عبد النبي فرج: مثقفون أم جماعة وظيفية تمتهن الكتابة؟!
بقلم : عبد النبي فرج ... 04.08.2014
بعد رحيل ناصر وتولى السادات الحكم، يحمل على كتفة هزيمة مروعة لمصر فى العام السابع والستين,واحتلت سيناء, وانكسر الحلم, فكان الشارع المصري عموما يغلى بنارٍ الغضب والثورة, ولم يكن المثقفين, فى ذلك الوقت بعيدا عن هذا الغضب, وقد كتب الشاعر المصري احمد فؤاد نجم قصيدة عنيفة نقدا للجيش المصري , يا محلا رجعه ظباطنا من خط النار يا أهل مصر المحميه بالحراميه الفول كتير والطعميه والبر عمار والعيشه معدن واهي ماشيه أخر أشيا مادام جنابة والحاشيه , وقد وصل قمة الغضب بعد هذا الميوعة فى المواقف السياسية وخطب السادات الذي كان يؤكد فيها كل مرة انه عام الحسم ورغم ذلك يمر العام ولا حسم ولا حرب مما جعل مثقفين رغم قربهم من السلطة بكتابة عريضة فبراير 1973 للتعبير عن مواقفهم الرافضة لحالة اللاسلم واللاحرب التى تمر بها البلاد ,وقد كتبها توفيق الحكيم ووقع عليها كل من نجيب محفوظ، ود. لويس عوض، ود. على الراعى، وثروت أباظة.انحيازا للحراك الطلابى القوي , جاء فيه “ “البلد يغلى فى الباطن على نحو لم يعد يخفى على أحد”، وأن كل الناس قد لا يعرفون تعليلا لما يشعرون به من قلق واضطراب وغليان داخلى. ويفسر البيان منشأ هذا الإحساس العام بالقلق والاضطراب والضياع بعدم وضوح الطريق أمامهم “فالصيحة المرتفعة فى كل حين بكلمة المعركة. وأن الطريق هو المعركة”. ويضيف البيان “ومع الأسف تمضى الأيام وتصبح كلمة المعركة مجرد كلمة غامضة لا حدود لها ولا أبعاد لمعناها ولا تحليل لعناصرها، مجرد كلمة مطلقة تلوكها الأفواه، مجرد لقمة مستهلكة لكثرة مضغها، وأصبح الناس يملون هذه الكلمة التى تتردد على جميع النغمات فى الأناشيد والأغانى والخطب والشعارات حتى فقدت قوتها وفاعليتها، بل وصدقها، وصارت “اللقمة” الممضوغة فى الفم “غصّة” لا هم يستطيعون ابتلاعها ولا هُم يجرأون على لفظها، وأصبحوا فى حيرة من شأنهم، وأصبح طريق المستقبل أمامهم مرة أخرى مسدودا وهم فى ضياع″ مما جعل السادات يغضب بشدة و وبعد أيام من نشر البيان في صحفية السفير البيروتية، اجتمعت لجنة النظام بالاتحاد الاشتراكي العربي، وقررت في 4 فبراير 1973 فصل 120 صحفياً من عضوية الاتحاد، لخروجهم عن الالتزام الحزبي وهو ما كان يعني طبقاً لتصريحات مصدر مسئول حرمانهم من العمل بالصحافة، ونقلهم إلى أعمال إدارية في مصلحة الاستعلامات، كان من بينهم نصف أعضاء مجلس نقابة الصحفيين، وعدد من ألمع الكتاب والمحررين. وفجأة قامت السادات بإعلان الحرب فى أكتوبر 1973 وأكتسب شرعية وشعبية جارفة وألتف المثقفون بقوة حول السادات لفترة طالت حى كانت رحلته إلى القدس التى مثلت صدمة للمثقفين المصريين عموما واليسار المصري خصوصا وعقد اتفاقية السلام، هاجم اليسار السادات بعنف واتهموه بالتفريط فى السيادة الوطنية والاستسلام للقوة الاستعمارية ممثلة فى الولايات المتحدة وضرب كل ما تحقق من استقلال فى كل المجالات السياسية والاقتصادية وتحول الوطنيّ المدافع عن التراب الوطنيّ إلى خائن وعميل للاستعمار، وتم تغيير القوانين وإصدار قوانين دعم للانفتاح ونمو سريع للقطط السمان، التى بنت ثرواتها على الفساد والعلاقة المشوهة مع السلطة، وتم الزجّ بالقيادات البارزة فى السجون لتنضم إلى باقي التيارات السياسية والشخصيات العامة، وهرب بعضهم خارج الوطن العربى واحتضنتهم أنظمة أشد بؤساً وانحداراً، وكأن الموضوع لم يكن الثقافة بل أشياء أخرى، فقد احتمى المثقفون بنظام صدام حسين والقذافى وحافظ الأسد،وتكفلت الأنظمة بتوفير مصادر مالية لرعاياه الجدد فى دولهم أو فى الدول الغربية خاصة فى فرنسا, ووجد اليمين ضالته فى دول