ماذا بعد حماس؟!"
بقلم : سهيل كيوان ... 14.11.2023
***يبدو أنّ المهمّة طويلة، وسوف يزداد هذا الانكشاف الفاضح للأنظمة العربيّة العاجزة عن إدخال الموادّ الأساسيّة إلى القطاع، ووقف المجازر بحقّ المدنيّين والّتي ثبت أنّ نتنياهو لا يقيم لها أيّ وزن...
ظهرت خلافات بين إدارة بايدن وبين بيبي نتنياهو حول مصير قطاع غزّة، ومن الّذي سيتولّى شؤونه وإدارته بعد حلّ حكومة حماس.
يقول نتنياهو بأنّ جيش إسرائيل سيبقى هناك، ولكنّه ليس احتلالًا، أي أنّه سيحمل عبء مسؤوليّة الحياة المدنيّة في القطاع لغيره، ولكنّه يرفض وجود قوّات دوليّة كذلك! ويرفض أن يكون للسلطة الفلسطينيّة دور في هذا، لأنّ دخولها يعني إعادة الوحدة بين القطاع والضفّة، وهذا يحيّي حلّ الدولتين من جديد، وهو ما يرفضه بيبي نتنياهو.
جو بايدن وعد محمود عبّاس في بداية الحرب بدعمه بمئة مليون دولار، وصرّح وزير الخارجيّة أنتوني بلينكن بأنّه يطمح بأن يرى دورًا للسلطة الفلسطينيّة في إدارة قطاع غزّة، الأمر الّذي يعني أنّ ما يفكّر فيه البيت الأبيض هو تثبيت سلطة رام اللّه في قطاع غزّة ودعمها ماليًّا لتقوم بهذا الدور ضمن رؤية إدارة بايدن للحلّ الّذي يمنح للفلسطينيّين سلطة أقلّ من دولة وأكثر بقليل من روابط قرى، وهذا يرفضه نتنياهو الّذي يذهب حلمه إلى التطهير العرقيّ.
قرارات القمّة العربيّة الإسلاميّة الباهتة لم تعجب نتنياهو، وهدّدهم بأنّ الخراب الّذي تزرعه "حماس- داعش "سوف يصلهم إذا لم يحاربوه الآن، وقال لهم بصيغة الأمر" عليكم أن تكونوا إلى جانب إسرائيل في حربها ضدّ حماس-داعش".
وقال أكثر من مسؤول إسرائيليّ بما فيهم بيبي نتنياهو، إنّ الأنظمة العربيّة معنيّة بالقضاء على حماس مثل إسرائيل وأكثر، وبعضهم همس له بهذه الرغبة!
هل هذا معقول، أم أنّه يكذب؟
لا أظنّه يكذب في هذا، فالأنظمة العربيّة ليست معنيّة بقوّة تسيطر على جزء كبير من الشعب الفلسطينيّ، وتعرقل حلّ القضيّة الفلسطينيّة على طريقة بيبي نتنياهو، قوّة تؤمن بأنّ التنازلات المستمرّة أمام إسرائيل لن تحقّق الحرّيّة للشعب الفلسطينيّ، بل وما زالت تؤمن بالكفاح المسلّح، وهو ما ترفضه السلطة في رام اللّه وتندّد به، وكذلك الأنظمة العربيّة، باستثناء نظام واحد أو اثنين بعيدين عن فلسطين جغرافيًّا.
عبد الفتّاح السيسي الّذي انقلب على د. محمّد مرسي وشيطن الإخوان المسلمين، ووضعهم خارج القانون، ودمّغهم بالإرهاب كي يتسنّى له قمع مؤيّدي الرئيس الشرعيّ وترسيخ سلطته بالقوّة وسجن عشرات الآلاف، وأعدم الآلاف تحت بند محاربة الإرهاب، وهو يرى في حماس ابنة لحركة الإخوان المسلمين، ويدرك أنّ حماس تجامله وتمتنع عن مهاجمته صراحة؛ لأنّها تحتاجه على الأقلّ في معبر رفح، ولدور مصر وثقلها في قضايا كثيرة، ولإدراك حماس بقدرة السيسي على قمع الأصوات المعارضة لحكمه، وبأنّها تتعامل في السياسة بحسب الظرف والوضع الخاصّ والعام وبعمليّة.
