لبيد وحل الدولتين: بين انتخابات قريبة وحل مستبعد!!
بقلم : جمال زحالقة ... 29.09.2022
في معمعان المنافسة الانتخابية، ألقى رئيس الوزراء الإسرائيلي وزعيم حزب «يوجد مستقبل»، يئير لبيد، خطابا أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة، أثار ردود فعل غاضبة في أوساط اليمين الإسرائيلي، لأنّه نطق فيه بتعبير «حل الدولتين»، بعد سنين من الغياب عن خطابات رؤساء الوزراء الإسرائيليين. ولقي الخطاب كما كان متوقّعا، وكما أُعدّ سلفا، مديحا من الرئيس الأمريكي جو بايدن، ومن بعض القيادات العربية، باعتباره خطوة في الاتجاه الصحيح. لقد كانت لخطاب لبيد أهداف متعدّدة كلّها بعيدة كل البعد عن دلائل النص المعلن، ولا علاقة لها بتجديد المفاوضات، أو بالسعي للتوصّل فعلا الى حل الدولتين.
ولقطع الشك باليقين، قال لبيد في سلسلة مقابلات أجراها مع الإعلام الإسرائيلي بمناسبة رأس السنة العبرية، إن ما قاله هو «رؤيا» وليس برنامجا سياسيا ولا مشروعا للحل، ولا حتى للسعي من أجل الحل. ومن شدّة حرصه على التبعيد وصل به الاستبعاد. لقد كانت الغاية الوحيدة لخطاب لبيد ولحديثه عن حل الدولتين هي زيادة قوّته في المنافسة الانتخابية مقابل بنيامين نتنياهو من جهة، وبيني غانتس من جهة أخرى. ويمكن تلخيص أهداف الخطاب بأنّها:
أولا، الظهور بمظهر القائد السياسي «المرموق»، الذي يتحدّث باللغة الإنكليزية، فوق أهم منصّة في العالم، تأكيدا على أنه ليس نتنياهو وحده الذي يعرف كيف يفعل ذلك. وقد جرى إعداد الخطاب بعناية من قبل طاقم لبيد الانتخابي، ليعرض أمام الناخبين في إسرائيل قدرته على مخاطبة العالم. والرسالة هنا هي المشهد ذاته.
ثانيا، جاء خطاب لبيد في خضم الانتخابات الإسرائيلية، وهو يسعى جاهدا للمحافظة على كرسي رئاسة الوزراء عبر منع نتنياهو من الحصول على أغلبية من جهة، وإضعاف بيني غانتس، منافسه في قيادة المعسكر المناهض لنتنياهو من جهة ثانية. وكان الهدف الأوّل المباشر لذكر حل الدولتين هو سحب مصوّتين من قائمة غانتس، المكوّنة من مرشحين، هم خليط من مؤيّدي ومعارضي مبدأ حل الدولتين. وفي حين أن القاعدة الانتخابية لغانتس تدعم بغالبيتها حل الدولتين، فإن قائمته لا تتبنّى هذا الموقف، وهو نفسه يلجأ إلى استعمال التعبير المراوغ «حل مبني على وجود كيانين»، ويأمل لبيد بأن يؤدّي النطق بكلمة الدولتين إلى هجرة ناخبين من دعم حزب غانتس الى دعم حزبه هو. وبالحسابات السياسية، فإن حزب «يوجد مستقبل» بزعامة لبيد يحظى في الاستطلاعات بحوالي 24 مقعدا، مقابل 33 مقعدا لحزب الليكود. وعلى الرغم من أن حزب «المعسكر الرسمي»، الذي يتزعمه غانتس يحصل في الاستطلاعات على 12 مقعدا فقط، فإن غانتس يدّعي أنه سيكون بمقدوره تشكيل حكومة في حال لم يحصل نتنياهو على أغلبية مطلقة، وهو يستند في ادعائه إلى أنه سيحظى بدعم أحزاب دينية تمكّنه من تشكيل حكومة مستقرة. هذا الكلام يقلق لبيد، الذي بدأ من على منصّة الأمم المتحدة حملة لشفط الأصوات من غانتس، ولتحويله من حزب متوسّط إلى حزب صغير غير قادر على تشكيل حكومة، خاصة بعد فشل تجربة نفتالي بينيت، الذي ترأس الحكومة وحزبه مكوّن من ستة نواب فقط.
