الطائفية في العراق بين عهدين/1
بقلم : علي الكاش ... 13.10.2020
قال أبو محمد الموحِّد بن محمد التُّستَريّ
ولا خيرَ في قومٍ يَذِلُّ كِرامُهم ... ويعظُمُ فيهم نَذْلُهم ويَسود
(دمية القصر)
تنويه المقال من جزئين.
من خلال دراسة حركة التأريخ نجد ان الأنظمة الجديدة تضع في أول عتبة من سلم اولياتها القضاء على رجالات المرحلة السابقة بالقتل او النفي او السجن، وملاحقتهم مع عوائلهم وفق القانون او بدونه بذرائع شتى قد يصح بعضها ولا يصح الآخر، والعتبة الثانية تشويه سمعة النظام السابق وتسقيط رموزه والتركيز على الأخطاء التي ارتكبها وتجنب الحديث عن الإيجابيات على اعتبار انها من المهام الطبيعية لأي نظام وهي لا تستوجب المدح او الثناء، والعتبة الثالثة هي تلميع النظام الجديد والإيحاء بأنه سيعالج جميع سلبيات النظام السابق ويصحح أخطائه، وستكون رفاهية الشعب واحترام حرياته وتعزيز حقوقه من الأهداف الرئيسة للنظام الجديد. وهذه الأولويات عامة في تأريخ الأمم، وربما الآن تتوضح الصورة أكثر في بلدان العالم الثالث.
لو رجعنا الى الثورات قديما وحديثا ستتبين تلك الظاهرة بوضوح، فمن العهد الماضي على سبيل المثال ثورة العباسيين وما فعله ابو العباس السفاح بالأمويين، وكيف لاحقهم في كل أرجاء المعمورة ليقتلهم، وفي العهد الأقرب الثورة البلشفية وما فعلة الشيوعيون بالقياصرة، وربما في التأريخ الحديث يمكن ملاحظة الإنقلابات الدموية التي صاحبت الثورات في العراق، وقد إنجلت بعد الغزو الامريكي الصورة البشعة من خلال ملاحقة القادة البعثيين وعوائلهم، ومصادرة بيوتهم والإستيلاء علي ممتلكاتهم من قبل الزعماء الجدد المتشدقين بالإسلام والزهد والتقوى، بل وصل الأمر الى السيطرة على ممتلاكات الدولة ومصادرتها لحساب عناصر في الأحزاب الحاكمة، ولو بحثت عن اوضاع السياسيين المعارضين للنظام السابق وكيف كانوا يعتاشون على مهن بسيطة وعلى منح بالكاد تسد رمقهم من اجهزة المخابرات المعادية للعراق بإعتبارهم جواسيس، وكيف اصبحوا اصحاب مليارات بعد الغزو على حساب الشعب الفقير، لتبين لك زيف الشعارات التي طرحت بعد الغزو جملة وتفصيلا.
من منا لا يستذكر قول رئيس الوزراء السابق، ووزير الخارجية ، ومنظر حزب الدعوة الخبل (إبراهيم الجعفري)، عندما وصف حكومة حزب الدعوة بأنها (حكومة ملائكية)، والله الذي لا اله إلا هو لو كانت (حكومة شيطانية) ما فعلت ما فعلته حكومة الجعفري الملائكية ولا من خلفوه في رئاسة مجلس الوزراء من حزب الدعوة. عندما أكد ليٌ صديق يعيش في بريطانيا يعرف الجعفري عن قرب، وقال انه مخبول ويعاني من الزهايمر وفق تقارير طبية صادرة في لندن، فكرت مليا مع نفسي: كيف تسمح الولايات المتحدة وبريطانيا ان يحكم العراق رجل مخبول وهما الأدرى بحالته الصحية؟
وهل يمكن لمن يريد الخير للعراق، ان يسلمه بيد مخبول؟
لقد فجر هذا المخبول الحرب الأهلية عام 2006 ـ2007 وكان بقرار واحد ان يوقف المجازر بإعلان حالة الطواريء ومنع التجول فقط، لكنه لم يفعل، وقد اعترف (باقر صولاغي) عندما كان وزيرا للداخليه أنه طلب من الجعفري ان يشن عملية ضد وكر ارهابي للقاعدة، فقال له: سنأخذ خيرة بالسبحة، وبعدها اجابت خرز السبحة سلبا، فمنع العملية. بهذه العقول الفاسدة حُكم العراق، وكانت النتيجة واضحة للعيان.
