"أم عاصف" تحدٍّ وصمود فوق الرّكام رغم الآلام!!
بقلم : الديار ... 08.03.2019 فوق ركام منزل ابنها الأسير عاصم الذي هدمه الاحتلال فجر الخميس، في بلدة كوبر شمال رام الله، وقفت السيدة سهير البرغوثي "أم عاصف" غير آبهة بهدم منزل فلذة كبدها، كي لا تسمح لهم بـ "كسر عزيمتها" كما تقول.
تقول أم عاصف في حديثها لـ "القدس" إنّ الاحتلال يحاول كسر إرادة المرأة الفلسطينية، لكنّه لن ينجح. مشيرة بسبّبابتها إلى المنزل المهدوم وهي تقول:"هدموه بس مش رح يهدمونا"، وتضيف: "هم يريدون قهري وكان بإمكانهم هدم المنزل وأنا معتقلة لكنهم وبعد يومين من الإفراج عني جاؤوا وهدموه.. لن يقهرونني، لن يهدموا عزيمتي فشروا، وسوف نبني منزلًا أفضل منه".
وكانت قوات الاحتلال اعتقلت "أم عاصف"، لمدة شهر وأفرجت عنها قبل أيام، وأخطرتها قبل اعتقالها بإبعادها إلى مدينة أريحا، ضمن سياسة الانتقام الذي تمارسه إسرائيل ضدّ عائلة عمر البرغوثي.
وكانت جرافات الاحتلال سوت فجر الخميس، منزل عاصم البالغة مساحته 270 مترًا مربعًا، بالأرض، بعد نحو شهر على رفض الالتماس المقدّم من العائلة. وأخطر الاحتلال العائلة شفويًا بنيّته هدم منزل الشهيد صالح البرغوثي ومنزل والده الأسير عمر خلال الأيام المقبلة. وأعاد الاحتلال الليلة الماضية مصادرة مركبة لعمر البرغوثي كان قد صادرها سابقًا، وتمكنت العائلة من استرجاعها بعد دفع مبلغ نحو 5 آلاف دولار، لكن الاحتلال صادرها مرة أخرى.
ووفقًا لشهود عيان، فإنّ الاحتلال اقتحم قرية كوبر بأكثر من 40 آلية عسكرية بينها جرافات، وهدم منزل عاصم إضافة لجدار استنادي يحيط بالبيت، واستمرّت العملية نحو ستّ ساعات.
وخلال هدم منزل عاصم كانت تكبيرات الأهالي وصرخات حناجرهم التي تمجّد عائلة "أبو عاصف" تعلو على أصوات الجرافات، وبعد انسحاب قوات الاحتلال انطلق الأهالي بمسيرة تجاه منزل عاصم للتأكيد على وقوفهم مع العائلة الصامدة في وجه الاستهداف والعقوبات الإسرائيلية.
عقوبات جماعية بحق عائلة عمر البرغوثي "أبو عاصف"
فمنذ أن اغتالت قوات الاحتلال الشاب صالح نجل الأسير عمر البرغوثي في كانون أول 2018، شرعت إسرائيل بسلسلة عقوبات جماعية بحق العائلة، بعد اتهام صالح وعاصم بتنفيذ عملية إطلاق نار قرب مستوطنتي "عوفرا" و"جفعات أساف".
وبعد ساعتين من إصابة صالح من قبل وحدات خاصة إسرائيلية قرب قرية سردا شمال رام الله أثناء عودته من عمله كسائق عمومي والإعلان لاحقًا عن استشهاده، اقتحمت قوات الاحتلال منزل عمر البرغوثي الأسير الذي اعتقل عدمة مرات بلغت بمجموعها نحو 28 سنة، واعتقلت "أبو عاصف" وعددًا من أقربائه.
واعتقلت إسرآئيل أكثر من 40 فردًا من عائلة البرغوثي، بينهم والدا عاصم وصالح، وزوجة عاصم وشقيقيه عاصف ومحمد، وشهدت كوبر سلسلة اقتحامات يومية وتنفيذ عمليات اعتقال وتفتيش منازل بحثًا عن عاصم.
