logo
من هم أعداء سوريا اليوم؟!
بقلم : د. فيصل القاسم ... 07.03.2025

لا شك أن أعداء سوريا اليوم كثيرون، لهذا علينا أن نتعرف عليهم، على مبدأ: «اعرف عدوك» وعندما تعرف عدوك تكون بذلك قد أنجزت كثيراً من المعركة.لا يخفى على أحد أن هناك أنظمة عربية عديدة لا يروق لها أبداً أن ترى ثورة شعبية عربية وقد حققت أهدافها، ليس فقط بإسقاط رأس النظام، كما حدث في تونس ومصر واليمن وليبيا والسودان، بل بكنس النظام كاملاً، فكما هو معلوم، فإن الثورة السورية نجحت في اجتثاث النظام من جذوره، على عكس بقية الثورات، لهذا أخذت وقتاً أطول وقدمت أضعافاً مضاعفة من التضحيات في سبيل ذلك، لم يقدمها من قبل أي شعب عربي لا في مواجهة الطاغوت الداخلي ولا حتى الغازي والمحتل الخارجي. وهذا الانتصار التاريخي لثورة شعب لا شك يزعج ويخيف الكثير من الأنظمة العربية التي شارك معظمها في الثورات المضادة لإجهاض الثورات وتكبيدها خسائر فادحة بحيث لا يفكر أي شعب عربي لاحقاً في الثورة على الأنظمة، لكن مع ذلك فإن الثورات المضادة قد فشلت، بدليل أن الشعب السوري لم تثنه كل الثورات المضادة عن تحقيق هدفه في نهاية المطاف. باختصار، فحتى الأنظمة التي باركت للقيادة الجديدة في سوريا بالنصر، لا تُخفي قلقها مما حصل في سوريا، وباتت تتحسس رؤوسها بأن ما حدث في سوريا قد يتكرر عندها، وبالتالي، فهي لا شك تضمر الشر لنا، وتتمنى أن تفشل ثورتنا كما فشلت بقية الثورات. لهذا يجب التعامل مع كل الأنظمة المتوجسة من نجاح الثورة السورية بحذر شديد، مهما تظاهرت بالتأييد والدعم، ولا تتفاجأوا إذا اكتشفتم أنها تدعم الفلول هنا وهناك.
ولا ننسى طبعاً الغزاة والمحتلين الإيرانيين والروس الذين خسروا الكثير من جراء سقوط عميلهم في دمشق، خاصة وأن إيران كانت تستثمر بالبقاء في سوريا لعدة عقود، وكانت تعتبر سوريا درة التاج الفارسي الذي تربط مستعمراتها في العراق ولبنان. وهذه الدرة قد اختفت واختفى معه الاستثمار الإيراني المزمن في الأرض الشامية، وبالتالي لو تابعتم التعليقات الإيرانية ستجد كم هي محشوة بالمرارة والحسرة والحقد والانتقام بعد أن تطهرت سوريا من الرجس الفارسي. وهذا يدعو السوريين شعباً وقيادة للحذر الدائم من مؤامرات وقذارات الفرس. أما روسيا فتحاول أن تنقذ ما يمكن إنقاذه من مكاسبها الضائعة في سوريا بالتنسيق مع إسرائيل. وكلنا يعرف أن الإسرائيليين ينسقون مع الروس اليوم للحفاظ على وجود عسكري روسي في سوريا خدمة للمصالح الإسرائيلية.
ولعل الخاسر الأكبر من سقوط النظام في سوريا هي إسرائيل. إياكم أن تصدقوا الأكاذيب والخزعبلات التي تتحدث عن دور إسرائيلي في إسقاط النظام وتسليم سوريا للقيادة الجديدة، فهذه مجرد فبركات وسخافات إسرائيلية لإيهام السوريين وغيرهم بأن إسرائيل لعبت دوراً في إنقاذهم من النظام الساقط. وهذا طبعاً هراء بهراء. لم يسقط النظام السوري بضوء أخضر إسرائيلي بل رغماً عن إسرائيل، فقبل سقوط بشار الأسد بأيام كان المسؤولون الإسرائيليون يقولون للصحافيين: لا تحلموا بسقوط نظام الأسد، فهو قوي جداً، ولن نسمح أبداً بسقوطه، وفي السابع من ديسمبر من العام الماضي أي قبل سقوط النظام بيوم واحد جرت اتصالات مكثفة بين إسرائيل وروسيا. وقد ضغط الإسرائيليون على الروس لمساعدة النظام وحمايته، وعرضوا عليهم تدخل الجيش والطيران الإسرائيلي لحماية نظام الأسد من السقوط، لكن الروس قالوا لهم: النظام هش جداً ولا أحد يستطيع أن يحميه ويمنع سقوطه، فالشعب السوري كله صار ضده، ولا تتعبوا أنفسكم بحمايته، لكن الإسرائيليين كانوا متأكدين أن النظام لن يسقط، وهم لا يريدون سواه. لكن في اليوم التالي سقط النظام كأحجار الدومينو رغم الاعتراض والأمنيات الإسرائيلية.
