وجع ظَهر… !!
بقلم : سهيل كيوان ... 02.01.2020
آلام الظهر لا تفارقني منذ عقود، تخفُّ حقبةً ولا تلبث أن تعود، تشتد أحياناً، لكنني أتعايش معها مثل مئات الملايين من أبناء البشر، وفي الإحصاءات إنها العامل الأول للألم الجسدي لدى أبناء البشر، ويبلغ عدد الذين يعانون من آلام الظهر السفلي في العالم بصورة دائمة 540 مليوناً.
أوجاع الظهر في العائلة ليست جديدة، هو ميراث من الوالدة وأسرتها التي عانى معظم أفرادها من أوجاع مشابهة، حتى أولئك الذين لم نرهم أبداً، وأقصد أولئك الذين ولدوا في بلاد الغربة.
إنها آلام الظهر السفلي نفسها التي يعاني منها أبناء العائلة في الجليل كما في قطاع غزة وفي عين الحلوة وفي برلين والإمارات ومكة ونيويورك والأردن.
طبيعي جداً أن ترى أحد أبناء السلالة من جهة الأم وخصوصاً في مناسبات كالأفراح متزنّراً بكوفية رقطاء أو بيضاء حول وسطه، تساعده على تدعيم انتصاب قامته، وعادي جداً أن يهمس لك أحدهم من دون مقدمات بأنه اهتدى إلى حزام اقتناه من الصيدلية يساعده كثيراً في تخفيف آلام ظهره وانتصاب قامته.
كان يزعجني أن تنتبه والدتي للانحناءة أو المشية العوجاء التي كان يفرضها الألم عند اشتداده، كنت أحاول إرغام نفسي على الانتصاب أمامها، لكنها كانت ترى ما لا يراه الآخرون فتبادر للقول: «وَجع الظّهر كِتْبة على دار حسين-تقصد عائلتها- كلنا نعاني من أوجاع الظهر». ثم تقدّم لي نصائحها التي حفظتُها عن ظهر قلب لكثرة ما سمعتها تقدمُّها لمن سبقوني في هذا المجال: «إدهن زيت زتون».
لا أعتقد أن شعباً في العالم يقدّس زيت الزيتون ويثق في قدراته وعجائبه العلاجية والصحية مثل الفلسطينيين، رغم أن إنتاج فلسطين منه بسيط مقارنة مع دول أخرى مثل إسبانيا وإيطاليا واليونان وتركيا وتونس وسوريا وغيرها.
يا للزيتون، ما من مرض أو ألم إلا ويقولون لك «عليك بزيت الزّتون»، كأن فيه خلاصة كل العلوم والأبحاث والأدوية وتجارب الشعوب، إما ادهنه بعد تحمية خفيفة ونَمْ، أو اشرب منه على الريق، أو اخلطه مع ثوم مثلاً أو انقع فيه حبات تمر! حتى صار البعض يزعم بأنه يقوّي الباه لاحتوائه على عنصر أوميغا ثلاثة، وهذا يزيد من هورمون التسترون، ووصلت الثقة في زيت الزّتون حتى زعموا أنه يساعد في علاج سرطان البشرة والثدي.
لا أشك في زيت الزّتون وقدراته العلاجية لا سمح الله، ولكن كي يكون ذا فعالية ضد السرطان، يحتاج المريض إلى إدخال ثلاثة أطنان منه إلى خلايا جسده، أو أن يعيش داخل بركة من الزيت لسنوات، وهذا يعني أن وزنه سيصبح نصف طن في الفترة العلاجية.
-رَفَعت إشي ثقيل يمّا؟
-لأ يمّا..
-طيّب ليش ما بتروح عند الدكتور؟ في واحد شاطر بترشيحا، أنا تريّحت عنده وابن خالتك ارتاح عنده.
ذهبت إلى ترشيحا وغيرها، حاولت مراراً علاج مصدر الألم جذرياً دون نجاح.
