شاعرة المقاومة الفلسطينية فدوى طوقان!!
بقلم : دجوار احمد اغا ... 25.09.2025
أرض فلسطين المقدّسة، مهد الديانات السماوية التوحيدية، أعطت للبشرية الكثير من الأسماء اللامعة في سماء الشعر والأدب والقصيدة التي ولدت من رهم المعاناة. محمود درويش، توفيق زيادة، سميح القاسم، مي زيادة، إبراهيم طوقان، وغيرهم الكثيرين ممن أغنوا التراث الفكري الإنساني بقصائد وأشعار ذات معنى وكانوا بالفعل من حملوا على أكتافهم قضية الوطن من خلال القلم والدفتر مثل البندقية والرصاص ووجهوها الى صدر العدو الغاشم.
الشعر والقصيدة الثورية الوطنية لها تأثير كبير على الشعب وربطه بالتالي مع قضيته التحررية، وهذا ما قام به شعراء وأدباء فلسطين الكبار دفاعاً عن قضيتهم الوطنية في وجه الاحتلال الإسرائيلي الذي ارتكب المجازر والمذابح عبر عصابات الهاغانا الصهيونية وغيرها التي أجبرت الفلسطينيين على الرحيل عبر التهجير القسري. من بين الأسماء التي لمعت في عالم الشعر الثوري الفلسطيني فدوى طوقان شقيقة الشاعر الكبير إبراهيم طوقان التي مثلت الشعر النسوي الوطني الفلسطيني الحر. سوف نتحدث في هذه المقالة عن هذه الشاعرة التي لُقبت بالعديد من الألقاب منها: شاعرة فلسطين، أم الشعر الفلسطيني، شاعرة المقاومة الفلسطينية.
آل طوقان
قبل أن نتعرف على شاعرتنا الكبيرة، دعونا في البداية نأخذ لمحة عن آل طوقان. من أين جاءوا وأين استقروا؟ الكثير من الروايات تتحدث عن أن أصل هذه العائلة ينحدر من مدينة حماه السورية، وأن جدهم المدعو عبد الله طوقان قد هاجر من حماه باتجاه الأردن وسكن في منطقة البلقاء شرق الأردن. وبحكم عملهم في التجارة وخاصة تجارة الإبل، فقد توجه عبد الله برفقة عائلته الى نابلس حيث استقر هناك. قدّم نفسه لأمير نابلس وقتها عسّاف آل فروخ الذي قربه من الحاكمية. فيما بعد أصبح أحمد آغا طوقان زادة أميراً للحج حيث بنى طوقان قصراً في نابلس ما يزال شاهداً على عظمتهم وتاريخهم. امتلك آل طوقان البساتين وطواحين ودكاكين عديدة في نابلس.
الولادة ومرحلة الطفولة
شهد قصر العائلة في نابلس في العام 1917، ولادة طفلة لعائلة الشيخ عبد الحميد طوقان وزوجته السيدة فوزية أمين عسقلان أطلقوا عليها اسم فدوى وكانت ترتيبها السابعة بين أخوتها (5 شبان و4 بنات). عانت كثيراً في صغرها من عدم اهتمام الوالدين فالأب كان يريد ولد فجاءت بنت، لذا لم يُعرها اهتمام يُذكر. أما والدتها فبعد الولادة عهدت بتربيتها الى الخادمة ولم تمنحها حنان الأمومة بشكل سليم الأمر الذي سبب لها أزمة داخلية عميقة. بالإضافة الى حرمانها من اكمال دراستها بعد الابتدائية بسبب تحفظ العائلة على دراسة البنات والعادات والتقاليد المحافظة التي كانت تسير عليها العائلة وخاصة والدها ولولا وقوف شقيقها إبراهيم الى جانبها لربما كانت قد أنهت حياتها مبكراً.
تأثير شقيقها عليها
شقيقها الأكبر الشاعر القدير إبراهيم طوقان 1905 / 1941 كان له الأثر الكبير في حياتها وعلى مسيرتها الأدبية، فهو كان بمثابة الأب لها خاصة في ظل عدم اهتمام الأب بها. كان إبراهيم بالنسبة لها بمثابة مفتاح العلم، ومن خلال الوقت الذي خصصه لها، استطاعت أن تتعلم الثقافة الأدبية وتذوقت الشعر وكيفية كتابة القصيدة الشعرية وفق قواعد العروض والنحو والبلاغة. كما قدّم لها أمهات الكتب العربية خاصة في مجال الفكر والادب والشعر.
بعد أن عاد من بيروت التي درس فيها وتخرج من الجامعة، أصبح إبراهيم يهتم كثيراُ بشقيقته ويرى فيها موهبة فذة ولها مستقبل مشرق في مجال الشعر والادب. ساعدها كثيراً على تنمية موهبتها الفطرية في كتابة الشعر. لذا كان شقيقها إبراهيم الملهم الأول وصاحب الأثر الكبير في حياتها الخاصة وفي تخصصها بمجال الشعر والأدب. اللافت في الأمر أن الشابة فدوى ورغم وقوعها في الحب عدة مرات منها قصة حبها مع الشاعر المصري إبراهيم نجا، وكذلك قصة حب جمعتها بالناقد المصري أنور المعدواي، لكن أياً منها لم يتوج بالزواج.
