الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أمام لحظة الحقيقة البيئية!!
بقلم : الديار ... 28.04.2021 **حرارة في العراق وجفاف في بلاد الشام وتآكل السواحل مسائل لا تحتمل الانتظار.
لم يبق أمام حكومات دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بدّ إلا الاهتمام بحجم الكوارث المناخية التي تزداد يوما بعد آخر والبحث عن حلول جديدة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، خاصة وأن الحلول ممكنة إذا ما اهتمت هذه الحكومات فعلا بالقضايا البيئية.
واشنطن - تعد منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ساحة معركة حاسمة في النضال العالمي لاحتواء الضرر الذي يلحقه تغير المناخ، لكن الوقت ينفد بسرعة أمام دول هذه المنطقة لاتخاذ إجراءات متضافرة.
وصاغت آيات سليمان في ندوة عبر الإنترنت في 19 أبريل برعاية معهد الشرق الأوسط بواشنطن الموقف في جملة “تقف منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على مفترق طرق”.
وكانت سليمان تتحدث عن أزمة المناخ في المنطقة، فالجفاف وارتفاع منسوب مياه البحر وارتفاع درجات الحرارة وضعت الشرق الأوسط على أعتاب كارثة مناخية. وقالت إنه عندما يتعلق الأمر بتجنب تلك الكارثة، تظهر المنطقة “مستوى للاستعداد والمرونة ضعيفا للغاية”.
تتحدث سليمان من موقع سلطة، فهي مديرة البنك الدولي للتنمية المستدامة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حيث تدير محفظة استثمارات بقيمة 5.2 مليار دولار أميركي في قطاعات التنمية الحضرية والاجتماعية والزراعة والمياه والبيئة.
وأشار تقرير صادر عن البنك الدولي بإيجاز وبشكل قاطع في عام 2017 “يؤثر تغير المناخ بالفعل على العالم العربي بطرق وخيمة.
الأدلة على تغير المناخ يراها الجميع من فيضانات جدة وجفاف بلاد الشام وتآكل السواحل إلى حرارة العراق غير المحتملة
سيؤدي ذلك إلى انتشار الحرارة الشديدة عبر المزيد من الأراضي لفترات زمنية أطول، مما يجعل بعض المناطق غير صالحة للعيش ويقلل من مناطق الزراعة. ستشعر المدن بتأثير الجزر الحرارية المتزايدة وقد تواجه معظم العواصم في الشرق الأوسط أربعة أشهر من الأيام شديدة الحرارة كل عام. سيؤدي ارتفاع درجات الحرارة إلى فرض ضغوط شديدة على المحاصيل والموارد المائية الشحيحة بالفعل، مما قد يؤدي إلى زيادة الهجرة وظهور مخاطر الصراع”.
وحددت سليمان بعض العلامات التحذيرية، منها ارتفاع درجات الحرارة بنحو 5 درجات مئوية بحلول نهاية القرن، وفي العراق، وهو بالفعل أحد أكثر الأماكن حرارة على وجه الأرض، ويمكن أن يصل ارتفاع درجة الحرارة إلى 8 درجات مئوية، وتراجع بنسبة 40 في المئة في هطول الأمطار في المرتفعات المغربية، وهي المنطقة الزراعية الخصبة في المملكة، وتآكل السواحل على طول البحر المتوسط، و60 في المئة من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تعاني من الإجهاد المائي الشديد.
ثم جاءت جائحة كورونا، إلى جانب أزمة المناخ، التي تمثل “ضربة مزدوجة” في ظل تداعي البنية التحتية للرعاية الصحية التي تعاني من نقص الموارد في العديد من الدول والمجموعات الضعيفة الأكثر تضررا.
واستشهدت سليمان بالعراق وليبيا كدولتين “معرضتين للخطر، وأنهما أقل استعدادا”.
واستشهد المستشار البيئي المصري عمر العريني، المحاور الثاني، بعدة حالات أدى فيها الفشل في الامتثال باستمرار إلى إفساد الجهود الرامية إلى استجابة متعددة الأطراف لتغير المناخ. وشغل العريني منصب المسؤول الأول للصندوق متعدد الأطراف لتنفيذ بروتوكول مونتريال من 1991 إلى 2003.
