تطوّر الحركة الشِّعرية في الداخل الفلسطيني للدُّكتور نبيه القاسم!!
بقلم : سهيل كيوان ... 20.04.2023
يقول أستاذ الأدب العربي في جامعة حيفا أ. الناقد إبراهيم طه في كتابه «نبيه القاسم رائد النقد الواقعي الفلسطيني»: «نبيه القاسم آخر النُقّاد في الجيل الأول، وأوّل واحد من نقاد الجيل الثاني، الذين قدَّموا ما لم يقدمه أحدٌ قبلهم، بدأ الكتابة في مرحلة كانت حركتنا الأدبية فيها ما زالت تتعثر في خطواتها الأولى».
صدر للدكتور نبيه القاسم منذ العام 1972 حتى يومنا، حوالي أربعين مؤلّفاً بين نقد ودراسة في الأدب والاجتماع، إضافة إلى مجموعتين قصصيتين.
في الطبعة الثانية من دراسته التي صدرت تحت عنوان «تطوّر الحركة الشعرية العربية الفلسطينية في إسرائيل»، الصادرة مؤخّراً عن مكتبة كل شيء في حيفا، اعتمد فيها على ما نشر في مجلة «الجديد» الحيفاوية 1953-1991 كمرجعٍ للشِّعر الذي عالجته الدِّراسة، ويعلّل اعتماده على مجلة الجديد بالقول: «حتى يكون للدراسة إطارها وهدفها وفوائدها، قرَّرتُ أن تكون مقتصرة على ما نُشر وما كُتب عن الشِّعر في مجلة الجديد منذ صدور عددها الأول عام 1953، وذلك لأنَّ مجلة الجديد كانت المنبر الأدبي المثابر والملتزم والمؤثّر على بلورة الحركة الشِّعرية في البلاد».
نشرت «الجديد» خلال سني صدورها إبداعات المنتمين إلى الفكر الشيوعي واليساري من الأدب المحلي والعربي والعالمي.
في المقابل، نجد تيارات أخرى، منها ما كان ذا اتجاه قومي، وبعضها كان تحت رعاية السُّلطة، وتمويلها.
تناول د. نبيه القاسم في الفصل الأول من دراسته، واقع بداية البحث عن الهوية، وبعث اللغة الثقافية بعد تفريغ البلاد من أهلها، وتهجير الكوادر الأساسية من المثقفين والمتعلّمين.
«بدأ النّهج التقليدي في الشّعر بالتعرّض للاهتزازات نتيجة زيادة عدد المواهب، ووصول أدباء وشعراء من الدول العربية، وخاصة من يهود العراق، حملوا أصداء التيارات الجديدة الخارجة عن القصيدة التقليدية، التي دأبت مجلة «الجديد» على نشرها.
تناول الناقد بتوسُّع وأساساً أعمال كُلٍ مِن الشعراء، حنا أبو حنا، عصام العباسي، توفيق زياد، عيسى لوباني، راشد حسين، محمود درويش، سميح القاسم، سالم جبران. واستشهد بنماذج أقل من بعض الشُعراء الآخرين.
يقول القاسم: إنَّ ما سُمّي شعر المقاومة لم يعدم النَّيل واللمز والغمز من النقاد العرب، وخصوصاً إثر معاهدة أوسلو، وغذّته المعركة التي افتتحتها جريدة أخبار الأدب المصرية في باستفتاء حول عنوان «الأدب الفلسطيني في مفترق طرق»، نال فيه بعض الكتاب المصريين من تسمية هذا الأدب، فاقترح الناقد غالي شكري تسميته شعر معارضة وليس شعر مقاومة.
تقول الناقدة العراقية د. فاطمة المحسن في تظهيرها للكتاب: «يبدو أن المؤلف في استعراضه للحركة الشعرية الفلسطينية منذ الاحتلال 1948 يحاول البرهنة على خطأ التصورات التي تتنكر لهذا الأدب، أو تقلّل من قيمة مساهمته في المحافظة على الهوية القومية، وهو يجتهد لوضع تلك التواريخ في سياق من التدرّج الذي مرّ به الشِّعر عموماً في فلسطين، من العمودي إلى الحُر إلى قصيدة النثر، شأنه شأن كل التجارب في البلدان العربية».
