التجربة الشعرية للشاعرة الفلسطينية ندى محمد ابوشاويش..فوضى أحلام صغيرة!!
بقلم : حميد عقبي ... 29.06.2023
ندى محمد ابوشاويش، شاعرة فلسطينية من رام الله، حيث يتضخم الوجع كل لحظة وهي صوت شعري يستحق أن نشير إليه وصاحبة تجراة شعرية تحمل في طياتها الرغبة إلى الحلم وترمي شباكها كي تصطاد ولو بعض الأحلام الصغيرة وكأنها تعبر عن غيرها أيضاً، تحضر ندى في نصوصها الأنثى، المرأة، الذات وقد تهرع للبحث عن شخصية أنثوية متخيلة أو حتى الآخر وتوظيفه لنثر همسات وصرخات الوجع الداخلي.
اتابع ما تكتبه ندى منذ عدة سنوات وسبق أن شاركت معنا في بعض الأمسيات والمناسبات الشعرية التي يقيمها المنتدى العربي الأوروبي للسينما والمسرح وتجربتها الشعرية تستحق التأمل والوقوف معها وقفات نقدية فهي في تطور ويشعر المتابع أن ندى تحاول وتسعى بجد لفهم والتعبير عن عالمها والذي تعرفون واقعه جميعاً وقد تسعى لتجاوز هذا العالم والبحث عن أحلام بعيدة.
لنأخذ بعض النماذج ولننطلق من هذا النموذج :ـ
الصمت في شرنقة …………..
أسمع صفير الفراغ
أمحو الصمت
بممحاة المشهد المغلق
وأرسم عناقيد الستائر
الباهتة
أيتها النوافذ المبتلة
بالضجيج
شكلي في عتمة الليل
المتواري…. صمتا حجريا
اعزفي
صوت الكمان
كي
يحتضن ضوء البياض
على هامش المجاز
كي يستفيق
بفوضى مدادي
انتظارا يومئ بالرحيل
فترصد أثري خلف المرآيا.
حالة من الانغلاق والعزلة وفوضى هنا وهناك، فقدان المساء والفضاء وربما يكون فضاء الرؤية المسموح به لمن يعيش ظروف الحصار والخوف ليست فقط قليلة ولكنها تكون مكررة وربما مملة، هنا تودع الشاعرة الصمت (في شرنقة) والشرنقة كما نعرف مكان مؤقت ومتحول وبعد خروج الفراشة من هذا المكان، بعد ذلك لا قيمة له ولا حياة فيه، وهي لم توضح إن كان الصمت هنا هو صمتها الخاص أم صمت عالمها وربما الاثنين معاً، فراغ، يتضخم كل لحظة ويرسل صفيره، تسارع لمحو الصمت ولو (بممحاة المشهد المغلق)، المشهد المغلق هو الواقع المعاش والمتكرر والصعب تجاوزه وهنا تعبر ندى محمد ابوشاويش عن ألمها كإنسانة ولم تستدع أسم مكان فلسطيني وكأنه لا تريد شخصنة الحالة لتعاطف وقتي بسبب جغرافيتها وهذه نقطة مثيرة ومدهشة للعديد من الأصوات الشعرية في بلداننا العربية المصابة بصدمات الحروب والصراعات والنكبات، البعد عن استدرار العطف يصبح قيمة جمالية وهذه الظاهرة تستحق دراستها نقدياً.
أحاول قراءة النصوص بخيال دراماتورج ويبدو هنا وحشة المكان الداخلي وكذلك خطورته، من يعيش في عالم ندى والعوالم المشابهة له يدرك القسوة المحيطة والعنف الذي قد يداهم ولو نافذة صغيرة مفتوحة، نوافذ عالم ندى ليست من النوافذ المضادة للرصاص، تصور الشاعرة هذه النوافذ من الخارج وهي مبتلة بالضجيج والعنف وتبتعد ندى عن التعبير المباشر وهي ما تعلم ما يصيب نوافذها وربما يأتي حدث ويقتلع النوافذ والسقوف والأبواب وحتى البشر، كل شيء مخيف ويصعب الهروب لذلك يكون الهروب ولو إلى أحلام صغيرة، قد لا يكون هناك كمان ولتشعر بالقليل من السلام يمكنها أن تتخيل هذا الشيء والغرض هو صوت الكمان وأن يكون له فعلاً وتأثيراً نفسياً وروحياً ولو للحظات، وتعود ندى لتودع بعض البياض في قلب المحار لعل وعسى ألا يطاله الشر والتدمير والفوضى، تهمس ببعض أحلامها الصغيرة والمشروعة والطفولية أيضاً.
