حبّة الفول، وبُرْغَيْث!!
بقلم : سهيل كيوان ... 06.03.2025
للطّعام في القصص الشعبية حيّز كبير، لهذا نجد قصصاً شعبية تتحدّث عن الشّبع والوفرة، من بعد جوع وقلّة، والغنى من بعد فقر أو العكس. كذلك عن الظُّلم واستعادة الحقوق والشّجاعة والعزّة بعد الخوف والذُّل.
تختلف القصّة الشّعبية في تفاصيلها من راوٍ إلى آخر، ومن منطقة جغرافية إلى أخرى، وهنالك تناص كثير بين القصص من مختلف الشُّعوب، وخصوصاً مع قصص ألف ليلة وليلة.
تمرُّ السنين والعقود فيها بسرعة وبدون تفاصيل بعبارة «روح يا يوم وتعال يا يوم، صار الولد زَلَمة».
تروى هذه القصص عموماً قبيل نوم الأطفال، وفيها تسلية وفائدة تربوية أو حكمة وعبرة.
من القِصص الشّعبية الفلسطينية قصتا «حبّة الفول» و«بُرغَيث» أحببت أن أحكيهما لكم.
تحكي قصّةُ حبّة الفول، عن حطّاب يعتاش من بيع الحطب، وفي يوم ما عثر في كوخه على حفنة من الفول، فأخذها معه ليأكل منها عندما يجوع.
في طريقه وجد بئراً فجلس قربها كي يرتاح، وصار يتناول حبات الفول، خلال هذا سقطت حبَّة فول من فمه واختفت في ماء البئر، فأسِف عليها كثيراً وصار يبكي ويردّد «يا حبّة فولتي يا ردّة جوعتي، يا حبّة فولتي يا ردّة جوعتي».
فطلع له عفريت من البئر وسأله: ما بك؟ لماذا تبكي؟
فأخبره عن حبّة الفول التي سقطت منه في البئر. عرف العفريت أنّه فقير جداً، فأشفق عليه وقال له، خذ هذه الباطية (وعاء من الفخّار) وقلّ لها «يا باطية أمّي وأبي امتلئي أرُزّاً ولحماً، امتلئي مجدّرة، امتلئي زغاليل مشويّة، عنباً، موزاً، أي طعام تشتهيه.
نطق الحطاب بهذه الكلمات فامتلأت الباطية باللحم والأرز وهو مندهش وغير مصدّق، فصار يأكل ما لذّ له وطاب.
بعد أيام شعر الحطاب بالملل وقرّر أنْ يذهب إلى سوق البلدة، وطلب من جارته أم الفضل أن يضع الباطية عندها أمانة، ريثما يقضي حاجته من السّوق، فوافقت، ولكنّه بسذاجته نبهّها» يا أم الفضل لا تقولي لها يا باطية أمّي وأبي امتلئي لحماً وأرزّاً». الحطاب السّاذج باح بسرِّ الباطية لجارته.
وما إن أدبر، حتى سألت نفسها، لماذا لا يريدني أن أقول لها هذه الكلمات، والله لأجرّب، فنطقت بها، فامتلأت الباطية بالأرز والّلحم، أكلَت أمُّ الفَضِل وشبعت، وطلبت كلَّ طعام وفاكهة تشتهيها. لعب إبليس في رأسها، وقرّرت أن تستحوذ على الباطية، فاستبدلت بها أخرى عادية.
عندما رجع الحطاب من السّوق وطلب الأمانة، أعطته باطية عادية كانت عندها. الحطّاب كان هالكاً من الجوع، دخل بيته وبسرعة قال «يا باطية أمّي وأبي امتلئي لحماً وأرزّاً» لكنّها لم تستجب، حاول أكلات أخرى، مجدّرة، ملفوف، باذنجان، بامية، دون جدوى، فأدرك أنّ أم الفضل خدعته. ذهب إلى جارته وسألها عن باطيته، ولكنّها أنكرت.
ذهب إلى البئر وبكى، وصار يقول «يا حبة فولتي يا ردّة جوعتي». خرج العفريت متذمّراً: ما بك، فقط بالأمس أعطيتك باطية. فحكى له ما فعلته أم الفضل، فأعطاه العفريت حمارًا يروثُ ذهَباً.
كان عند الحطاب كيسٌ من القمح، ذهب إلى المطحنة ليطحنه وربط حماره في الخارج، حمل الكيس ودخل إلى المطحنة، وهنا انتبه رجلٌ للذهب يتساقط من دُبْر الحمار، فربط حماره مكان حمار الحطاب، وأخذ حمار الحطّاب ومضى.