أحد المدلّكين نشر إعلانات كبيرة في الصحف المحليّة عن نتائج ممتازة في علاج أوجاع الظهر السفلي وبشهادة عدد من المعالَجين عنده، تحمَّستُ وذهبت إليه، لكنه سبّب لي آلاماً مضاعفة عن تلك التي عانيتُ منها، كان الأخُّ مصارعاً، حتى أشعرني بأنه يكن لي عداءً وحقداً، حتى شطّ عقلي وصرت أبحث عن سبب هذا العداء، هل هو سياسي أم حزبي أم أمر شخصي أجهله، خشيت أن يسبّب لي شللاً دائماً، فطلبتُ منه أن يوقف جولة المصارعة، ووعدته بالعودة بعد أيام، وهربت.
قرأت إعلاناً لمختص في علاج آلام الظهر بالإبر الصينية، عيّنت موعداً، وذهبت إليه، تبين أنه من موجة الهجرة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي التي كان 86٪ منها من غير اليهود.
رشم ظهري بالإبر الدقيقة، كل وخزة مع ألم خفيف، فلنتحمل قليلاً من الألم كي نرتاح مرة وإلى الأبد، ولكنه طلب مني اقتناء مجموعة من الحبوب المتممة للعلاج أطلق عليها اسماً مركباً كأنها صاروخ عابر للقارات، وقال إنها مخصصة لهذا النوع من الآلام، لكن النتيجة كانت تحمّل وخزات الإبر الصينية ولا عسل، أظن أنه نصّاب، الحبوب لم تكن سوى سُكّرعلى شكل كريّات دواء ليس إلا، حتى في الشكل واللون لم يكن أي فارق بينها، دفعت ما يعادل ثمن نصف طن من السكر مقابل بضع كريات سُكّر وبقي الألم.
بعد عقدين ثبت لي أن الإبر الصينية فعّالة، شرط أن يكون المعالج حقيقياً قد تدرب عليها ودرسها بالفعل، جرّبتها على أوجاع في الرقبة ونجَحَت، ولكن مع الظهر السفلي كانت أقل نجاحاً.
عندما يعود الألم أصبح حذراً في حركاتي، أهبط من السيارة بحذر، أضع قدميّ على الأرض بتؤدة كما لو كنت سأدوس على زجاج، أقف خارج السيارة، وأحاول تدليك أسفل الظهر بعقل أصابعي حتى تستقيم قامتي، بعد الاستقامة القصوى الممكنة أتقدم، كذلك عندما أجلس للكتابة أترك المقعد كل ربع ساعة أو أكثر بقليل وأمشي بضع خطوات، أنحني قليلاً، أحاول فعل شيء ما.
أستحي أن يراني أحدٌ ماشياً بانحناء ولو خفيفاً، خصوصاً أولئك الذين يتبرّعون بملاحظاتهم عن آلام الظهر ويقدّمون نصائح هم أنفسهم لا يطبّقونها، مثل نصيحة ممارسة رياضة المشي ساعة واحدة في اليوم، وتخفيف الوزن عشرة كيلو غرامات على الأقل.
انضممت إلى نادٍ رياضي، وهذا يساعد كثيراً، ويرفع من مشاعر الثقة في النفس، ولكن آلام أسفل الظهر مستمرة.
أكثر من واحد نصحني «إعمل كاسات هوا»، لقد عملت كاسات هوا منذ سنين ولكنها لا تساعد إلا بصورة مؤقتة.
تعرفت مؤخّراً على أحد أقرباء أسرة والدتي ممن يعيشون في لبنان، وذلك عبر «الفيسبوك»، فقد بلغني أنه يتذمّر لأنه يرسل لي رسائل ولا أرد عليه، ويبدو أنه كان يرسل إلى حساب قديم باسمي تعرّض للقرصنة منذ سنوات، تواصلت معه مؤخراً وسعدت بالتعرف عليه، وما لبثت أن وجهت له كلمة السّر: كيف وجع ظهرك اليوم؟
-واو، هل وصلت أخبار وجع ظهري إلى فلسطين، من أخبرك بهذا؟؟
-نحن نعرف عنكم كل شيء يا خال.
www.deyaralnagab.com
|