دراستها وتوجهها الادبي
رغم أن الاسرة كانت محافظة في مجال تعليم الفتيات وترفض ذلك، لكنها في نفس الوقت تسمح للذكور بالدراسة حتى الوصول الى المرحلة الجامعية، إلا أن فدوى استطاعت بصبرها وثباتها على حبها للدراسة أن تقرأ الكتب خاصة التراث العربي والادب العالمي وكل ما يقع تحت يديها حتى الكتب الدينية من مكتبة والدها. لكتها تعمّقت بشكل كبير في دراسة الأدب العربي وقواعده من النحو والصرف وكذلك الرواية التي اندمجت معها بشكل كبير.
كان عام 1939 عاماً استثنائياً لفدوى طوقان إذ انها انتقلت مع شقيقها إبراهيم من نابلس الى القدس وهناك تعرفت من خلاله الى شعراء وادباء وساسة، كما ارتادت العديد من النوادي الأدبية والثقافية المنتشرة بكثرة في القدس. إضافة الى تعلمها الإنكليزية حيث التحقت هناك بمدرسة مسائية تابعة للطائفة المسيحية.
البدايات الشعرية والأدبية
بحكم العادات والتقاليد المحافظة التي قيّدت كثيراً من حريتها، فقد اتجهت الى النص الأدبي لتسكب ما في قلبها على الورق وقد تجلّت أولى محاولاتها عبر تنظيم الشعر الغنائي الذي كتبته عام 1934 للإذاعة الفلسطينية. وقّعت أولى قصائدها الشعرية باسم مستعار “دنانير” التي تم نشرها في العديد من الصحف مثل مرآة الشرق، الأماني اللبنانية ومجلة الرسالة المصرية. بعد فترة من النشر باسم دنانير غيّرت اسمها الى المطوقة وفي بداية اربعينيات القرن المنصرم تأثرت بشعراء المهجر كما أثر فيها كلاً من إبراهيم ناجي، وأبي القاسم الشابي. تحولت فدوى طوقان من كتابة الشعر العامودي الى الشعر الحر وبدأت بكتابة القصائد حول الذات الفلسطينية خاصة بعد نكسة 5 حزيران 1967 التي أخرجت ما بداخلها من مشاعر وجعلتها أقرب الى الواقعية السياسة منها الى الشعر الرومانسي. خلال هذه الفترة تعرفت الى شعراء كبار أمثال محمود درويش، سميح القاسم، من خلال القاص توفيق فياض. وبدأت تنشر قصائدها في “مجلة الجديد” التي كان يشرف عليها درويش والقاسم.
أبرز المؤلفات والجوائز
ألفت الكثير من الكتب والدواوين الشعرية التي تركت أثراً كبيراً في حياة الشعب الفلسطيني لدرجة أنه لقبها بأم الشعر الفلسطيني. على الرغم من عملها في العديد من المناصب والمسؤوليات آخرها أمينة سر جامعة النجاح الوطنية في نابلس، لإلا أنها لم تكن تتوقف عن العطاء. أصدرت الكثير من دواوين الشعر منها: وحدي مع الأيام 1952، وجدتها 1957، أعطني حباً 1960، أمام الباب المغلق 1967، الليل والفرسان، وعلى قمة الدنيا وحيداً 1969، تموز والشيء الآخر 1987 وأخيراً اللجن الأخير 2000.تُرجمت قصائدها الى العديد من لغات العالم منها الإنكليزية، الفرنسية، الألمانية، الروسية، التركية، الفارسية، الايطالية، والسويدية، الى جانب العبرية. من أشهر كتبها النثرية كتاب بعنوان “أخي إبراهيم” سنة 1946 وكتاب “رحلة صعبة رحلة جبلية” وهي عبارة عن سيرة ذاتية منذ ولادتها حتى العام 1967 صدر الكتاب سنة 1985 بينما كتاب “الرحلة الأصعب” سرد سيرتها الذاتية من النكسة 1967 الى الانتفاضة الأولى انتفاضة الحجارة 1987.
نالت الشاعرة فدوى طوقان العديد من الجوائز الأدبية العربية والعالمية منها جائزة الزيتونة الفضية لحوض البحر الأبيض المتوسط في إيطاليا 1978، جائزة سلطان العويس في الامارات العربية المتحدة 1989، جائزة البابطين للإبداع الشعري في الكويت 1994، وجائزة كافافيس الدولية للشعر في القاهرة 1996. وقد حصلت على وسام القدس من منظمة التحرير الفلسطينية 1990 ووسام الاستحقاق الثقافي في تونس 1996.
توقف القلب الكبير عن الخفقان
بعد صدمة وفاة شقيقها إبراهيم خلال الحرب العالمية الأولى سنة 1941، توفي والدها سنة 1948 عام النكبة، على الرغم من العلاقة الغير مألوفة ولا فيها مشاعر جياشة بينهما لمن موت الأب كان له أثر سلبي عليها. تعبت كثيراً خلال السنوات الأخيرة من عمرها حيث تعرضت الى نوبة جلطة دماغية أثرت على رؤيتها ولم تعد تستطيع القراءة ولا الكتابة الأمر الذي ضايقها كثيراً. آخر مرة رقدت فيها بالمشفى في نابلس استمر 20 يوماً في العناية المركّزة أصيبت في النهاية بهبوط حاد للقلب مما أدى الى توقفه عن الخفقان وبالتالي موتها. كان ذلك يوم الجمعة 12 كانون الأول من عام 2003. تم دفنها في مقبرة نابلس وبذلك أُسدل الستار عن حياة إمراه عانت من التنمر وهي صغيرة لكنها تحّدت كل الصعاب واستطاعت أن تترك بصمتها في هذه الحياة بعد عمر حافل بالعطاء استمر علة مدى 86 عاماً.
www.deyaralnagab.com
|