|
باسم الإسلام: قامع ومقموع!!
بقلم : سهيل كيوان ... 27.11.2025
قبل يومين ذكّرني «فيسبوك» بمنشور على صفحتي منذ عشر سنوات، كتبتُ فيه «أطلقوا سراح الشّاعر الفلسطيني السُّعودي أشرف فياض». استغربتُ جدًا أنّ عشر سنوات مضت بهذه السُّرعة. لو سألني أحدُهم متى نشرتَ على صفحتك هذا المنشور لقلت» منذ ثلاث سنوات تقريباً، لأنّه على الأرجح قبل الحرب على قطاع غزّة». هذا يعني أنني لم أشعر بالزّمن كيف مضى بهذه السُّرعة. هذه ليست المرّة الأولى، أشعر بهذا عندما أذكر مناسبة ما، وأكتشف أنّها أصبحت ذكرى أبعد بكثير مما ظننت، مثل رحيل أو زفاف أحدهم. يمضي الزّمن سريعاً جداً عندما نتقدّم في السّن، فنحن نريد أن نوقفه لشعورنا بأنّنا نقترب من نهاية الشّوط الثاني من مباراة العمر، وما زال أمامنا بعض طموحات أو أحلام شخصية، ونريد إنهاء المباراة بالتعادل على الأقل، رغم علمنا أن النتيجة لن تختلف كثيراً، حققنا أحلامنا الشّخصية أم لم نحقّقها.
يمضي العام كأنّه شهرٌ واحدٌ، بينما ينظر الشّاب في مقتبل العمر إلى السّنة القادمة كفترةٍ بعيدة، لأنّه يتمنى للوقت بأن يسرع إلى مناسبة ينتظرها بشغف. يقول أصحاب التَّجرِبة إنّ الأيام الأخيرة هي الأطول على الإطلاق بالنّسبة للسّجين قبل إطلاق سراحه.
انتبهت أنّني رغم منشوري ذاك، لم أقرأ شيئاً للشّاعر أشرف فياض، الذي يُعرَّف كفلسطيني مقيم في السعودية أصله من قطاع غزة، وقد حكم بالإعدام بعد إلقاء القبض عليه عام 2013 من قبل الشُّرطة الدينية، المعروفة بـ «هيئة الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر» بعد شكوى من شخصٍ زعم أنّ فياض تجاوز في حديثه عن الله والنبي. ووجّهت له تهمة الرّدة والتجديف وترويج الإلحاد من خلال شعره.
كذلك اتّهم بمخالفة نظام الجرائم المعلوماتية بسبب وجود صور لنساء في هاتفه. في العام 2014 في محاكمته الأولى، حُكم بالسّجن أربع سنوات وبـ 800 جلدة. جرى استئناف على الحكم، وفي العام 2015 حكم بالإعدام بتهمة الرّدة. لكن استبدل الحكم إلى السَّجن ثماني سنوات و800 جلدة.
أفكّر بنوع الجلدات، هل هي جلدات قاسية من تلك التي تترك علامة في الظهر وتسبّب نزيفًا والتهابات وقد تؤدي إلى الموت؟ أم أنّها خفيفة بروتوكولية وهدفها التعزير فقط وليس الأذى الجسماني! وهل يُمكن تقسيطها مثل القروض من البنوك على ثمانية وأربعين شهراً مثلاً، بمعدّل حوالي ست عشرة جلدة يتلقاها في رأس كلّ شهر، وهل هنالك أعذار مقبولة لتأجيل الجلدات إلى الشّهر القادم، ودفع قسطين أو ثلاثة أقساط في دفعة واحدة؟
المهم، تضامنتُ مع الشاعر دون أن أقرأ له شيئاً. انتقدت نفسي، لأنّني لم أبحث عن شِعره، فهذا على الأقل حقُّ إنسان حُكم بالإعدام بسبب كتابته، على الأقل لنعرف أين هي الكلمات أو الأبيات التي أوصلته إلى هذه المأساة.
التّضامن واجب أوّلاً، لأنّ الحكم بالإعدام، بغضّ النّظر عن ماذا كَتب، لا يوجد جريمة كتابة تستحق الإعدام.
كذلك لقناعتي أنّ وراء مثل هذه الأحكام عوامل سياسيّة لا علاقة للدّين أو الدّفاع عنه بها بِصِلة.
من باب الفضول، بحثت عن أشعار أشرف فياض، فوجدت خبراً يقول إنّ والده المقيم في غزّة أصيب بجلطة دماغية، وتوفي بعد سماع خبر الحكم على ابنه. أي أنّ الإعدام نال من الوالد قبل تنفيذه بابنه الذي خُفف حُكمُه وأطلق سراحُه في أغسطس 2022.
وجدت بعض شعراء سجّلوا قصائد للشّاعر فياض بأصواتهم، من بينهم أدونيس، وذلك من باب التّضامن مع الشّاعر.
