عائشة البصري: بعض المبدعات يصفن الجسد الأنثوي بعين ذكورية!!
بقلم : خلود الفلاح ... 12.11.2013
الكاتبة المغربية تراهن على قارئ ذكي يمكنه الانتقال بين مستويات الرواية دون تأفف حيث تسعى إلى خلق أبدية صغيرة لعالمها.
عائشة البصري كاتبة مغربية من مواليد سنة 1960. تحصلت على الإجازة في الأدب العربي من جامعة محمد الخامس في الرباط عام 1981. وهي عضو في بيت الشعر ونائب رئيس الجمعية الدولية للنقد الأدبي بفرنسا. في الكتابة الشعرية تسعى البصري إلى إعادة تشكيل العالم كما تقول "بأكثر إيجابية ممكنة"، وفي عالمها الروائي تبحث عن قارئ غير تقليدي همّه اكتشاف متاهاتها السردية.
فرضت عائشة البصري وجودها في الساحة الإبداعية المغربية من خلال إصداراتها الشعرية التي استخدمت فيها أربع لغات هي العربية والتركية والإسبانية والفرنسية على غرار "شرفة مطفأة" و"ليلة سريعة العطب" و"خلوة الطير" و"قنديل الشاعرة" و"عزلة الرمل" باللغة الإسبانية و"حدس الذئبة". وصدرت لها هذا العام روايتها الأولى "ليالي الحرير". "العرب" حاورت عائشة البصري سعيا منها إلى استجلاء ملامح كتابتها الإبداعية في اتصالها بمجريات الواقع المغربي والعربي.
قناع المجاز
في سؤال عن الكتابة تقول الشاعرة عائشة البصري: ببساطة لأنه ليس لي ما يكفي من الشجاعة كي أواجه الناس والحياة أختبئ وراء الكلمات لأقول ما أريد وبحرية. وتضيف البصري طقوسي في الكتابة اختلفت باختلاف مراحلي العمرية "في السنوات الأخيرة رتبت فوضاي، أصبحت أكثر صرامة، أدخل مكتبي الثامنة صباحا ولا أغادره حتى الساعة الواحدة زوالا. ولو لم يكن ببالي مشروع كتابة.
أقرأ أكثر مما أكتب. طقس جديد اكتسبته وأنا أكتب الرواية، أبدأ الكتابة بداية الفجر حتى شروق الشمس. حينها أتوقف عن كتابة الرواية وأنتقل إلى كتابات أخرى. لكن تبقى المطارات والمحطات والموانئ.. من الأماكن التي أكتب فيها بغزارة. الزحمة تعمق عزلتي الداخلية التي هي منبع كتاباتي.
بدأ اليوم الكثير من الشعراء يتجهون نحو كتابة الرواية؛ ألم يعد الشعر يلبي ذائقة عائشة البصري الأدبية؟ فكان ردها: كتابة الرواية لم تكن بالنسبة لي تكتيكا أو موضة يتبعها الشعراء حاليا كما يروّج بل كانت الرواية بكل بساطة لحظة خاصة جدا لا علاقة لها بالجو الثقافي العام وليس تحريضا لجنس أدبي ضد جنس آخر.
في لحظة ما أحسست بحاجة إلى مساحة أكبر لأكتب شهادة صريحة عن الحياة أو بالأحرى لأوصل إلى القارئ خلاصة حياة. كثيرا ما نختبئ نحن الشاعرات خلف قناع المجاز نكتفي بإيحاءات الشعر، دون أن نجرؤ على عري الكلام.
وتضيف عائشة: أو ربما – كما قيل- حين يرفضنا الواقع أو يصبح من الصعب أن نتكيف معه نبحث عن انتماء ما في الرواية، نخلق شخصيات ونجعل منها آباء وأخوالا وأعماما وإخوة وأحبة وكذلك أعداء.. نبني فضاءات نسكنها، شوارع وأحياء ومدنا نفترضها. لكنني في الأول والأخير أظل شاعرة -إن سمح لي النقاد بذلك- وأنتصر للشعر. وربما قد تكون ليالي الحرير مجرد قيلولة شاعرة.
