع الثمن. فرفعُ الصوت ورفضُ الإذعان للمصالح السياسية والتهكم غالباً ما يؤدون إلى محاولات لإسكات الصوت المرفوع.
وبالإضافة إلى هذه التحديات غير المسبوقة، كان علينا أيضاً أن نتعامل مع تقرير أُرسل إلى نيويورك وتضمّن ادعاءات عن سلوكٍ غير لائقٍ لإدارة الأونروا، بمن فيهم أنا.
وفي رسالة الاستقالة التي أرسلتها إلى الأمين العام بتاريخ 6 تشرين الثاني/نوفمبر، ذكرت بشكلٍ واضح أن قرار استقالتي ليس إذعاناً أو قبولاً مني لأيٍّ من الادعاءات التي وجهت ضدي على الإطلاق، بل على العكس، ما زلت أرفضها رفضاً قاطعاً وبدون أيّ تحفظات، وأؤكد مجدداً بأن كل قرارٍ اتخذته كمديرٍ للوكالة إنّما ارتكز على اعتبارات أخلاقية. لقد قررت الاستقالة لأنني قبل كل شيء، أرقى فوق السياسات التي تحكمت بهذا الإجراء بكامله، وهو إجراء تعاملت معه بشكلٍ وثيق وبشفافيةٍ مطلقة بسبب ثقتي الراسخة بنظام الأمم المتحدة والتزامي بمبادئها وبسبب سجلي المهني المشهود له في مجال العمل الإنساني.
وبدافع النزاهة الشخصية وحس المساءلة، ما زلت أرفض حتى الساعة أن أنظر إلى التحقيق على أنه أمر مفتعل فحسب، لكن أن نعتبر أن التحقيق حدث بمعزلٍ عن إمكانية استغلاله لدوافع سياسية هو أمر ساذج إن لم يكن مخادعاً. وقد تمّ استغلاله بالفعل من قبل أولئك الذين ينتقصون من الأونروا بدون هوادةٍ بغية تحقيق أهدافهم، في حين كان تطبيق ما يسمّى بـ “صفقة القرن” في أوجّه، وكانت أهدافهم معروفةً قبل وقتٍ طويل من التحقيق.
شابت الإجراءات تسريباتٌ وخرق لمبدأ سرية التحقيق. فقد كان التقرير الأوليّ “السريّ” قد وصل إلى أيدي دولٍ أعضاء في الأمم المتحدة قبل وقتٍ طويلٍ من إبلاغي بحسب الأصول عن موضوع التحقيق في شهر آذار/مارس من هذا العام. ولديّ أسباب تدفعني للظنّ بأنّه تمّ إطلاع عددٍ من الدول على هذا التقرير في شهر كانون الثاني/يناير إن لم يكن قبل ذلك. وفي شهر شباط/فبراير 2019، اتصلت بي دولة عضو كانت على علمٍ بمضمون التقرير وأشارت إلى تلقيها أسئلةً من الصحافة حول الموضوع. وفي وقتٍ لاحقٍ، تمّ تسريب التقرير إلى وسائل الإعلام مما أدى إلى استغلالٍ سياسي واسع النطاق. إن هذه الخروقات للسرية بالإضافة إلى نوبة الادعاءات العلنية العدائية قد ولّدت وضعاً لا يمكن تحمّله حتى مع استمرار التحقيق.
وفي الأسبوع الماضي، تبلّغت رسمياً بأن التحقيق أثبت عدم وجود فساد أو عمليات تزوير أو سوء إدارة، وبأنّ الادعاءات الباطلة عن علاقة عاطفية مع إحدى المستشارات لا أساس لها بحسب التقرير. لقد تبلّغت بأنّ بعض المسائل الإدارية ومسائل التوظيف تحتاج إلى مرحلة إضافية من الإجراءات. وفي غضون ذلك، طُلب مني التنحي من منصبي.
وبعبارةٍ أخرى، وبالرغم من أن التحقيق قد أثبت أن الادعاءات الأكثر خطورةً غير صحيحة ولا أساس لها، طُلب من التنحي. لم أكن جاهزاً لتقبّل ذلك. لقد كنت دائماً، وسأظل، على أتمّ الاستعداد للاعتراف بوجود مجال للتحسين في أسلوب إدارتي للوكالة، وخلال السنوات الخمس الماضية، عملت بحزمٍ على تعزيز الفعالية وزيادة المساءلة.
إلاّ أنني أجد التطورات التي حصلت هذا العام غير مقبولة. لقد اتهموني بالسفر كثيراً. تخيلوا الاتهامات التي كانت ستوجّه إليّ لو بقيت في القدس العام الماضي أنتظر معجزةً تأتيني بالأموال اللازمة لسدّ عجزٍ قيمته 446 مليون دولار. اتهموني بالسفر في درجة رجال الأعمال علماً أنني رفصت السفر في درجة رجال الأعمال خلال نصف عدد رحلاتي منذ العام 2015 رغم كون ذلك من حقي. اخترت السفر في الدرجة السياحية لتوفير المال على الوكالة. وقد تمّ توثيق كل النفقات المتعلقة بسفري حسب الأصول.