السيسي يتمنّى القضاء على حماس، ومثله بقيّة الأنظمة، بما في ذلك سلطة محمود عبّاس في رام اللّه، ولكنّ المشكلة في حكومة نتنياهو بأنّها لا ترى بعبّاس وسلطته بديلًا، ولا تترك للأنظمة العربيّة مساحة للمناورة، فهي ترى بتهجير ملايين الفلسطينيّين حلًّا، لمنع إقامة كيان فلسطينيّ، ولم يعد سرًّا دعوة توطينهم في سيناء.
نتنياهو يحرج الأنظمة، الّتي لم تتصوّر من جانبها أنّ حكومة نتنياهو مستعدّة لارتكاب كلّ جرائم الحرب الّتي يراها العالم، ما جعل السيسي يصرّح بعد شهر من المجازر "إنّ ما تقوم به إسرائيل يتجاوز حقّ الدفاع عن النفس".
كذلك لم تتخيّل الأنظمة، وعلى رأسها نظام مصر، أن تصمد حماس وحلفاءها في القطاع هذه المدّة، فقد ظنّوا أنّ الحرب سوف تحسم قبل أن يضطرّوا لإصدار بيانات حول "ضرورة فتح المعابر للمساعدات الإنسانيّة".
كذلك فإنّ أداء حماس وحلفاءها في ميدان القتال أحرجهم وأحرج نتنياهو نفسه، الّذي بدأ يسمع بعض التململ من حلفائه الّذين دعموه بصورة هائلة، والّذين ظنّوا شهرًا سيكفي لطيّ صفحة حماس.
يبدو أنّ المهمّة طويلة، وسوف يزداد هذا الانكشاف الفاضح للأنظمة العربيّة العاجزة عن إدخال الموادّ الأساسيّة إلى القطاع، ووقف المجازر بحقّ المدنيّين والّتي ثبت أنّ نتنياهو لا يقيم لها أيّ وزن، بل يعاملها جميعها باحتقار، وعلى أنّها يجب أن تذعن إلى رغبته من غير نقاش، ويوحي بأنّه قادر على معاقبتها.
حلّ حكومة حماس وارد وواقعيّ فالقوّة العسكريّة بمشاركة أمريكيّة وغربيّة وحصار طويل قبل الحرب وخلالها والضغط في قصف المدنيّين وتهجيجهم وتواطؤ العرب قادر على هدم حكومة حماس، أمّا الحديث بعد ذلك عن البقاء في قطاع غزّة كقوّة عسكريّة، وفي الوقت ذاته غير محتلّة فهذا بعيد جدًّا عن الواقع!
التجربة ليست من شعوب أخرى، لا من فيتنام ولا من غيرها، بل من تجربة الشعب الفلسطينيّ نفسه.
لقد بدأت مقاومة الاحتلال في العام 1967 بعد شهر من بداية الاحتلال! فكانت غزّة في النهار تحت سيطرة جيش الاحتلال، وفي الليل تحت سيطرة المقاومة، وهذا قبل ولادة حماس ووسائلها القتاليّة بعشرين عامًا، هذا الوضع ممكن أن يعود بصورة أشدّ ضراوة، وخسائر أكبر بكثير، محمولًا على ثقل جديد من دماء آلاف الأطفال الفلسطينيّين، وعلى خرائب ما بناه الغزيّون بعرق جبينهم منذ عشرات السنين! السؤال ماذا بعد حماس سؤال سخيف جدًّا! السؤال الأصحّ هو ماذا بعد احتلال القطاع! الإجابة واضحة.
www.deyaralnagab.com
|