ترويض الموت
وعن روايتها الجديدة "ليالي الحرير" سألتها: هنا يتقاطع عالمي "الموتى والأحياء" بسلاسة بحثا عن أجوبة لسؤال الحياة. فكان ردها: في الفصل الأخير من الرواية وخلال حوار يدور بين شخصيتين في مقبرة مونبارناس يقول خوان الشخصية شبه الرئيسية: "الموت ليس وجودا آخر، بل هو مجرد عبور إلى وجود ثالث، لا يمكن أن نسميه حياة ولا موتا، لأنه المجهول. ليس هناك شيء نهائي، لا الحياة ولا الموت ولا حتى ما بعد الموت.
لقد جهدت الديانات، قدر المستطاع، لإعطاء تفسيرات وأسماء لذلك الوجود الثالث، لطمأنة النفس البشرية القلقة"، وتضيف عائشة البصري: بشكل ما الرواية هي محاولة ترويض للموت بل الاستئناس به عبر جعله شيئا بديهيا لا يستحق منا كل هذا الرعب.
الرواية مركبة ومبنية على ثلاثة عناصر: عنصر الواقع وعنصر الحلم الذي تنشأ فيه أجزاء مهمة من الرواية، وعنصر ثالث هو الغيبوبة، البرزخ الذي يربط بين عالم الموتى وعالم الأحياء. وكما أشرت تتنقل الساردة بينها بسلاسة بحثا عن أجوبة لم تجدها في الحياة فسعت إليها في الموت.
فالشخصيات كلها ميتة بما فيها الساردة التي لا تعي موتها. بل حتى الروائية التي من المفروض أن تكون عالمة بكل شيء في هذا الفضاء الروائي نجدها في فقرات كثيرة ليس لديها اليقين بموت أو حياة الساردة؛ وهذه متاهة أخرى للقارئ العادي.
رهان جمالي
بطبيعة الحال حافظت بل استفدت من تقنيات الكتابة الشعرية. فجاءت اللغة مكثفة تتجاوز الإخبار إلى آفاق المجاز، دون الإغراق فيه -طبعا- حتى لا يخل بتسلسل السرد وحيويته، وهي صيغة صعبة، في هذا السياق كتب بعض النقاد "إن اللغة مع تقنيات أخرى شديدة البلاغة والتجريب تلعب دور البطل في ليالي الحرير". إضافة إلى قارئ عرفني كشاعرة، راهنت على قارئ ذكي ومتخصص، يمكنه الانتقال بين مستويات الرواية دون تأفف، قارئ غير تقليدي يمكنه تقبل اقتراحاتي الجمالية بل قارئ ذو ذوق خاص مغرم بالسفر في المتاهات السردية.
لأن طموحي الروائي صغير، بغض النظر عن ثراء الموضوع الذي سأكتب عنه، كان رهاني جماليا وتقنيا بالأساس، أي كيف سأكتب وليس فقط الموضوع الذي سأكتب عنه؛ وهذا ما أتمنى أن ينتبه إليه ويهتمّ به القارئ.
بوح المرأة
وبسؤالي كيف تقيّم تجربة الشاعرات العربيات اليوم من حيث هل أصبح لها ملامح تميزها قالت: من الذكاء أنك لم تقولي "الشعر النسائي" لأن هذا التصنيف في حد ذاته تضييق على النص الإبداعي أكثر مما هو تصنيف ذكوري لكل ما يصدر عن المرأة، ليس هناك شعر رجالي وشعر نسائي، لا أؤمن بهذا التصنيف – بصدق – على الرغم من وجود بعض الخصوصيات للكتابة النسائية عموما تخص المضمون لا الشكل إذ لم تبلور الكتابة النسائية جنسا أو منهجا جديدا للكتابة، الكتابة هي فعل إنساني مشترك بين الرجل والمرأة تخضع لقوانين وضوابط مشتركة، المرأة الشاعرة كالرجل تحمل همّ الكتابة بكل تجلياتها ومرجعياتها، حتى الكتابة عن الجسد – نقطة الاختلاف الهشة – نجد بعض المبدعات يصفن الجسد الأنثوي بعين ذكورية.