أرجو أن لا يفهم من هذا المقال انه مدحا لقيادة العراق قبل الاحتلال الامريكي الايراني للعراق عام 2003، فقد توخينا الحقيقة في الرؤية والمقارنة المنطقية بعيدا عن الميول والأهواء، وعدم الإنجراف لما يتقوله البعض من أكاذيب وتدليس عن الحقائق في محاولات يائسة وبائسة لتشويه التأريخ القريب والتعتيم عن الأحداث الماضية، والتغاضي عن الوضع الحالي الذي يمر به العراق من جهة، والأمة العربية من جهة ثانية. نستذكر في ذلك قول شاعر نا الكبير معروف الرصافي:
وما كتب التأريخ في كل ما روت لقرائها إلا حديث ملفق
نظرنا لأمر الحاضرين فرابنا فكيف لأمر الغابرين نصدق
بما لا يقبل الشك لكل نظام في العالم ايجاباته وسلبياته، واحيانا تطفوا السيئات على الحسنات أو العكس، وعندما نتحدث عن النظام فإننا نقصد الحاكم او منظومة الحكم بأجملها، سواء كان الحاكم دكتاتورا او ديمقراطيا، ومهما كان الإنسان واعيا ومثقفا ومطلعا على الحدث من خلال قراءاته او مسموعاته، فأن حكمه على أحداث لم يشهدها قد لا يصح كليا او جزئيا، لأن بكل بساطة التأريخ يكتبه وعاظ السلطة والمستفيدون من الحكم والحاصلون على المزايا. ولو جرب أي كاتب ان يؤلف كتابا ضد النظام الحاكم فأن السلطة سوف تعتقله وتصادر كتابه، لذلك تجد غالبية كتابات المعارضين تصدر في دول أخرى تتمتع بحرية التفكير والتعبير، وعلى العكس فأن ألف أحدهم كتابا يمدح السلطة فأنه سيحصل على امتيازات وسيروج اعلام السلطة لكتابه، وينبري الذباب الألكتروني للسلطة بالإشادة بمضمونه.
اليوم يعيش العراق في مرحلة السقوط فالعراق لم يعد دولة، لأنه عندما يفتقد البلد السيادة، وتكون اراضيه مستباحة لدول الجوار، وتتحكم ميليشيات ارهابية بمقدراته، ويفضل الحاكم مصلحة دولة أجنبية على مصالح البلد العليا، لا يمكن أن تطلق تعبير دولة على هذا البلد، ملالي ايران يصرحون دائما ان العراق جزء من ايران، بل عاصمتهم، ولم يرد اي مسؤول عراقي على هذه التصريحات، لذا فأنها تُعد مقبولة من قبل الرئاسات الثلاث في العراق. الحقيقة المرة التي يجب الإعتراف بها ان العراق فعلا ولاية ايرانية، لأنه عندما تحاصر ميليشيات ولائية تابعة لايران رئيس الحكومة (مصطفى الكاظمي) في عقر داره (المنطقة الخضراء) ويستنجد برئيس مافيا (نوري المالكي) لينقذه، علما ان هذه الميليشيا من الناحية القانونية تحت سيطرته، فرواتبهم واسلحتهم وعجلاتهم وعتادهم وملابسهم وطعامهم كله من الحكومة، لذا لا يمكن ان تقول ان العراق دولة، نعم توجد سلطة حاكمة ضعيفة ولكن لا توجد دولة.
لفد عشنا المرحلتين، أي مرحلة ما قبل وما بعد عام 2003 لذا سيكون كلامنا مستندا الى شواهد يتفق معها كل من عاشها اذا ابتعد عن الحقد والأهواء وفكر بمنطق ومصداقية. سنورد بعض من الحقائق لأصحاب اللب السليم، وبمنأى عن المستحمرين السائرين في درب الضلالة الذي يتزعمة المعممون، وأرباب السياسة من الفاسدين الذين دمروا العراق تدميرا تحت ظلال الحقد المزمن، ونشروا بذور الطائفية فأنتجت ثمار عفنة، مصيرها حاويات النفايات عاجلا أم آجلا، ربما بعض هذا المعلومات والشواهد لا يعرفها الشباب لأسباب عدة:
اولهما: انهم كانوا اطفالا حينها ولم يَعوا المرحلة، ولا يمكن ان يُلاموا على هذا النقص المعلوماتي.
ثانيهما: ان الثورة في المعلومات والتطورات التكنلوجية قادت الشباب الى مواضيع مختلفة لا علاقة لها بالسياسة كالحاسوب والخلوي والآيباد وغيرها.
ثالثهما: ارتفاع نسبة الأمية في صفوف الشعب العراقي، والتي بلغت ما يقارب (7) مليون أمي ومتسرب من الدراسة بعد ان كان العراق نظيفا من الأمية. وهذا يعني قلة الثقافة والوعي.
رابعهما: البطالة وارتفاع نسبة الفقر، جعلت الشباب يبحث عن قوته اليومي، وابتعد عن المطالعة الخارجية ومتابعة البرامج السياسية الجيدة.
خامسهما: تدني المستوى التعليمي من الدراسة الابتدائية الى الجامعية، فقد تحولت الرموز الوطنية التأريخية والحاضرة الى طغاة وكفار وخونة وفاسدين، وصار العملاء والخونة هم رموز العراق الوطنيين، وتحولت المناهج الدراسية الى تمجيد الجواسيس والخونة في التأريخ كالعلقمي ومحمد باقر الصدر ومهدي الحكيم وغيرهم، والإساءة الى كبار الرموز الأسلامية مثل عمر بن الفاروق وصلاح الدين الأيوبي.