ثالثا، وجّه لبيد خطابه إلى العنوان الفلسطيني لتوظيف الكلام عن دولتين، في مسعى لتهدئة الأوضاع في الضفة الغربية، مخافة أن تنفجر في وجهه عشية الانتخابات وتقوّض أمله في البقاء على كرسيّه. وكان الهدف المباشر هو «تنفيس» خطاب الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس، والتأثير فيه لجعله أكثر ليونة وأكثر قبولا للتوجيه نحو التهدئة عوضا عن التأجيج. ويعتقد لبيد والمؤسسة الأمنية الإسرائيلية، أن التلويح بحل الدولتين يمكن أن يمنح القيادة الفلسطينية رصيدا كافيا لتعميق التنسيق الأمني، والمساهمة في منع العمليات ضد إسرائيل. أكثر ما يخشاه لبيد هو تصعيد أمني في الضفة الغربية يؤدّي إلى مواجهة لا تحمد عقباها بالنسبة له، وقد تكون عاملا مهمّا في فوز نتنياهو في الانتخابات. الكل يعرف أن ما قاله لبيد هو حتى أقل من وهم لا يصدقه إلّا المغفّلون أو المستغفلون، ومع ذلك خرجت أصوات عربية تصف الخطاب بالإيجابي.
رابعا، يعتقد معظم المحللين في إسرائيل أن نسبة التصويت عند الناخبين العرب داخل إسرائيل ستكون عاملا حاسما في الانتخابات، ويبدو أن لبيد أراد أن يسد الطريق أمام من يقولون بأن لا فرق بين المرشّحين لرئاسة الحكومة في إسرائيل، موهما أنّه بنطقه بكلمة دولتين يختلف عن غيره، وأن الصوت العربي سيتجاوب معه ليمنع نتنياهو من العودة إلى الحكم. ولا يقل أهمية، بالنسبة للبيد، هو الطمع بالفوز بدعم أحزاب عربية له ولحكومته العتيدة الممكنة. هو يعتبر القائمة العربية الموحّدة برئاسة منصور عبّاس في جيبه، خاصة بعد أن رفضها نتنياهو وبقي هو خيارها الوحيد. وقد أصبحت هذه القائمة مقبولة على كل المعسكر المناهض لنتنياهو، بعد أن أعلن رئيسها عن دعمه لمبدأ الدولة اليهودية، وبعد أن جاهر بصمته عن جرائم الاحتلال بالادعاء بأنه «لا يتدخل في الشؤون الأمنية»، كما قال حرفيا. لبيد لم يكن بحاجة إلى أي إعلان سياسي لاجتذاب القائمة الموحّدة، لكنّه يحاول ضمان دعم قائمة الجبهة والعربية للتغيير برئاسة أيمن عودة وأحمد الطيبي، عبر الإغراء باستعداده لحل الدولتين، وربما يريد تفعيل ضغوط فلسطينية وعربية على هذه القائمة لدعم صاحب مقولة «الدولتين» مقابل نتنياهو. وفي مقابلة مع صحيفة «هآرتس»، هذا الأسبوع، قال لبيد بأنه سيكون مسرورا إذا أوصت عليه قائمة الجبهة والتغيير. في المقابل أعلنت قائمة التجمع الوطني الديمقراطي رفضها المطلق للتوصية على لبيد ولدعم حكومته بأي شكل كان، مؤكّدة على عدم المشاركة في لعبة المنافسة بين كتل الأحزاب الصهيونية، بمينها ويسارها. من جهة أخرى أعلن لبيد وغانتس عن رفض التعامل مع حزب التجمع، لأنه «معاد لإسرائيل»، كما قال غانتس في مقابلة له قبل أيّام معدودة.
