القصيدة والصورة!!
بقلم : نمر سعدي ... 28.12.2014
بغض النظر عن التحوّلات التي شهدتها المنطقة فما زال للشعر توهّجه وألقه في نفوس شعب تربّى على محبّة هذا الفن الجميل، رغم أنه يكاد ينسحب قليلاً إلى ناحية النخبة المثقفة. ولكن التجارب الفردية لا تزال مشتعلة بنار الشعر الأبدية.
التجارب التي يمثِّلها الكثير من الشعراء العرب ومنهم على سبيل المثال العراقي سعدي يوسف واليمني عبدالعزيز المقالح واللبناني شوقي بزيع والسوري أدونيس وغيرهم. منهم من تُرجم إلى لغات عالمية كثيرة وحظي باهتمام نقدي على مستوى رفيع مثل أدونيس وسعدي يوسف.
أفكّر أحيانا أن صورة الإنجاز الشعري لدينا هي في المجمل صورة فردية بكل المقاييس. عكس حالة الشعر العالمي التي تأخذ شكل الكورس الجماعي. هناك شعراء في غاية الأهمية ولكن أشعر أنه لا يهتمّ بهم أحد وهم يعيشون على هامش الحياة الثقافية العربية في شبه عزلة افتراضية قسرية ولا نجد لهم إلا بعض المشاركات عبر صفحات مواقع التواصل الاجتماعي.
هناك إذن انكسار معيّن في حالة التلقي الشعري. ولكن ماذا تريد من أمّة يبلغ عدد أفرادها أكثر من ثلاثمئة مليون فرد أغلبهم لا يحسنون فك الخط أو القراءة في عصر الفضائيات والشبكة العنكبوتيّة، من الطبيعي أن نلمس انحيازا للصّورة التي أصبحت قادرة أكثر من الكلمة على إيصال الفكرة.
بالرغم من أن أحلامَ القصيدةِ كانت في الماضي تدغدغ طموح الشارع العربي وتدفع بالإنسان إلى حملِ روحهِ على راحتهِ والإلقاءِ بها في مهاوي الرّدى والثورةِ على البؤسِ السياسي والثقافي. للصورة أهمية كبرى طبعا وهي تملك مقدرة عجيبة على النفاذ إلى عقل الإنسان المتلقي ونفسيته وتحريضه على التحرك والنهوض.
للقصيدة العربية أيضا دورها في رسم خارطة الثورات التي حصلت فكأن الشعر برق الروح. ولكن للقصيدة العربية أيضا دورها في رسم خارطة الثورات التي حصلت فكأن الشعر برق الروحِ، وما هذا الفراغ الذي يسكن مساحاتِ الكلمةِ سوى وعد بيوتوبيا جميلة وهبة لحريّة منتظرة.
بالنسبة إلى مسألة عجز القصيدة عن وصف المشاهد اليومية التي نراها كل لحظة فلا أعتقد أن هذا القول صحيح إذ أن الشعر الحقيقي من المستحيل أن يكون عاجزا عن وصفها ولملمتها بحساسية عالية كأنها نقاط بلورية في صحراء مظلمة، لأن اللغة العربية بتركيبتها الفذة لغة واسعة ولا تضيق تعابيرها بوصف مشهد هنا ومشهد هناك، خصوصا إذا ما استعملها شاعر يعرف ما يريد منها ومن توظيفاتها المدهشة.
أشير إلى أن أجمل ما قدّمته لنا تقنيات لغة الحداثة وفنية التعبير عالية الوضوح والصفاء التصويري، هو هذا التزاوج الجميل والرائع والمكثّف بين القصيدة والصورة. وأجمل القصائد في تاريخ الشعر العربي هي تلك القصائد التي استثمرت الصورة لكي تقدِّم تجاوزا لافتا وتترك أثرا بالغ الأهمية. فلسطين
www.deyaralnagab.com
|