سادسهما: شوهت الحكومات بعد عام 2003 الحقائق بشكل لا يمكن تصوره، فظن البعض ان المرحلة الحالية أفضل من السابقة.
الحقيقة المرة إن شيعة العراق دخلوا سقيفة بني ساعدة وعلى الرغم من مرور اكثر من (14) قرن فأنهم لم يخرجوا من السقيفة، على الرغم من ان السقيفه شهدت مناظرات بين الصحابة، واختلاف في وجهات النظر، وسرعان ما أتفقوا على بيعة أكبر الصحابة سنة وأقدمهم اسلاما وعطاءا وصحبة لرسول الله (ص) كخليفة للمسلمين، كانت المجادلات تتعلق بالجانب السياسي وليس الديني، بمعنى الزعامة وادارة الدولة الاسلامية وليست المرجعية الدينية، فقد كان الصحابة يفتون في الجوانب العقائدية دون الرجوع الى الخليفة او بيان رأيه، فهم متساوون في الجانب العقائدي كصحابة، ولكل منهم له وجهة نظر في الفقه بما لا يتعارض مع القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة.
نأمل أن يجري العقلاء مقارنة مع ما كان قبل وبعد عام الغزو الغاشم. فغالبا ما يتحدث المعممون ورجال السياسة عن سلبيات النظام السابق، وكيف كان يتعامل بطائفية مع أخواننا الشيعة، فهل إنتهك النظام السابق حقوق إخواننا الشيعة حقا؟ هذا ما سنبينه من خلال مقارنة بسيطة.
في بداية الغزو الغاشم أطلق شيعة السلطة وتبعهم الغوغاء على الرئيس الراحل صدام حسين وصف (هدام) والغريب في الأمر انه بنى الكثير من المنشئات والمصانع وعمر العراق زراعيا وصناعيا وتجاريا، وكان العراق يمثل قوة عسكرية عالمية في مراتب الدول العظمى، ولم يبنِ الزعماء الجدد لا جامعة ولا مدرسة ولا مستشفى ولا أية مؤسسة صناعية او زراعية، ولم يفتتحوا شارعا جديدا او يبلطوا طريقا، بل على العكس فقد خربوا العراق بكل مقدراته ودمروا مدنه وجعلوه في المرتبة الأولى من الفساد والخراب والفقر والبطالة والديون الخارجية، علاوة على إنتشار الأمية وتجارة المخدرات والطائفية والعشائرية والحزبية والرشاوي والتزوير وحالات الطلاق والإنتحار وغيرها.
كان معارضو السلطة في الخارج يعيبوا على الرئيس الراحل انشغاله ببناء القصور تاركا شعبه في فقر مدقع، واليوم يسكنون نفس القصور بكل وقاحة، تاركين الشعب العراقي يعاني من فقر بنسبة 35%.
علما ان تلك القصورة لم تسجل بأسم الرئيس الراحل، وانما بإسم ديوان الرئاسة، ولم يثبت امتلاكه سوى بيتا واحدا في محافظة تكريت مساحته (200) متر مربع، لكن الزعماء الجدد صادروا البيوت الرئاسية واشتروها بأسعار مضحكة. بل ان البعض منهم اغتصبوا بيوتا لقيادات حزبية وسكنوا فيها وهم يدعون الإسلام زورا وبهتانا، فهم الأبعد عن الإسلام، بل هم من شوهوا الإسلام، ولا يختلف فعلهم عن فعل تنظيم داعش الإرهابي، المنبع واحد والمصب واحد، والهدف والوسيلة متشابهان.
نسأل بعفوية بإعتبارهم اسلاميين كما يزعموا: هل تجوز الصلاة في بيت او أرض مغتصبة؟
يقول الفقه الشيعي ببطلان الصلاة في ارض مغتصبة، او ارض الغير دون اخذ موافقة اصحاب الشأن، ولاتصح الصلاة الا بموافقتهم. ويمكن مراجعة فتاوى الخامنئي (اجوبة الإستفتاءات) ومحمد باقر الصدر (الفتاوى الواضحة)، والسيستاني (المسائل المنتخبة). بل ان محمد باقر الصدر راح أبعد من غيره من الفقهاء فأفتى" إذا كان المكان مشتركاُ بين شخصين، فلا يسوغ لاحدهما أن يتصرف فيه أذن شريكه ولو صلى وسجد عليه بدون اِذن كانت صلاته باطلة"، وهل يغيب عن بال العراقيين اعتراض المرجع الشيعي السابق ( محسن الحكيم) على ( قانون الإصلاح الزراع عام 1959) على أساس ان القانون يييح إغتصاب أراضي الإقطاعيين من قبل المزارعين؟ لقد نصر الإقطاعيين على فقراء الشيعة في فتوى عجيبة.
للمقال تابع بعون الله
www.deyaralnagab.com
|