الخليج،خاصة إن هذه الدول كانت ومازالت تحفى بالشعر التقليدي ولم تستجب للحداثة الشعرية والتي قطعت شوطاً واسعا فى مصر ولبنان وسوريا والعراق , فاحتفى المهرجانات بهم وبإنتاجهم فى السعودية والكويت ,حتى لينتهي الصراع بقتل السادات وتولى مبارك الحكم، وظلت العلاقة مع مبارك محايدة بلا صدام ولا تقارب حميم حتى جاء فاروق حسنى وزيرا للثقافة أوائل التسعينيات وتبني سياسة الحرب على الإرهاب ودور الثقافة والفكر فى محاربة القوي الظلامية والإرهاب الأسود إلخ، وصعد على خشبة المسرح مثقفون كان لهم أبلغ الأثر فى استسلام المثقف التام ودخوله الحظيرة بعد ذلك، بحسب تعبير فاروق حسني وزير الثقافة، وكان مهندسو الفساد والخراب لهذه المرحلة: فوزي فهمي وسمير سرحان، ثم انضم بعد ذلك جابر عصفور، وتم استدراج غالى شكري وعبد المعطى حجازي وسامي خشبة وصلاح عيسي وإبراهيم أصلان وإبراهيم عبد المجيد ومحمود أمين العالم إلخ، وتنامى دور الصحفيين المبدعين من خلال الصفحات الثقافية: جريدة أخبار الأدب، جريدة القاهرة، والصفحات الثقافية للجرائد القومية والحزبية والخاصة، والذين تخندقوا مع فاروق حسني لصالح هبات توزع من “مغارة على بابا”، خاصة وأن المحرر الثقافى خصوصاً يتم استعباده فى الجرائد الحزبية والخاصة والحكومية مقابل أجر ضئيل، ومعظمهم جاؤوا من قراهم فقراء، وتمثلت أبواب المغارة التى يتم الصرف منها على المثقفين والإعلاميين والمبدعين من التالي:
1) التوظيف فى وزارة الثقافة وأذرعها: هيئة الكتاب – قصور الثقافة – المجلس الأعلى للثقافة – دار الكتب. حتى وصل تكدس الموظفين إلى ما يقارب 100 ألف موظف.
كذلك مهرجان القراءة للجميع، وقد تم توزيع مكافآت رهيبة على كتب لا توزع ودون أي معايير إلا معيار الكذب والتدليس وتزييف الوعي، وظلت مكافأة مكتبة الأسرة أمناً قومياً، حتى أن الأديب علاء الأسواني حاول أن يعرف مكافأة الكتاب وتم رفض طلبه، ثم رفع قضية ليتم الكشف عنها ولكن لم يتمكن أبدا.
2) منح التفرغ.
3) النشر فى عشرات الأماكن والتي أصبحت كلها تقوم بالتنافس مع هيئة الكتاب.
4) اللجان، وهي تضم 26 لجنة فى 25 عضواً، عليك ان تضربها فى أقل رقم شهري لتكتشف كمّ إهدار المال العام على لجان لا عمل لها سوى عقد ندوة أو إقامة احتفالية.
5) جوائز الدولة ويقدر المبلغ بحوالي 7 ملايين جنيه سنوياً، لذلك كادوا يجنّون عندما أجّل د. علاء عبد العزيز وزير الثقافة السابق منح الجوائز لمدة شهر.
هكذا لم يعد غريباً أو مستهجناً أن نري مثقفاً ومبدعاً مثل جمال الغيطانى يكتب فى مجلة الشرطة فى الوقت الذي يقوم فيه حبيب العادلى بسلخ جلود المصريين، أو يوافق بعض المثقفين على العمل مستشارين فى وزارة الداخلية لتوجيه الرأي العام، لينتهوا بعد ذلك من جماعة تنويرية إلى جماعة وظيفية، تحتكر الثقافة، وتحتكر أيضاً هبات الدولة، وكانت أشد عبارة ترصد هذا الموقف أثناء حصار المثقفين لوزارة الثقافة أثناء تولى المثقف د. علاء عبد العزيز، هي ما قاله أحمد مجاهد “من لم يحضر هذا الحصار فهو خارج الجماعة الثقافية”. هذه هى اللغة الذي يعرفها مرتزقة وخدم الحظيرة، لغة النفي والإقصاء والعنف، لذلك لم يكن غريبا أن تقوم مجموعة من المثقفين بعمل بيان ضد هيئة الكتاب لأن مثقفاً مصرياً محسوباً على تكتل دعم الشرعية حضر ندوة فى هيئة الكتاب، أي إفلاس وأي خراب!
مراجع
1) من المواجهة إلى التحالف: فخري لبيب
2) المثقف والسلطة: ادوارد سعيد، ترجمة وتقديم محمد عنانى
3) مقال: وظيفة الشعر في الأدب العربي القديم، بقلم أحمد اتزكنرمت
4 صلاح عيسي - هوامش على أيام أكتوبر المجيد
5 البيان من مقال سناء البيسي عن توفيق الحكيم
مثقفون أم جماعة وظيفية تمتهن الكتابة؟(1)
www.deyaralnagab.com
|