عندما خرج الحطاب، أخذ الحمار الآخر، وما لبث الحمار أن راثَ روثاً عادياً مثل بقية الحمير. حزن الحطّاب وانتبه لما حدث، وذهب إلى البئر وقال «يا حبّة فولتي يا ردّة جوعتي»، فخرج العفريت متذمّراً، ما بك لقد أعطيك باطية وحماراً يروثُ لك ذهباً! فأخبره بأن هناك من سرق حماره في المطحنة، حينئذ أعطاه العفريت عصا، وقال: اذهب إلى اللذين سرقاك وقل للعصا «يا عصا أمي وأبي هفّي على فلان وما تخفّي حتى يرجعا لك الباطية والحمار».
ذهب إلى جارته وطلب الباطية فأنكرتها، رجاها وتودّد إليها، ولكنّها عنّدت وأنكرت، فقال للعصا «يا عصاتي هفّي وعلى جناب أم الفضل لا تخِفّي حتى تُعيد لي باطيتي». انطلقت العصا «وين الجنب اللي بوجعك» ضربتها العصا حتى صارت تصرخ من الوجع، وتقول من شان الله خيّا خلص، التّوبة، وأعادت له الباطية السّحرية.
الحطاب لا يعرف من الذي سرق حماره، ولكنه ذهب إلى المطحنة، وهناك قال «يا عصاتي هِفّي هِفّي وعلى اللي سرق حماري ما تخفّي حتى يرجّع لي حماري». انطلقت العصا حتى عثرت على سارق الحمار الذهبي، «وتقوم ترقع بهالزّلمة قَتل حتى كسّرته تكسير» وصار يصرخ «من شان الله، دخيلك، وقّف أجيب لك حمارك». فتوقفت العصا عن ضربه وأعاد الحمار لصاحبه.
الحمار يروث ذهَباً، والباطية تمتلئ لحماً وأرزاً، وبنى الحطاب بيتاً مثل بيوت الملوك، وتزوّج، وعاشوا باللذة والنعيم وطيّب الله عيش السامعين.
قصة «بُرغَيث»، تحكي عن سيّدة لم تكن تنجب الأطفال، وفي يوم ما، عندما كانت تجمع روث البقر كي تجفّفه وتصنع منه الجلّات لاستخدامها للتّدفئة، لأنّ الناس كانت فقيرة، لسعها برغوث، فقالت يا رب ارزقني ولداً ولو كان بحجم هذا البرغوث. ويظهر أن أبواب السّماء كانت مفتوحة في تلك اللحظة، فاستجاب الله إلى دعائها، وحَمَلَت، وبعد تسعة أشهر أنجبت طفلاً صغيراً جداً، سمته بُرْغَيْث.
في تلك السّنين، كان الأعداء يحتلون القرية، ويتحرّشون بالناس ويسطون على بيوتهم ومتاجرهم ويعتدون على أعراضهم ويسرقون حلالهم.
في أحد الأيام، دخل الأعداء كعادتهم وسرقوا ونهبوا واعتدوا على الصغير والكبير، ثم أخذوا معهم صبابا القرية أسيرات ومنهنّ ابنة المختار التي كان بُرغَيثْ يُحبّها، وطلبها من المختار، لكن المختار رفض أن يزوّجها له، لأنّه صغير الحجم وفقير الحال.
جُنّ أهل البلد، أين أخفوا بناتنا وكيف نستردهن!
بادر بُرغَيث وتجسّس ولحق بضابط من الأعداء وعرف مكان البنات.
جمع شُبّان القرية وقادهم في هجوم على قلعة الأعداء، فقتلوهم وبدّدوهم وهرب من بقي حيّاً منهم.
وحرّروا نساء وبنات البلدة، وصار الناس ينظرون إلى بُرغيث كبطل، وكوفئ بأن تزوّج ابنة المختار، وعاشوا بسلام وأمان، وهاي حكايتي حكيتها وعليكم رميتها.
العبرة من قصّة «حبّة الفول»، أوّلاً عدم استصغار لقمة الطعام حتى ولو كانت حبّة فول، فهي تردّ الجوع، ثم أإّ الخير يأتي من الوالدين، ولا تكن ساذجاً وتفشي سرّك لغيرك، والأهم أنّ الحقّ لم يعد إلى صاحبه بالتمنّيات والرّجاء والبكاء، بل بالعصا، وبدون العصا لما أقّر السّارقان بفعلتهما ولما أعادا الحق لصاحبه.
العِبرة في القصّة الثانية، ألا تستهتر بقوّة أحد، حتى ولو كان بحجم البَرغوث، فقد يكون «بُرغَيث» أشجع منْ في القرية، وهو الذي يعيد لها شرفها وكرامتها. القصّتان موثّقتان في كتاب «طار الطّير، دراستان في الحكاية الشعبية الفلسطينية» للباحثة كاملة بدارنة، إصدار مؤسسة الأسوار عكا 2004.
www.deyaralnagab.com
|