في النموج والنص الثاني، تنظر ندى إلى الأعلى وإليكم النص :ـ
في يقظة الغيمة الغافية
على صدر اليقين
تفرك الغيمة حلمها
العتيق
تمسح الضباب ببرودة الشغف
لتبصر الطريق الضالة في تيه
نون النسوة
وضللتُ تاء تأنيثك
وحين
أضعتُ النهاية
في شبقٍ للإرتواء المعبد
بالوهم
أعدت فيض السحابة
لذاكرة الشتاء
وحين تأخرت الفصول
على نافذتي
خنتُ غيمك
إلى ندى.
الأعلى أو السماء وربما سقف بيتها، تختار ندى الغيمة الغافية وكأنها هنا تعبر عن هذا العوالم التي تحيط بعالمها ولا تتحرك لتدعمه أو تناصره وكأن هذه الغيمة التي طال سباتها وثم يُخيل لي أن ندى تجاوزت الغيمة وتستعيرها كدلالة للتعبير عن شيء أخر وتصل إلى لحظة يكون التعبير عن الذات. ثمة ضباب مُربك، أجواء كأنها تتقلب في بطن كابوس مزعج، شك وخوف وقلق وصدمات متوالية وحيث كل شيء يتأخر وقد لا يأتي ولخلق عالم الحلم يجب تجاوز الرعب والهروب إلى حلم صغير.
على نافذتي
خنتُ غيمك
إلى ندى.
وهنا حالة من الرفض لظل الآخر، لسطوته ورقابته وكأنها ترفض الضعف وستكتفي بحلم صغير، لتكن قطرة ندى أو أي شيء جميل وأنيق، المهم ألا تستسلم فهي تُعلن حريتها وتعتز بجمالها.
في هذا النص الثالث والأخير في هذه المادة التأملية المختصرة والسريعة، قصيدة ندى وكل كلماتها وحروفها فيها الكثير من البعد عن المبالغات وحتى الطول، هي تميل ربما إلى النصوص القصيرة وتُودع في نصوصها شهقاتها ورغباتها والمزيد من البحث عن حلم صغير :ـ
ما اجرأك أيها
الليل….
تردد صدى الحديث
تفك أزرار اللهفة
تحمل كل الأشياء
وتدور في المدينة
تحطم إفك الطرقات
وترمي نفارها في جيوب
الحنين
كأني كنت رؤيا في
بحيرة النعاس
كأني كنت نائمة في صمتك
ما أجرأك أيها الليل
أيقظتني وأصابك العمى.
كأنها تعاتب أو تذم الليل وربما هنا ظلمته وما يثيره من مخاوف وكوارث مدمرة، الكثير من البيوت والحقول قد تنمحي ليلاً بفعل قصف أو قذائف، بسرعة تعيدنا إليها وتغوص بنا إلى دواخلها، كأن ثمة رغبة أنثوية كادت تبوح بها، سرعان ما يعود يتغير المشهد إلى الخارج والطرقات والمهالك، عالم جحيمي ويجب الهروب منه إلى أمنية وحلم وهي تقول (كأني) تبدو مشوشة ومذعورة وكأننا هنا مع ليل عام أي ظلمة ووحشة ومخاطر وليل خاص وهو مثير لرغبات أنثوية، للحظات مثيرة تتفجر فيها القصيدة وحنين للحظات مطمئنة وهادئة يمكن للشاعرة وكل من حولها أن يعيشوا مثل البشر العاديين والعيش في سلام وأمان.
www.deyaralnagab.com
|