يستعرض الكاتب في الفصل الأول الواقع السياسي والثقافي للعرب الفلسطينيين، وشمل المجلات والصحف المحلية الأدبية، إضافة إلى مجلة الجديد في الحقبة نفسها -مجلّة المُجتمع- التي ترأّس تحريرها الشاعر ميشيل حداد، الذي نأى بنفسه وبشعره عن السّياسة، ومجلّة «الفجر» التي ترأس تحريرها الشاعر راشد حسين ممثلة للتيار القومي الناصري. في محاورات جرت بين راشد حسين وحنا أبو حنا، يدافع فيها حنا أبو حنا عن الشيوعيين الذين كان محسوباً عليهم في حينه، بينما يدافع راشد حسين عن الفكر القومي الناصري.
هاجم راشد حسين الشيوعيين، الذين هاجموا شعره الغزلي، فكتب: «إن كلَّ الذي أريد قوله للشيوعيين، إنّ شعر الغزل هو شعر واقعي، بل هو ضرورة من ضرورات الواقعية، بل لعلّ أول إنتاج أدبي في تاريخ العالم كان شعراً غزلياً».
مجلة «الهدف»، صدر العدد الأول منها عام 1960، وقد اختير توفيق شمّوش، وهو يهودي من أصل سوري، رئيساً للتحرير، والكاتب مصطفى مرار والشاعر جمال قعوار ليحرّرا المجلة، وأعلن القائمون عليها أنها لسان حال «الهستدروت»، نقابة العمال في إسرائيل، هدفها تعزيز أواصر العلاقة بين جميع المواطنين، والتعجيل في اندماج المواطنين العرب في جميع مؤسَّسات الهستدروت ودوائرها». هاجمها الشاعر حنّا أبو حنا في مجلة الجديد. وهاجم محمود درويش الشاعر جمال قعوار وعمله في مجلة «الهدف» في مقالة بعنوان «فلسفة الخوف»، وتوقّفت المجلة بعد عامين من صدورها.
مجلة «الشرق»، صدرت عام 1970 وأسسها د. محمود عباسي، استقطبت عدداً كبيراً من الكُتّاب المحليين ومن المناطق المحتلة عام 1967 ومن الكتاب اليهود في اللغة العربية. يقول د. نبيه القاسم: «إنَّ علاقة محرّرها الطّيبة مع الكُتّاب من مختلف التيارات، وعدم خوض معارك فكرية، جعلها في مأمن من خوض المعارك التي شهدتها المجلات الأخرى».
توقفت «الشّرق» عن الصدور عام 2014، أي أنّها أطول المجلات الأدبية عُمراً في ما يسمى منطقة 48.
الفصل الثاني تحت عنوان «الحركة الثقافية، خاصة الشعرية، ترسخ وجودها».
يستعرض فيها ما صدر من شعر، ومحاولات التغيير الأولى، ودور مجلة الجديد في التوجيه الهادف للحركة الشعرية.
الفصل الثالث «التطوّر الفني في شكل القصيدة». يقيّم المؤلف تطوُّرَ القصيدة تحت عناوين فرعية: توزيع القصيدة إلى مقاطع، البناء القصصي، القصائد القصيرة، السِّربيات، التِّكرار، الحوار، ازدواجية اللغة (الفصيحة والمحكية)، استعمال كلمات غير عربية، تداخل الشَّكلين العمودي والحُر في القصيدة الواحدة، التضمين النثري، القصيدة النثرية، استخدام الأفعال والأسماء.
الفصل الرابع تحت عنوان «التطوُّر الفني في مضمون القصيدة» تحت عناوين فرعية: محاولة التعبير عن الذات من خلال الطبيعة المحيطة، المباشرة المنبرية، الرّمز أبرز ملامح الشعر الفلسطيني بعد الخمسينيات، الرُّموز الدينية، الرُّموز الأسطورية، الرموز التاريخية والأدبية والتراثية، إحياء التراث الشعبي، الصورة الشعرية. اعتمد الكاتب على عشرات المصادر النقدية المحلية والعربية والعالمية في بحثه الذي يعتبر مرجعاً أساسياً قيِّماً لدارسي شعر الداخل الفلسطيني بعد النكبة. جاء الكتاب في 380 صفحة من الحجم الكبير، وظهّر له د. فاطمة المُحسن، والراحل بروفيسور ساسون سوميخ، الأديب العراقي الأصل، وأستاذ كرسي الأدب العربي الحديث في جامعة تل أبيب.
www.deyaralnagab.com
|