قبل سقوط بشار الأسد بأيام كان المسؤولون الإسرائيليون يقولون للصحافيين: لا تحلموا بسقوط نظام الأسد، فهو قوي جداً، ولن نسمح أبداً بسقوطه
وقد خرج نتنياهو قبل أيام ليقول إن إسرائيل تلقت ضربة موجعة جراء سقوط الأسد، لهذا لم تترك موقعاً عسكرياً سورياً إلا ودمرته بعد سقوط النظام لأن الجيش السوري لم يكن يشكل أي تهديد لإسرائيل تحت قيادة الأسد وكانت إسرائيل تعتبر أن السلاح السوري في أيد أمينة، لكن عندما سقط بشار وجيشه راحت إسرائيل تقصف المواقع العسكرية السورية بكثافة بعد أن خرجت من أيدي بشار وأصبحت في أيدي قيادة جديدة. وهذا يعني أن حتى إسرائيل نفسها أساءت التقدير. ولا تنسوا أن الاتحاد الأوروبي كان يعمل على إعادة تأهيل النظام قبل أيام فقط من سقوطه. باختصار من الخطأ الاعتقاد أن أجهزة الاستخبارات الدولية تعرف كل شيء، وفي أحيان كثير تسيء التقدير والتوقعات.
وبما أن إسرائيل باتت تشعر بأنها خسرت كثيراً جراء سقوط الأسد وهروبه إلى روسيا، فهي بلا شك ستلجأ إلى كل الأساليب القذرة لوضع العصي في عجلة سوريا الجديدة، وقد عبرت تل أبيب عن قلها بالأمس مما أسمته «عملية توحيد سوريا تحت قيادة إسلامية» وهذا يعني ضمناً أنها ستفعل المستحيل لتفتيت سوريا وتمزيقها إلى دويلات وكانتونات وأقاليم على أسس مناطقية وطائفية وعرقية متناحرة كي تنام إسرائيل قريرة العين. وكلنا يرى اليوم كيف تحرض إسرائيل المكونات السورية على الانفصال والتمرد على الدولة السورية الجديدة، وهي بلا شك الداعم الأول للقوى الانفصالية في بعض المناطق، لا بل تريد أن تفرض الحماية على الجنوب السوري، مع أن الجنوب لم يطلب منها ذلك ولا يريد حمايتها أصلاً، وقد أعلنها الجميع بمن فيهم سماحة الشيخ حكمت الهجري رئيس الهيئة الروحية للموحدين الدروز في السويداء الذي قال إن سوريا كل لا يتجزأ ولا أحد يريد الانفصال عنها.
وللأسف لم يقف الأمر عند التدخلات والمحاولات الإسرائيلية القديمة الجديدة لتفكيك سوريا، بل هناك من يساعدها داخلياً. نحن اليوم إذاً نواجه عدوين شرسين، الأول خارجي، والثاني عدو داخلي يخدم العدو الخارجي بشكل مباشر أو غير مباشر من خلال التصدي للأمن العام وزعزعة الاستقرار وإشغال الدولة بقضايا جانبية، إضافة إلى تشجيع التناحر الداخلي وإثارة القلاقل وزرع الفتن، ويظهر ذلك جلياً في مواقع التواصل الاجتماعي حيث ينتشر الاقتتال الإلكتروني والتشبيح القذر وشيطنة الآخرين، ولا يقتصر الأمر فقط على بعض السوريين من كل المكونات، بل هناك أيضاً ذباب إلكتروني تدعمه وتحرضه الجهات الخارجية نفسها التي تعمل على تفخيخ الداخل السوري من خلال ضرب المكونات السورية بعضها ببعض ودق الأسافين بينها بهدف تفكيك البلد وشرذمته خدمة لمصالحها. لهذا علينا الحذر والانتباه جيداً لما يُحاك لنا، وبدل التناحر، تعالوا ندفن سواطيرنا وأحقادنا التي زرعها فينا النظام الساقط، ونبدأ ببناء وطن جديد يحتضن الجميع دون تمييز، وكل من يحاول أن يشد اللحاف في اتجاهه، فليعلم أن اللحاف سيتمزق عاجلاً أو آجلاً وسيصبح كل السوريين عراة مكشوفين بلا أي غطاء يحميهم. للمرة الألف نقول: كلنا في مركب واحد ومن يحاول أن يثقب المركب، يجب أن يعلم أنه سيغرق مع الغارقين.


www.deyaralnagab.com