تفاقم ظاهرة العنف الأسري في لبنان بعد تدهور الأوضاع المعيشية وتفشي جائحة كورونا!!
بقلم : الديار ... 13.06.2021 أعربت منظمات حقوقية لبنانية ودولية، عن قلقلها الشديد بسبب ارتفاع معدل العنف الأسرى خلال الأشهر الأخيرة في لبنان، بنسبة تزيد عن 50 في المئة، بعد تدهور الأوضاع الاقتصادية وانهيار العملة الوطنية وتفشي وباء كورونا «كوفيد- 19».
وحذرت من احتمال أن يتحول هذا العنف المنزلي الذي يستهدف النساء والأطفال، إلى ظاهرة تهدد مستقبل العلاقات الاجتماعية والتماسك الأسري في بلد يتعرض لحالة انهيار شاملة.
ولا يكاد يمضي يوم أو أسبوع إلا ويبلغ فيه عن جرائم عنف أسري وخاصة العنف ضد المرأة والطفل، ترتكب في مختلف المناطق اللبنانية، رجل يقتل زوجته بآلة حادة تارة، وتارة أخرى أم تضرب طفلها بشكل مؤذ، وأحيانا يبلغ عن إمرأة تتعرض للضرب المبرح من طليقها.
العنف الأسري، هو نمط من السلوكيات المسيئة والقسرية، ويشمل ذلك الاعتداء الجسدي، والجنسي والنفسي، وكذلك القسر الاقتصادي، الذي يمارسه البالغون أو المراهقون ضد شركائهم الحميميين.
والعنف الأسري ليس حدثا معزولاً أو حدثا فرديا، بل نمطا لتكتيكات متعددة وأحداث متكررة. بخلاف العنف بين الغرباء، تتكرر اعتداءات العنف الأسري ضد الضحية نفسها من قبل المرتكبين نفسهم.
لا شك بأن الانهيار الاقتصادي والمالي حاد الذي يتعرض له لبنان، بالتزامن مع تفشي لافت لفيروس كورونا، أدى إلى ارتفاع معدلات العنف ضد المرأة والطفل، نتيجة الضائقة المالية، والعجز والحجر الصحي والتزام المنازل، وغيرها من العوامل، حسبما أعلنت دراسة حديثة أجرتها الأمم المتحدة في بيروت.
*التعنيف الاقتصادي والنفسي
الدراسة، التي شارك فيها أكثر من 16 ألف شخص من الجنسين، توصلت إلى أن نصف المشاركات تعرضن للعنف من أزواجهن بعد انهيار العملة الوطنية اللبنانية، وتفشي فيروس كورونا، وأن أقل من 40 في المئة منهن طلبن المساعدة أو أبلغن عن الجريمة.
وأظهرت الأرقام الرسمية في لبنان ارتفاعاً كبيراً في نسب البلاغات المرتبطة بالعنف الأسري، ووصلت إلى معدل مرتفع نتيجة ذكورية المجتمع الذي يعاني حالياً من أزمة اقتصادية وتفشي وباء قاتل عجزت الدولة عن السيطرة عليه.
وفي السياق، حذر المتخصص في علم النفس الدكتور وليد عساف، من تفاقم معدل العنف المنزلي، وأفاد أن تفاقم هذه الإصابات نتجت عن الخنق والطعن والحروق أو استخدام السكاكين والبنادق. وشدد على أن التباعُد الاجتماعي أثبت فاعليته في السيطرة على انتشار فيروس كورونا المستجد، ولكن كانت له آثار اجتماعية واقتصادية ونفسية سلبية، منها زيادة معدل اضطرابات الصحة العقلية.
وأكد الدكتور عساف لـ»القدس العربي» أن دول شرق البحر المتوسط، تأتي في المرتبة الثانية على مستوى العالم من حيث انتشار العنف ضد المرأة (37 في المئة) وأن هناك زيادةً في حالات العنف خلال الجائحة بنسبة تتراوح من 50 في المئة إلى 60 في المئة بناءً على مكالمات الاستغاثة التي تُجريها النساء عبر الخطوط الساخنة لمنظمات المرأة.
لافتا إلى أن دول شرق البحر المتوسط، تواجه العديد من حالات الطوارئ الإنسانية أكثر من أي مكان آخر في العالم، وفيه عددٌ هائلٌ من اللاجئين والسكان النازحين داخليًّا، بسبب الحروب الأهلية والأزمات السياسية والانهيارات الاقتصادية وعدم الاستقرار الاجتماعي.
ورغم أن السلطات اللبنانية أقرت في نيسان/إبريل من العام 2014 قانون العنف الأسري ليكون الأول في لبنان بهذا الصدد، إلا أن جمعيات حقوقية اعتبرت أن هذا القرار لم يعالج قضايا أساسية كالاغتصاب الزوجي والتعنيف الاقتصادي والنفسي. فقد أعلن رئيس شعبة العلاقات العامة في قوى الأمن الداخلي اللبناني العقيد جوزيف مسلم أن نسبة ارتفاع العنف الأسري وصلت إلى 96.5 في المئة خلال فترة كورونا. واعتبرت الدكتورة سميرة ملاط عضو مركز دعم المرأة اللبنانية، أن هذه النسبة مرتفعة وحذرت من ارتفاعها مع القادم من الأيام.