لقد اتخذت الآن قراري بالاستقالة من منصبي كمفوضٍ عام، وهو لقب حملته بكل فخرٍ في وجه الهجمات الضارية التي شُنّت على الوكالة وعلى شخصي. اتخذت هذا القرار لأنني لم أعد مستعداً بالسماح لأولئك الذين يهاجمون دوماً اللاجئين الفلسطينيين، والأونروا، ويهاجمونني، بالاستمرار باستغلال هذا الوضع خصوصاً في خضّم التحضير لتجديد الولاية. و بالأمس، شهدنا التصويت الملحوظ للّجنة الرابعة التابعة للجمعية العامة حيث دعمت 170 دولة تجديد ولاية الأونروا لثلاث سنوات. وبالتالي، فقد ضمنت جهود التواصل وكسب التأييد التي بذلناها طوال العام ان تكون نتيجة التصويت أفضل من نتيجة العام 2016، (161 صوتا) بالرغم من الهجمات التي شُنّت علينا.
وفي الختام أؤكد لكم أنه ما من تجربةٍ مجزية أكثر من تجربة ترؤس الأونروا ورؤية الإنجازات العظيمة – الفردية والجماعية – التي قمتم بها أنتم موظفو الأونروا الفخورون. أناشدكم أن تستمروا بالتركيز على مهامكم الأساسية، بالعمل لمصلحة اللاجئين ومناصرتهم في الدفاع عن حقوقهم وكرامتهم، وبالعمل سوياً بثقةٍ واحترام.
تعلمون جميعكم أن أكبر مصدر إلهامٍ بالنسبة إليّ كان العمل مع طلابنا. أنا فخورٌ جداً بشجاعتهم وإصرارهم، بقدرتهم الملفتة على لمس قلوب السياسيين والدبلوماسيين والصحافيين عندما خاطبوا الجمعية العامة أو جامعة الدول العربية. إنّ تمكين الفئة الشابة من اللاجئين الفلسطينيين زهرة ثمينة تحتاج للكثير من العناية والانتباه عن كثبٍ وبشكلٍ مستمر.
في السابع عشر من شهر آبأغسطس 2014، وبين أنقاض مدرسة الأونروا في خزاعة التي قامت دبابة إسرائيلية بجرف قسمٍ كامل منها، وجدنا كتاب رؤى الدراسي. كانت الحرب في غزة مستعرة من حولنا وفي الكتاب قصيدة شعرية تقول “الأمل صديق لا يخونك أبداً. قد يذهب لبعض الوقت لكنه يعود دائماً”. هذه الرسالة جالت العالم معي ولمست قلوب الكثيرين.
إلى لاجئي فلسطين، إلى موظفي الأونروا، إلى طلابنا، إلى أصدقاء كُثر كسبتهم خلال هذه المسيرة، أعرب عن امتناني وشكري البالغين. أعلم أن أقدارنا مرتبطةً ارتباطا وثيقاً وسأحمل في قلبي إلى الأبد أعظم صفةٍ عندكم: قدرتكم على التصدي بصلابة وعلى عدم الاستسلام
ولـكــم مـني فـائـق الاحترام،
بــيـــيــر كــريـنـبــول
وويذكر أنه وبعد إعلان الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش يوم 6 تشرين الثاني/نوفمبرقرار وضع بيير كرينبول، المفوض العام لوكالة إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) في إجازة إدارية، أعلن السيد كرينبول استقالته من المنصب فورا. وكان الأمين العام قد تلقى تقرير التحقيق فيما يتعلق بادعاءات ضد المفوض العام للأونروا، بيير كرينبول، من مكتب الأمم المتحدة لخدمات الرقابة الداخلية.
وجاء في التقرير أن النتائج الأولية للتحقيق الذي قام به مكتب خدمات الرقابة الداخلية تستبعد أي إدانة للمفوض في مسائل تتعلق بالاحتيال أو اختلاس أموال التشغيل من قبل المفوض العام. “ومع ذلك، هناك قضايا إدارية تحتاج إلى معالجة. وبناء على ذلك قرر الأمين العام وضع المفوض العام في إجازة إدارية بينما يتم توضيح هذه المسائل بشكل أكبر وحتى يمكن اتخاذ قرار نهائي أو إجراء مناسب” حسبما جاء في بيان صادر عن مكتب المتحدث الرسمي. وقد عين الأمين العام البريطاني، كريستيان سوندرز، ليكون المفوض العام بالوكالة، ومسؤولا عن الأونروا في الفترة القادمة لغاية تثبيته من قبل الجمعية العامة!!
www.deyaralnagab.com
|