هل لبنان مقبل على دبكة كبرى؟!
بقلم : د. فيصل القاسم ... 18.06.2022
راهن الشعب اللبناني على الانتخابات النيابية الأخيرة لعلها تجترح بصيص أمل لإخراج لبنان من كارثته التاريخية، فشارك اللبنانيون في الانتخابات بكثافة وخاصة في الخارج ظناً منهم أنهم قادرون على تغيير الطبقة السياسية الحاكمة أو على الأقل التأثير فيها.
والغريب أن اللبنانيين كانوا قبل الانتخابات بفترة طويلة قد ثاروا على النظام وظلوا يرفعون شعارات ويصرخون في الشوارع لأشهر وأشهر مطالبين بإسقاط النظام كله. وكان شعارهم الشهير: «كلن يعني كلن». لكن كما يقول المثل فإن العرق دساس، فما أن تم الإعلان عن الانتخابات حتى شمر اللبنانيون عن أذرعهم وراحوا يشاركون فيها بنهم شديد متناسين شعاراتهم الثورية التي تطالب بتغيير الطبقة السياسية عن بكرة أبيها.
وقد ساد شعور بالنشوة والفرحة بعد إعلان نتائج الانتخابات، خاصة وأن معسكر إيران وسوريا في لبنان قد خسر الأغلبية في مجلس النواب اللبناني. وتقدم حزب الدكتور سمير جعجع، ووصل بعض المستقلين المزعومين إلى البرلمان، فظن البعض أن لبنان مقبل على تغييرات كبرى وأن ما بعد الانتخابات ليس كما قبلها. لكن الأمل بالتغيير بدأ يتلاشى خلال أيام فقط من إعلان نتائج الانتخابات، فقد خرج بعض الفائزين المستقلين المزعومين ليطبل ويزمر لحزب الله والنظام السوري، وكأنك يا بو زيد ما غزيت. وقد كان ذلك مؤشراً على أن ضجة الانتصار التي روجت لها المعارضة اللبنانية قد تبخرت بسرعة البرق. وفعلاً لم تمض أيام حتى عاد نبيه بري حاكماً مظفراً لمجلس النواب ولو بأصوات أقل، لكن العبرة دائماً بالنتيجة، والنتيجة كانت لصالح ما يسمى بمحور المقاومة بعد أن عاد الديناصور إلى مقعده ليلعب بلبنان كما لعب به على مدى عقود وعقود. ولم يقتصر النصر الذي حققه الفريق المفترض أنهم مهزوم على إعادة انتخاب نبيه بري ممثل الشيعة وإيران، بل استطاع فريق الرئيس اللبناني ميشيل عون الذي ظن البعض أنه انهزم، استطاع أن يشمر عن ذراعيه ويدفع بممثله إلى مجلس النواب ليكون نائباً لرئيس المجلس. ونقصد هنا السيد إلياس أبو صعب الذي حصل على ما يكفي من الأصوات في التصويت ليقلب الطاولة على المعارضة اللبنانية. والغريب في الأمر أن معظم أحزاب المعارضة التي صدعت رؤوسنا بالمطالبة بتغيير النظام وإحداث تغييرات جذرية في اللعبة السياسة، عادت وانتخبت نبيه بري ممثل الفريق المتهم بتدمير لبنان واختطافه، لا بل انتخبت معه أيضاً ممثل ما يسمى بالعهد القوى المتحالف مع حزب المقاولة الذي أوصل البلاد والعباد إلى الهاوية سياسياً واجتماعياً ومعيشياً واقتصادياً حسب مزاعم المعارضة.
لقد أثبت تفويز نبيه بري مرة أخرى مع ممثل ميشيل عون المنضوي تحت عباءة ما يسمى بحلف المقاومة أثبت مرة أخرى أن إصلاح النظام الطائفي اللبناني مستحيل، وأن الكثير من أحزاب المعارضة التي صدعت رؤوس اللبنانيين بضرورة التغيير هي جزء لا يتجزأ من كارثة لبنان، وأنها في اللحظات الحرجة تفضل حماية مصالحها الخاصة ضمن النظام اللبناني على إحداث أي تغيير داخل النظام. أليس من المضحك أن الذين كانوا يتهمون فريق المقاومة بتخريب لبنان وضرورة انتشال البلاد من محنتها هم أنفسهم الذي أعادوا انتخاب نبيه برى وإلياس أبو صعب؟
واليوم عادت معنويات اللبنانيين إلى مكانها القديم في الحضيض بعد أن أدرك اللبنانيون أنهم شاركوا عبثاً في انتخابات أعادت تدوير النفايات فقط ولم تحقق أي أمل بالتغيير. وبما أن الطبقة المتحكمة برقبة لبنان تعرف جيداً أنها لا تستطيع أن تقدم أي شيء للبنانيين على صعيد تحسين الوضع المعيشي والاقتصادي وكبح جماح التدهور الخطير الذي أوصل لبنان إلى مصاف الدول الفاشلة، فإنها بدأت اليوم تلعب بورقة المقاومة مستغلة طبعاً التنقيب الإسرائيلي عن الغاز في المياه المتنازع عليها بين البلدين. وقد خرج حسن نصرالله على اللبنانيين بخطاب عنتريات جديد يهدد فيه إسرائيل ويطالبها بضرورة التوقف عن سرقة الثروات اللبنانية.، بينما ردت إسرائيل على نصرالله بأنها لن تتوقف. وهذا يدفع لبنان إلى أتون الحرب، فلا يستطيع نصرالله أن يسحب أو يتراجع عن تهديداته لإسرائيل، ولا يمكن لإسرائيل أن تخضع للتهديدات اللبنانية لأن الوضع السياسي داخل إسرائيل نفسها على كف عفريت، والتركيبة الحاكمة في وضع سيئ للغاية. ماذا يعني ذلك بالضبط؟ بدأت ترتفع نبرة الحرب، وقد سمعنا رئيس هيئة الأركان الإسرائيلية بأن الجيش الإسرائيلي سيؤلم لبنان واللبنانيين في المواجهة القادمة بشكل لا سابق له. وقد اعترف بأن لدى إسرائيل قائمة طويلة من الأهداف، بما فيها أي مناطق مدنية يستخدمها حزب الله لأغراض عسكرية. وكل المؤشرات لا تبشر بخير، فالاتفاق النووي بين إيران والغرب متعثر وربما أصبح من الماضي، بينما تدك إسرائيل المنشآت الإيرانية في سوريا بطريقة غير مسبوقة، لا بل تغتال كبار الخبراء الإيرانيين بوتيرة متسارعة. وهذا إن لم تحصل معجزة لا يقود إلا إلى مواجهة كبرى في المنطقة تشمل لبنان وسوريا وربما غزة، فهل سنشهد صيفاً ساخناً جداً في المنطقة؟ هل لبنان مقبل على دبكة كبرى؟
www.deyaralnagab.com
|