وكانت العائلة تقدمت عبر مؤسسة "هموكيد الإسرائيلية"بالتماس ضد هدم منزلها، لكن سلطات الاحتلال رفضت الالتماس، إلى أن تم إبلاغه العائلة بهدم منزلها وتم هدم منزل عاصم فجر أمس، والإبلاغ بهدم منزلي "أبو عاصف" ونجله صالح خلال الأيام المقبلة.
واعتقلت قوات الاحتلال قبل نحو شهرين عاصم البرغوثي بعد نحو شهر من مطاردته بتهمة تنفيذ عمليتي إطلاق نار قرب مستوطنتي "عوفرا" و"جفعات آساف" في شهر كانون أول 2018، حيث قتل جنديان إسرائيليان وأصيب عدد من الإسرائيليين.
ذكريات الطفولة تحت الركام!
لم تكُفْ الطفلة سهير عاصف البرغوثي (12 عامًا)، ابنة شقيق الشهيد صالح عمر البرغوثي عن الدعاء ردًا منها على هدم قوات الاحتلال الإسرائيلي لمنزل عمها الأسير عاصم، والتهديد بهدم منزل عمها الشهيد صالح، والاصرار على إعادة بناء البيت "الله يهدهم وإذا هدوه بنبني أحلا منه"،
أما الطفلة مجدل هادي فخري البرغوثي ابنة شقيقة الشهيد صالح (11 عامًا) وهي من بين اثني عشر حفيدًا لوالد الشهيد صالح، كان والدها قد أسماها باسم أول سجن اعتقل فيه جدها الأسير المحرر فخري في نهاية سبعينيات القرن الماضي. كانت مجدل تقف داخل منزل خالها صالح الملاصق لمنزل جدها الأسير عمر، والمخطرين بالهدم من قوات الاحتلال، وتردد " راح نبنيه كمان طوبة طوبة وحجر بحجر"، وتقول لـ"القدس"دوت كوم: "اعتقلوا الكل، وأنا بشتاقلهم كثير، كانوا يعاملوني بحنان وكانوا يجيبولنا أشياء كثيرة ويلعبونا، والهم ذكريات كثيرة".
بالنسبة للشابة إقبال، ابنة الأسير عمر البرغوثي، فإن منزل شقيقها صالح المخطر بالهدم، ملاصق لمنزل والدها، كان صالح قد سكن في منزل جده لأبيه، فلكل جدار وزاوية في المنزل قصة مليئة بالذكريات لشقيقها الشهيد صالح ولعائلتها. وتقول إقبال لـ"القدس"دوت كوم: " لن نأسف على الذكريات بعد أن رحل الغوالي على قلبي".
وتوضح إقبال، أن كل ما يجري بحق أسرتها يأتي ضمن سياسة الحقد والانتقام الجماعي، صحيح أن العائلة اعتادت على اقتحامات جنود الاحتلال منذ سنوات طويلة، لكنها المرة الأولى التي يتعاملون فيها بكل هذه الوحشية بحق عائلتنا. وتقول: "حينما كان جنود الاحتلال يقتحمون منزل والدي بعد اغتيال صالح، كنا نفتح لهم الباب، لكنهم يرفضون ويطلبون منا إغلاقه، ليقوموا بتكسير الباب، أو تفجيره، فهمجيتهم وانتقامهم يدلل على نقمتهم على العائلة".
بعد استشهاد شقيقها صالح واعتقال جميع أشقائها، كانت إقبال وقريباتها يتبادلن المبيت لدى والدتها سهير، التي كانت ترفض المبيت خارج منزلها، لكن جنود الاحتلال أكملوا مشهد اعتقال العائلة جميعها، فتم الافراج عنها بعد نحو شهر من اعتقالها، ما زاد معاناة العائلة وأظهر حجم الانتقام الذي يمارس بحقها إذ تقول إقبال: "لقد شهدت اعتقال إخوتي ووالدي، ولم أتمكن من العيش مع والدي سوى عشر سنوات، حرمنا من لحظاتنا السعيدة والحزينة معه، لكن ما نعيشه الآن أصعب مرحلة، لقد أصبحنا نرى الاعتقال أمرًا عاديًا بعد استشهاد صالح".