لكن حين نتحدث عن تجربة شاعرات عربيات يحيلنا السؤال على الجرح النازف: كم تملك المرأة العربية من مساحة حرية للبوح؟ إن تحديد تلك المساحة هو الذي يحدد مدى النضج والاكتمال الذي ستبلغه أو بلغته تجربتها الشعرية، وبما أن الشعر هو أكثر الفنون التعبيرية حميمية والتصاقا بالذات، فهو انكشاف الذات على الآخر بكل انفعالاتها: غضب، حب، حزن، فرح، يصبح الجسد في قفص الاتهام بدل النص "القصيدة" فتهرب المبدعة نحو الغموض والطرق الملتوية للتعبير عن أشياء بسيطة وعادية.
كل هذا لم يمنع من تألق أسماء وتجارب نسائية في السنوات الأخيرة، وقد استطاعت هذه الأسماء أن تخلق تراكما نوعيا ملحوظا؛ وأهمّ ما يميز الشاعرات العربيات الآن هو هذه العودة للذات، الكتابة عن اليومي والعادي وعن المشاكل الصغيرة والهامشية في حيواتهن، وهذه العودة في ظني هي محاولة لتحصين الذات من واقع فقد توازناته السياسية والاجتماعية والثقافية.
قلق الشعر
لم أفتح صفحتي على الفايسبوك إلا مؤخرا، وبإلحاح من بناتي. الواقع أنه لا مودة بيني وبين العالم الإلكتروني، ما زلت حتى الآن أخطئ استعمال بعض التقنيات كما أن الفايسبوك يهدر الوقت إذا لم نقنن استعماله في حياتنا. لكنه يبقى وسيلة مهمة للتواصل بين الأصدقاء ومتابعة الأخبار.
(لا أحب الموت/ ولا تستهويني الحياة/ فهي لي يا الله/ رقعة شفيفة من السماء/ لأواري هذا المابيْن) هذا المقطع من كتاب "خلوة الطير" في هذا الديوان الكثير من التضادات كالموت والحياة، الحب والانتهاء، هناك نفس فلسفي، وتكثيف للجملة.. هل تبحثين في الشعر عن حياة أخرى مثلا؟ هنا تقول الشاعرة عائشة البصري: أولا العالم كله مبني على هذا التضاد، والصراع بينها بدأ منذ الأزل ولا يزال. القصيدة التي سُقتِها بحث عن المابيْن، والذي هو المستحيل.
سؤال الموت والحياة من الأسئلة الوجودية الناتجة عن ذلك القلق الوجودي الفطري والذي ضخمه حضور الموت من حولي أكثر من الحياة. لكنني أحاول أن أحوّل هذا القلق الوجودي الذاتي إلى قلق منتج شعريا وإنسانيا. فهل استطعت؟ هل أستطيع؟ وتضيف عائشة: الشعر هو بحدّ ذاته حيوات أخرى معيشة أو مفترضة. مبتغاي من الشعر أن أخلق أبدية صغيرة؛ أثرا يذكرني.
وبسؤالي، الملاحظ أن دواوينك يجمعها حزن وانكسار؟ فكان ردّها: إننا نكتب عن العالم المحيط بنا. وعالمنا كما تعرفين فيه ما يكفي من الألم والدم والحروب والمآسي والخيانات.. لكي نحزن وننكسر ونكتئب. ليس بالضرورة أن يكون الحزن والانكسار شخصيا. وأضافت: الكتابة الشعرية هي إعادة تشكيل العالم لغويا بأكثر إيجابية ممكنة.
الشاعر الحاذق المؤمن برسالة القصيدة، هو من يمتلك القدرة على التحكم في انفعالاته السلبية حتى لا تتسرب وتسمّم فضاء القصيدة، حتى ولو كانت الأحداث اليومية تأكيدا للايقين واللاحب واللاثبات. حتى حين يرفض العالم نفسه إعادة التشكل وينغلق أمام إيجابية اللغة. هذا ما حاولته طيلة سنوات لكنني لم أستطع أن أتخلص تماما من سوداوية اللغة، وحتى في الرواية. المصدر :العرب
www.deyaralnagab.com
|