نعم: سينضب النفط وتنتهي سادوم وعامورة!!
بقلم : رشاد أبوشاور ... 28.12.2020
عام 2016 زرت أبوظبي، وكانت المناسبة انعقاد المؤتمر العام للأتحاد العام للكتاب والأدباء العرب، وبالنسبة لي كانت المناسبة تسليمي جائزة ( القدس) التي أُقّر منحها لي في اجتماع المكتب الدائم للاتحاد في المغرب.
سألني احد المقيمين في أبي ظبي:
- كيف شفت هذه المدينة؟
لم أجب، فعاد وسألني، فلبتث سادرا في صمتي، فتململ في جلسته، ثم استحثني على الإفصاح عن رأيي في مدينة أبي ظبي ذات الأبنية الغريبة العجيبة..التي لا تنتمي للعمارة العربية الإسلامية، والتي شاهدت ما استنسخت عنه في نيويورك، وبعض بلدان الغرب..وبخاصة المدن الأمريكية.
وحتى لا يظن أنني أتجاهل سؤاله استخفافا، سألته:
- هل قرأت رواية ( مدن الملح) لعبد الرحمن منيف؟
فرّد:
- قرأت الجزء الأول..وأنت؟
رددت:
- يكفي أن تراها لتعرف ما تخفيه..المنشأ..والمآل، المقدمة و..النهاية الحتمية.
ظنني أتهرب فعاد وسأل:
- ما سمعتني رأيك!
- ما الذي تريدني أن أعجب به في هذه المدينة؟ العمارة!..هجينة و..مشتراة..قل: مستوردة..مقلدة. ثروات النفط بُددت على شراء الأسلحة ..لماذا، ومن أجل ماذا؟! ووضعت مليارات في البنوك بأسماء أفراد الأسر الحاكمة، ومليارات كثيرة وضعت في بنوك أمريكا وبعض دول الغرب..ويمكن وضع اليد عليها..فماذا سيبقى( لعرب) هذه البلاد؟ !
سالت صاحبنا ( المقيم) منذ سنوات في أبي ظبي و..أخواتها:
- كم مليونا عدد مواطني دولة الإمارات؟
صفن قليلاً:
-يقولون: حوالي ثلاثة ملايين.
والعاملون في الإمارات:
- سبعة ملايين...
سالته: هل تصنع دولة الإمارات سيارات، أجهزة كمبيوتر، ملابس..مصنوعات غذائية؟ هل استثمرت في الزراعة، والتكنولوجيا، هل بينها وبين دول الخليج تكمل اقتصادي؟! هي انفجرت بناء مع النفط الذي قدّر البنك الدولي أن دول النفط أضاعت فرصة استثماره في ثورته الأولى..وها هي في ثورته الثانية تنشئ الأبنية المتطاولة..والأبراج متنافسة مع جاراتها دول الخيج..و تنعش مصانع الأسلحة في أميركا، وتخنع بذّل لأوامر وتوجيهات أميركا..ورئيسها ترامب المستهتر بحكّام( دول الخليج) المتجبرين على عرب الخليج..المفسدين لحياة عرب المشرق والمغرب.
النفط لا ينشئ حضارة، ولا يصنع دولاً تحضر بين الدول بما تصنع وتزرع..ولا يغيّر من قيمة أثريا و( دولهم) يشترون أندية كرة قدم فرنسية وإنقليزية وإسبانية.
زرت عدّة بلدان خليجية، وفي كل زيارة كان الحزن يثقل على نفسي وقلبي وروحي: ماذا قدّم هذا النفط لأمتنا العربية؟!
الحقيقة أنه جرّ على أمتنا العربية بلايا ومصائب، ودفع ما نشأ من دول منذ اكتشافه إلى النأي بنفسها عن الأمة العربية، حتى بلغ بها الأمر أن تفك ارتباطها( الشكلي) بالقضية الفلسطينية، قضية العرب المركزية – كما يجب أن تكون – وعن القدس المدينة المقدسة ( لأمة) الإسلام..لأنها رأت في فلسطين القضية مفجرا للوعي في نفوس ملايين العرب، ومنهم عرب الخليج..ودافعا للصراع مع سيدتهاأمريكا الراعية المنحازة للكيان الصهيوني، وهي ترى في أمريكا راعيها، وحاميها، وولي نعمتها.
هي نشأت كدول( عائلية) منحت حق التصرف ( بحصتها) من النفط، وتوظيف الحصة التي باتت بالمليارات في البنوك..وشراء الأسلحة..واستيراد كل وسائل الرفاهية من أمريكا و..غيرها، وبناء أبراج تتباهى الأسر الحاكمة بها..كما لو انها خيول، وقطعان جمال، ونوق سباق صفراء غالية الثمن!