ولم يكن سهلًا بالنسبة لحنان، شقيقة الأسير عمر، ما يجري بحق عائلة شقيقها من انتقام وتقول: "كان البيت عامرًا، ونعيش بطمأنينة، أبناء شقيقي عمر يعيشون حياتهم الطبيعية، صالح يعمل في مكتب تكسي، وعاصم تزوج منذ عدة أشهر ولا زلنا نحتفل به عريسًا جديدًا، وفجأة وما بين عشيّة وضحاها، أصبح صالح شهيدًا وجميع عائلة عمر في سجون الاحتلال، إن هذا أمر مؤلم، هذا ظلم وعقاب جماعي على جميع أفراد الأسرة، وسياستهم تجعل من لا يفكر بالانتقام أن ينتقم".
حنان، التي كبرت وتزوجت وتزوج أبناؤها، كان شقيقاها عمر ونائل داخل سجون الاحتلال، لها ذكريات كثيرة في منزل الشهيد صالح، لقد كان منزلًا لجد صالح، قبل أن يكبر صالح الحفيد ويتزوج ويعيش فيه، "كل ذكرياتي فيه، هنا أحلامي وطفولتي بين أمي وأبي، هو منزلنا وحياتنا، تاريخنا مكتوب على كل زاوية من زواياه".
سنبنيه حجرًا حجرًا.. رحل الغالي ولا أسف على رخيص
والدة "أم عاصف"، المسنة هناء البرغوثي "أم لطفي" والبالغة من العمر (77 عامًا)، هي أم لثلاثة أسرى إضافة إلى ابنتها سهير التي اعتقلت واثنين من أشقائها في ذات اليوم، ولديها ابن مبعد إلى غزة بعد تحرره في صفقة "وفاء الأحرار" عام 2011، تؤكد في حديثها لـ"القدس" دوت كوم، أن هدم الاحتلال لمنازل أحفادها، لن يثني العائلة عن بنائها من جديد. وتقول: "غصبًا عنهم ستبنى المنازل حجرًا حجرًا وطوبة طوبة، كما بنيت أول مرة، حتى لو كان هدم المنازل صعبًا علينا فإننا سنبنيها".
وتشدد "أم لطفي" على أن ما حدث مع عائلة ابنتها سهير هو انتقام وسياسة عقاب جماعي، "لم يتركوا عاصم بحاله واستدعوه بعد اعتقال استمر 12 عامًا، رغم أنه خرج من السجن وبدأ يبني حياته كأي شاب، ثم قتلوا شقيقه صالح، فماذا يتوقعون؟".
ويؤكد هادي فخري البرغوثي وهو زوج شقيقة الشهيد صالح، أن حياة العائلة لم تعد طبيعية بعد استشهاد صالح واعتقال جميع أفرادها، "في كل يوم تحدث تطورات وأحداث متسارعة، حينما يقتحم جنود الاحتلال كوبر، نترقب ماذا يمكن أن يحدث، فننتظر الهدم أو اعتقال أحد، لقد اعتقلوا العشرات من أبناء العائلة، منذ استشهاد صالح، وبقي 20 معتقلا".
ويشير هادي وهو أسير سابق في سجون الاحتلال إلى أن عائلة "أبو عاصف" اضطرت لإخلاء منزلي عاصم وصالح تحسّبا لهدمهما في أي لحظة، "لقد أشرفت على تصميم وبناء منزل عاصم، وفرغته بيدي، صحيح أن المنزل خسارة، لكن الغالي رحل ولا أسف على أي شيء رخيص".
