"الحُبّ ديني"!!
بقلم : حسن عبادي ... 26.09.2018
وصلَتها رسالة نصيّة تحمل كلمات قصيدة "هل تجيئين معي إلى البحر"؟ لنزار قبّاني... تلتها بدقائق رنّة نقّالها الساعة الخامسة صباحًا، نظرت إلى الشاشة فشاهدت رقمه الذي افتقدته منذ ستّة شهور، تردّدت قليلًا قبل الردّ، وحين قرّرت سمعته يقول: "أنتظرك في تلّ السمك" وأغلق السمّاعة.
تعارف منذر وماريّا منذ الصغر، يكبُرها بسنتين، ربطت عائلتيهما علاقة حزبيّة حميمة، كانا معًا في الروضة والمدرسة، في سهرات الأعياد والمظاهرات، في النشاطات الثقافيّة والوطنيّة ودرسا في جامعة القدس. حين قرّرا الزواج حال والده العلمانيّ دون ذلك لأنّها من دين مختلف، رغم أنّ الله حلّله، فلا يُريد لكِنّته أن ترفع صليبًا في بيته!
لبست على عجالة، تناولت حقيبتها وتوجهّت إلى شاطئ البحر فوجدته بانتظارها، ضمّها إلى صدره وبكت دون كلام. فجأة رأت مركبًا يقترب من الشاطئ، تخاطَب رُبّانه ومنذر بالإشارات، أمسكها من يدها ومشيا نحو المركب وصعدا إليه. استغربت ماريّا الأمر، تعرّفت على باخوس القبطان، حنطيّ البشرة، يتكلّم قليلًا من الإنجليزيّة، مقطوع الساقين، ورائحة الكحول تعبق في فضاء المركب رغم هواء البحر.
سار المركب بطيئًا، فتحت كتابًا تتصفّحه ولم تنبس ببنت شفة. شردت والبحر تتأمّل مشدوهة، تحاول أن تستوعب ما يدور حولها، مرّ شريط حياتها مع منذر حتّى تلك اللحظة التّي باغتها بمعارضة أهله لزواجهما فأجهشت بالبكاء. أخبرها منذر أنّهما بطريقهما إلى جزيرة قبرص ليتزوّجا بعقدٍ مدنيّ معترف به، بعيدًا عن الدين. حدّثها عن منزل اقتناه في شارع البرج بحيّ وادي الصليب الحيفاويّ، ينوي ترميمه ليسكناه معًا بعد عودتهما إلى البلاد، ركع أمامها وناولها مفتاح البيت وخاتم الخطوبة.
فجأةً صرخ باخوس: ياسو! فتح قنّينة شمبانيا ليشرب نخب العروسين. وحين سمع بأمر البيت في شارع البرج بوادي الصليب دمعت عيناه، تبيّن أنّ لأهله ماضيًا وتاريخًا.... ويحلم بمستقبل. بُترت ساقاه خلال تحضيره لعبوةٍ ناسفة، كان أهله يمتلكون سفن صيد في حيفا، دُمّرت وقُتل غالبيّة أفراد العائلة وتشرّد الباقي إثر النكبة، وُلد هناك، عاد متسلّلًا إلى بيت أهله ولم يدخله، راقبه سنوات طويلة عازمًا على نسفه بعبوة كان حضّرها لهذا الهدف، لكن سرَّه أنّه صار بلا ساقين ولم ينسفه...
عرفه كلّ الناس بباخوس اليونانيّ...ركب البحر وسكنه قبالة حيفا، والكأس والبزق نديماه.. يعشق الحياة... وأهل البلد، يحبّ الغناء وصوته رخيم، لحنه حزين، مليء بالحنين...والأمل.
شرع بالغناء، بالعربيّة:
"يا ماريّا يا مسوسحة القبطان والبحريّة
آه يا زماني عد لي ثاني عد لي بالله تاني
عود يا زماني عود"
شرب كأسًا أخرى فبدى ثملًا ممّا أخاف ماريّا، حاولت ردعه فابتسم قائلًا: "والله السكرة بتصحّيني يا عمّي".
www.deyaralnagab.com
|