وجدت ديواناً للشّاعر بعنوان «التعليمات بالدّاخل» صادر عن دار الفارابي بيروت-الطبعة الأولى عام 2007. يمكن إنزاله وقراءته.
عند قراءة بعض محتوياته، يمكن بسهولة معرفة السّبب الحقيقي لحكم الإعدام الذي خُفِّف فيما بعد، فالديوان سياسي اجتماعي، ذو مسحة فلسفية خفيفة، ولكن لا توجد نصوص صريحة بالإلحاد. وهو شِعرٌ راقٍ ذو جودة وقيمة عالية بحسب رأيي.
هنالك قصيدة بعنوان «في فضل النّفط على الدّم»، ربّما تُفسّر غضب السُّلطات على الشّاعر.
المهم، الحمد لله على سلامة أشرف الذي أُطلق سراحه بعد حملة دولية كبيرة، ويقال إنّ هناك علاقة بين تخفيف الحُكم، وزيارة وزير خارجية ألمانيا للمملكة العربية السّعودية عام 2016.
قمعُ الناس باسم الدين والقيم الاجتماعية ومحاربة «المرتدين والزنادقة»، قديم، منذ سقراط الذي اتّهم في العام 399 قبل الميلاد بإفساد الشّباب وعدم الإيمان بآلهة أثينا، وارتباطه بشخصيات معارضة لما كان قائماً.
القمع باسم الدّين ليس مقتصراً على المُسلمين والإغريق.
الكنيسة المسيحية أيضاً مارست طقوس القمع في العصور الوسطى بأقسى الوسائل، منها مثلاً إحراق نساء بتهمة السّحر، يذكر المؤرِّخون أن آلافاً من النساء أحرقن، أشهرهن الفرنسية جان دارك التي أحرقها الإنكليز لأسباب سياسية، ولكن بتهمة ممارسة الشعوذة.
يوظّف الدّين تارة لخدمة النّظام الذي يزعم الدفاع عنه، وتارة يكون الدين والمتدينون هم الضحايا.
رموز الاحتلال المطلوبون للعدالة الدولية يستخدمون مهاجمة الحركات الإسلامية للكسب السّياسي، كان آخرها تصريح المطلوب نتنياهو بأنّه سيحظر الحركة الإسلامية الجنوبية الممثلة في الكنيست.
يأتي إعلانه هذا بعد عشر سنوات بالضّبط على حظر الشَّطر الشّمالي من الحركة.
كانت إحدى ذرائع حظر الشّمالية برئاسة الشيخ رائد صلاح إضافة إلى تهم دعم الإرهاب التقليدية، تهمة عدم المشاركة في الحياة السّياسية الإسرائيلية! ويُفهم من هذا البند الغريب أنّ السُّلطات في حينه كانت تشجّع الحركة الإسلامية، بما فيها الشّمالية، على الانخراط في العمل السّياسي في ظل القانون الإسرائيلي مثل شقيقتها الجنوبية، وأن تعمل على تحصيل حقوق المواطنين العرب من خلال الكنيست، وهذا ما حاول فعله الجناح الجنوبي الذي ذهب بعيداً في هذا المضمار، وصار يرى في نفسه «بيضة القبّان» بين التيار اليميني المتطرّف الذي يقوده نتنياهو وزمرته، و»المعتدل» الذي قاده نفتالي بينيت الذي وقّع معه اتفاقية لدعمه في تشكيل حكومة عام 2021، مقابل ميزانيات وخطط تطوير للمجتمع العربي في إسرائيل، واعتبرت هذه سابقة تاريخية في سياسة الأحزاب العربية.
كي يضفي نتنياهو على إعلانه صفة العالمية والدراما، فقد رحب بإعلان ترامب عزمه حظر حركة «الإخوان المسلمين». وزعم نتنياهو أنّ قيادات من دول عربية تسأله متعجّبة «كيف يمكن أن تكون حركة الإخوان المسلمين محظورة في الدول العربية وتسمحون بوجودها عندكم؟».
القضية ليست حركات إسلامية، بل هي حرب على شعوب المنطقة وعلى الشّعب الفلسطيني في كل موقع ومكان، وبغض النظر عن الانتماء السياسي لهذا أو ذاك. ففي الوقت الذي تحدّث فيه عن نيته إلغاء شرعية «حركة متطرّفة»، اقتحمت شرطة النّظام مسرح الحكواتي في القدس الشّرقية، ومنعت عرضاً مسرحياً وأرعبت الأطفال والجمهور. كان عنوان العرض «أحلام شجرة الزيتون». في نظام «ديمقراطي عظيم» يحارب الإسلام «المتطرّف» و»المعتدل»، لا مكان لأحلام الأشجار، خصوصاً وأن الشّجرة هي الزّيتونة المعروفة في تاريخها الإرهابي.
www.deyaralnagab.com
|