في منزله الذي يفترش كبد الوادي في قرية كوبر، لم يكمل عاصم السكن في منزله الجديد المزين ببهجة الزفاف لعريس جديد، سوى عدة أشهر بعد زواجه والإفراج عنه من سجون الاحتلال عقب اعتقال استمر نحو 12 عامًا، لقد أفرج عنه في شهر نيسان 2018 وتزوج في شهر تموز من ذات العام، وطورد في شهر كانون أول 2018، واعتقل في شهر كانون ثان 2019.
كان عاصم يبلغ من العمر 18 عامًا حين اعتقاله، لمدة عام ونصف عاش جزءًا منها مع عمه الأسير نائل داخل سجون الاحتلال والذي كان قد أمضى حينها بشكل متواصل 29 عامًا، وحينما أفرج الاحتلال عن عاصم لم يمكث في الخارج سوى 45 يومًا، واعتقل مرة أخرى بتهمة التخطيط لخطف جندي إسرائيلي لمبادلته بأسرى، لقد مكث عاصم في الاعتقال 12 سنة، وأفرج عنه في شهر نيسان من العام الماضي، إلى أن طورد واعتقل مرة أخرى.
الأهالي: عائلة أبو عاصف فخرٌ وألم
ويفخر أهالي كوبر بعائلة "أبو عاصف" وتضحياتها، لكن ما يجري بحق العائلة من ألم وعقوبات جماعية طالت الأسرة جميعها، إذ يرى فيه مقبل البرغوثي "أبو حكيم"، شقيق الأسير القيادي في حركة فتح مروان البرغوثي وابن عمومية "أبو عاصف"، أنه صعب ومأساوي، "صحيح أن ما يجري بحق العائلة بطولة وفخر، لكنها تدفع ثمنًا باهظًا لتضحياتها".
ويوضح "أبو حكيم" أن العائلة كانت هانئة بزفاف ابنها عاصم، لكن الفرح لم يدم سوى أربعة أشهر، وحدث ما حدث، فاستشهد صالح ثم طورد عاصم وما تخلل ذلك من سلسلة مداهمات لاستهدافه إلى حين اعتقاله، والإخطار بهدم منزلي عاصم وصالح ووالدهما. ويقول أبو حكيم: "لقد عرفنا من الإعلام أن عاصم مصاب برجله، وأنه معتقل وعلى قيد الحياة، فيكفي العائلة ما اصابها من ألم باستشهاد صالح".
يرى "أبو حكيم" ان العقاب الجماعي بحق العائلة فاق التوقعات، وهو جزء من الدعاية الانتخابية الإسرائيلية على حساب قهر الناس وتدفيعهم ثمنًا كبيرًا، "هناك جنون في العقلية الإجرامية يمارس ضد هذه العائلة، لقد فتح الاحتلال الحساب الكامل مع أبو عاصف، حينما أخبره ضابط الاحتلال أمام الجميع وخلال اقتحام منزله بعد ساعتين على إصابة صالح، (قتلنا لك صالح وستدفعون الثمن جميعكم)، لقد أراد الاحتلال في هذه المرة أن يصفي حساباته مع أبو عاصف الرجل الستيني، لإيلامه، بعد مسيرة استمرت 40 عامًا أمضى منها أكثر من 25 عامًا داخل سجون الاحتلال".
ويؤكد د. عقل طقز من كوبر، أن جميع أهالي كوبر والقرى المجاورة يقفون مع "أبو عاصف" في محنته، وأن التضامن مع العائلات التي تعاني من نكبات أو مآس موجود، وحينما يهدم الاحتلال منزلًا فإن الناس تتضامن مع أصحابها، "التضامن في كوبر موجود وسيبقى".
أما موفق البرغوثي من كوبر، فيشدد على أن الأهالي يتضامنون مع العائلات التي يستهدفها الاحتلال، لكنهم لا يستطيعون فعل شيء غير التضامن المعنوي، وفي حال هدم الاحتلال منزل "أبو عاصف وأبنائه، فإن أهالي كوبر يتفاعلون مع هكذا حدث، وسيتم بناء ما تهدّم. المصدر : القدس"دوت كوم"...فلسطين
www.deyaralnagab.com
|