خامسا، في الماضي لم يؤمن لبيد بتأثير البيئة الإقليمية والدولية على الانتخابات الإسرائيلية، لكنّه غيّر رأيه مؤخّرا بعد أن شاهد كيف استغلّها نتنياهو لصالحه. وراقب بحسد تساقط «الهدايا» الانتخابية من ترامب ودول الخليج على نتنياهو، ما ساعده في البقاء على قيد الحياة السياسية، ولولاها لأصبح في خبر كان. لقد أظهرت هذه الهدايا نتنياهو كلاعب سياسي مؤثر في الساحة الدولية وقادر على الحصول على إنجازات مثل الاعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة إليها، وكذلك الاعتراف بضم الجولان ووقف دعم الأونروا وإغلاق القنصلية الأمريكية في القدس الشرقية والسفارة الفلسطينية في واشنطن، ووصولا إلى صفقة القرن وتطبيع أربع دول عربية مع إسرائيل، من دون قيد أو شرط. وإذ أعلن لبيد عن دعمه لحل الدولتين، فهو يأمل أيضا بالحصول على دعم دولي يرفع أسهمه الانتخابية في إسرائيل. وهو يأمل على وجه الخصوص أن يفوز بدعم من الحزب الديمقراطي الأمريكي والمنظمات المرتبطة به. لقد عمل هذا الحزب على إسقاط نتنياهو ودعم إيهود براك في انتخابات 1999، واتصل بيل كلينتون بعدها بشخصية فلسطينية معروفة وقال لها «لقد فعلناها!». ويبدو أن لبيد يطمع في تكرار الأمر مع بايدن. وتستطيع الإدارة الأمريكية، إذا قررت ذلك، التأثير في الانتخابات الإسرائيلية، عبر دعم جمعيات غير حزبية تعمل على رفع نسبة التصويت عند مصوتي معسكر المناهضين لنتنياهو. في المعارك الانتخابية الماضية، رصدت أوساط أمريكية ديمقراطية، يهودية وغير يهودية، عشرات الملايين من الدولارات لرفع تصويت العرب لمنع وصول نتنياهو إلى الحكم من جديد. بالنسبة للحزب الديمقراطي هذه ليست مسألة خارجية، بل هي شأن داخلي لأن فوز نتنياهو يعني تقوية الجمهوريين، خصوصا ترامب، ويعني أيضا أن نتنياهو، في حال فاز في الانتخابات، سيعمل على الساحة الداخلية الأمريكية ضد سياسات الإدارة الديمقراطية، وتحديدا بكل ما له علاقة بالملف النووي الإيراني.
لقد كانت الجملة الأولى التي أطلقها يئير لبيد في خطابه في الأمم المتحدة أنّه «في نوفمبر/تشرين الثاني 1947 اجتمعت هذه الجمعية وقررت إقامة دولة يهودية في فلسطين». وبهذا قام لبيد بمحو الدولة الفلسطينية عن خريطة قرار التقسيم، وأخذ من القرار، كما فعل بن غوريون قبله، فقط الفقرة الخاصة بإقامة دولة يهودية. وبعد أن شطب الدولة الفلسطينية السيادية المستقلة، التي نص عليها قرار التقسيم، يعود لبيد الآن إلى الحديث عن «دولتين»، مع التأكيد على أن الدولة الفلسطينية هي أقرب إلى الحكم الذاتي منها إلى الدولة. وبالنسبة للحل، فقد طمأن لبيد الإسرائيليين بأنه بعيد المنال، «فربما أحفادنا وأبناء أحفادنا هم من يحققون نهاية النزاع»، كما قال في مقابلة صحافية عشية رأس السنة العبرية. من الناحية السياسية كلام لبيد هو مجرد «طحن مي»، ولكن يجري تسخيره انتخابيا لربّما يصل بعض الماء المطحون ليروي مناطق جافّة في حملته الانتخابية المملة.
www.deyaralnagab.com
|