وقال إن “اتفاقيات المناخ تعقد اجتماعات كثيرة” لا يتحقق منها سوى القليل مع استمرار تدهور الوضع بوتيرة متسارعة.
واستشهد العريني بالاتفاقية الوحيدة التي نجحت بين جميع البروتوكولات المناخية والبيئية المختلفة، من بينها اتفاقية ريو لعام 1992 وبروتوكول كيوتو لعام 1997 واتفاقية باريس 2015، وهي بروتوكول مونتريال لعام 1987 بشأن حماية وإصلاح طبقة الأوزون. وحقق هذا البروتوكول وحده درجة معقولة من النجاح.
ويرى العريني أن هذا يرجع إلى “العلم واليقين، والأهم من ذلك أنه كان هناك اتفاق من جميع الدول المشاركة على الامتثال”.
وقال العريني “قالت الدول المتقدمة (للدول النامية) إننا سندعمكم. استغرق بناء الثقة خمس سنوات ولكن بعد ذلك عملت كالساعة. لا نرى هذا في نظام تغير المناخ”.
وتحدثت سليمان عن التحديات، أيضا، من خلال الانتقال إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا المستدامة بيئيا التي يمكنها حماية رفاهية السكان الذين يتزايد عددهم بوتيرة متسارعة.
وتواجه المنطقة قيودا على البنية التحتية المالية والمادية بالإضافة إلى قضايا الحكم الرشيد والشفافية.
وفي محاولة للمساعدة في مواجهة التحديات، قالت سليمان إن 35 في المئة من تمويل البنك الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا “تذهب إلى أهداف المناخ”.
وأشارت سليمان إلى استراتيجية انتقالية ذات أربع ركائز، الأمن الغذائي وإدارة المياه، وانتقال الطاقة من الوقود الأحفوري إلى البدائل الخضراء، والمدن القادرة على التكيف مع المناخ والتي يمكن أن تمكن السكان من تحمل ارتفاع درجات الحرارة، قائلة “لا يمكننا انتظار حدوث الكارثة قبل أن نتحرك”، وهياكل الحوكمة التي تعزز الشفافية وتأمين الاستثمار الأجنبي المباشر وتشجع القطاع الخاص والمؤسسات المالية العالمية على الاستثمار في التحول الأخضر.
ووافق العريني على ذلك، ودعا إلى تبني نقلة نوعية شاملة بقوله “لسنا بحاجة إلى الانتظار، لدينا الوسائل والتمويل. يجب أن تشمل التعددية المؤسسات المالية والقطاع الخاص. ليست لدي أي فكرة عن المدة التي سيستغرقها هذا ولكنني متفائل”.
وما أسماه “جشع رأس المال الكبير لتحقيق المزيد والسيطرة” من شأنه أن يؤدي إلى حدوث كارثة مناخية “ما لم نضع حدا لعقيدة الهيمنة، فكلنا محكوم عليه بالفناء. نحن بحاجة إلى نظام جديد متعدد الأطراف، ونقلة نوعية وعلينا أن نفعل ذلك الآن”.
التحذير كان واضحا. إن الأدلة على تغير المناخ في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا موجودة ليراها الجميع من الفيضانات المميتة في جدة، إلى أسوأ جفاف في بلاد الشام منذ 900 عام، إلى مدينة الإسكندرية الغارقة، وفي بعض الأحيان حرارة العراق غير المحتملة كما حدث في يوليو الماضي. وسجلت درجة الحرارة في بغداد العام الماضي رقما قياسيا قدره 51.8 درجة مئوية.
ومع الحروب في اليمن وسوريا، وسلام غير مؤكد في ليبيا، واقتصاد مدمر وشلل حكومي في لبنان، وأزمة اقتصادية مزدهرة في الأردن، ووباء كورونا والتحديات المستمرة في كل مكان آخر، بما في ذلك التهديد الإيراني والتعنت الإسرائيلي تجاه فلسطين، فإن التعددية التي دعا إليها العريني سيكون من الصعب تحقيقها. ومع ذلك، يجب على المنطقة العمل عليها وبسرعة. لا يوجد خيار آخر، إذا أرادت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تجنب حدوث كارثة بيئية.
www.deyaralnagab.com
|