لا يجب أن نستغرب وندهش ونحبط لأن( دولة) أبناء زايد..ودولة حاكم البحرين..وبرعاية وتوجيه وتغطية آل سعود..طبّعت العلاقات بالكيان الصهيوني، لأنها_ واستثني الكويت حتى اللحظة..وآمل أن تصمد _ انبتت منذ زمن بعيد عن الشعور بالانتماء للأمة العربية، فإقليميتها الضيقة..وثرواتها الهائلة جعلت منها( حالات) خائفة، من جهة على ثرواتها..ومن جهة أخرى على وجودها، وباتت تتحسب من أي دعوة عربية لنهوض الأمة، ولعلّ الشعار الذي رفعه القائد جمال عبد الناصر قد أصابها بالذعر وجعلها تتوجس خيفة من شعور ملايين العرب بحقهم في نصيبهم من ثروة النفط: بترول العرب للعرب..وكان أحد أهاف ناصر من الشعار التنبيه إلى أن النفط العربي لا يجوز أن يوظف لخدمة أعداء الأمة العربية، وقضاياها العادلة.
في تكوين هذه الأسر الحاكمة شعور بأنها تسرق ثروة الأمة، وبأنها متهمة بتحويل هذه ( النعمة) إلى نقمة على الأمة، ولعل أبرز( مآثر) تلك الدول جريمتها في تمويل عصابات الإرهاب التي دمّرت الكثير مما بنته سورية على امتداد عقود، والحرب التدميرية على عرب اليمن البواسل، و..تتويج الجرائم النفطية: بالتطبيع مع الكيان الصهيوني وتحويل المادافع صوب إيران بدلاً من توظيفها لتحرير فلسطين..واستعادة القدس المقدسة!
ما يفعله حكّام هذه الدول ليس ناتجا عن جهل بالخطر الصهيوني، فهم يعرفون أن أميركا و( إسرائيل) شئ واحد، وأنه لنيل رضى قادة أميركا وحكامها لا بد من عدم تهديد وإزعاج الكيان الصهيوني..وتتويج هذا السلوك بنيل الرضى( الإسرائيلي) على كل الصعد..حتى تاسيس الكُنس في مدن الملح!
عندنا مثل يقول: الثلم العوج من الثور الكبير، وهذا المثل يجسد دور آل سعود، فهم( كبيرهم الذي علمهم السحر)! وهم الذي يفسحون علنا للطائرات ( الإسرائيلية) بأن ( تسري) في سماء الديار المقدسة: نجد والحجاز..مكة والمدينة..تسهيلاً للتطبيع مع دول..دويلات لم تحارب يوميا دفاعا عن حق عربي..وهل أقدس من الحق العربي في فلسطين؟ وهل هناك ما يضعنا أمام سؤال الوحدة العربية، والنهوض العربي، وتوظيف كل ما تملكه الأمة للنهوض بقوتها، بحيث تحمي نفسها، وتصون أمنها، وتوظف كل ما تملك لتحقيق قوتها الاقتصادية الدائمة، كما فعلت الصين، وتفعل إيران، وكل أمة تطمح للنهوض وإنجاز الإستقلال الحقيقي؟
دول الخليج مُحتلة بالقواعد الأمريكية العسكرية وبرضاها، والسفارات تدير تلك الدول، وما وصف ترامب به ملك السعودية خير برهان ، والخرس عن الرد عليه دليل على العجز المخزي..والإقرار بواقع الحال!
مدن الملح همها أن تبدد طاقات الأمة، وتدفن أقدس قضاياها: القضية الفلسطينية، وتنهي تماما قلب العروبة النابض: سورية آخر مراكز القومية العربية..وتدمر اليمن شعبا وتمزق بلده..وتنهي المقاومة الفلسطينية واللبنانية، وأي شكل من أشكال المقاومة العربية..وتفسد الثقافة والوعي في كل بلاد العرب بالإعلام الزائف، وبنشر الفتن، وبتوظيف 0 الدين) لتاجيجي صراعات طائفية مفتعلة خدمة لأعداء الأمة: أمريكا والكيان الصهيوني.
ثروة النفط والغاز التي افسدت حياة العرب، ومزّقت صفوفهم..تقترب من نهايتها، وهؤلاء لم يبنوا للمستقبل، وحالهم سيكون مطابقا لما تخيّله الصديق الكاتب الإعلامي والأديب وليد رباح في قصته المنشورة على موقع ( صوت العروبة) ( بعد نضوب النفط)..وبطلها الشيخ نعسان الذي يستيقظ على النهاية الكابوسية التي تعيده إلى زمن ما قبل النفط اللهم حقق هذه الرؤية باقرب وقت ...
www.deyaralnagab.com
|