وأكدت ملاط لـ»القدس العربي» أن هناك أسبابا كثيرة لازدياد حالات العنف الأسري في لبنان، لاسيما أن تردي الوضع الاقتصادي وارتفاع حالات العجز والفقر تؤدي إلى توتر كبير ضمن العائلة، لافتة إلى أن المفاهيم الذكورية هي السبب الأول لارتفاع العنف الأسري، وجاءت جائحة كورونا لتزيد الطين بلة نتيجة حجر العائلة في المنزل ما زاد نسبة العنف التي كانت موجودة في القبل ولكن تصاعدت أكثر خلال هذه الفترة.
ورأت أن الخط الساخن للتبليغ عن حالات العنف المنزلي، والإحصاءات التي تجريها المنظمات أو قوى الأمن الداخلي اللبناني، ساهما في إظهار هذا العنف إلى العلن، رغم وجوده سابقاً.
وذكّرت بإعلان «القضاء على العنف ضد المرأة» الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1993عرف العنف ضد المرأة هو «أي فعل عنيف يترتب عنه أو يرجح أن يترتب عليه، أذى أو معاناة للمرأة سواء من الناحية الجسمانية أو الجنسية أو النفسية، بما في ذلك التهديد بأفعال من هذا القبيل أو القسر أو الحرمان التعسفي من الحرية، سواء حدث ذلك في الحياة العامة أو الخاصة».
*تأهيل المجتمع
وفي رأي الدكتورة ملاط أن حماية المرأة من العنف الأسري تبدأ من التربية منذ الصغر لتأهيل المجتمع، وحضت الأهل على عدم التمييز بين الأنثى والذكر والمساواة بينهما في الحقوق والواجبات لتغيير العقلية الذكورية السائدة، ولحل مشكلة العنف الأسري بحسب ملاط، لابد من تعديل قوانين الأحوال الشخصية، فتستطيع المحاكم المدنية حينها النظر بقضايا الحضانة والمشاهدة، وهما من أكثر القضايا التي تؤدي للعنف الزوجي، وشددت على أن العنف هو ظاهرة تاريخة والحماية تكون بالتربية والتعليم.
وتشير التقارير الأمنية المتداولة في بيروت أن آخر ضحايا العنف الأسري خلال الأيام الماضية، الشابة لارا شعبان التي كمن لها زوجها بعد خروجها مباشرة من منزلها في منطقة حي السلم في الضاحية الجنوبية، أثناء توجهها إلى عملها في مستشفى جبل لبنان، حتى عاجلها بضربات على رأسها، وطعنات بسكين حاد أدت إلى تمزيق رئتيها، وجروح بالغة في الكبد فضلا عن تشويه وجهها.
وأيضاً الشابة زينة كنجو التي أقدم زوجها في 30 كانون الثاني/يناير الماضي وببرودة أعصاب على خنقها في منزلها الزوجي الكائن في عين المريسة في بيروت ما أدى إلى وفاتها.
وسبق للمغدورة وتقدمت بدعوى عنف أسري أمام مفرزة بيروت القضائية، وكانت تنتظر الحصول على الطلاق قبل أن يقوم الزوج باستدراجها إلى منزلهما للقيام بجريمته المتوحشة.
وفي 26 كانون الثاني/يناير الماضي، تعرّض طفل رضيع (7 أشهر) إلى كسر في الجمجمة ونزيف حاد في الرأس، بعدما تعرض للاعتداء من قبل والدته البالغة من العمر 22 سنة.
وفي أرقام جديدة قالت قوى الأمن الداخلي اللبناني إن تقارير العنف الأسري تضاعفت بشكل لافت خلال الأشهر القليلة الماضية، إذ تلقت 1468 حالة في الأشهر الـ12 الماضية، ارتفاعا من 747 خلال العام السابق.
يبدو أن بيوت اللبنانيين تحولت إلى «مكان خطير جدًّا» لضحايا العنف الأسري خلال جائحة كورونا والانهيار الاقتصادي والمعيشي الذي يتعرض له لبنان، وانضم إلى دائرة العنف خلال الأشهر القليلة الماضية، مُعنفون جدد، وتصاعدت التحذيرات الطبية مؤخرًا من اضطرابات نفسية وانحرافات سلوكية متوقعة في حال أهمال علاج آثار العنف المُمارَس خلال الجائحة والأزمات الاقتصادية.
*العلاج النفسي والسلوكي
وحذر الأستاذ في كلية العلوم الاجتماعية في الجامعة الدكتور فايز طبارة، من أن مخزون العنف الذي تعرضت له النساء والأطفال خلال فترة الإغلاق والإجراءات المتخذة بسبب انتشار فيروس كورونا المستجد، سوف تظهر آثاره السلبية بشكلٍ أو بآخر.
وناشد الدوائر المعنية في الدولة اللبنانية، أن تبادر بتقديم العلاج النفسي والسلوكي اللازم للنساء والأُسر المتضررة، خاصةً في ظل استمرار الضغوط النفسية والظروف الاقتصادية الصعبة التي يشهدها لبنان.
وشدد طبارة لـ»القدس العربي»على أن جائحة كورونا شكلت بيئةً خصبةً لنمو مشاعر الخوف والقلق والإحباط والغضب، التي يدفع ثمنها النساء والأطفال، باعتبارهم الحلقة الأضعف داخل الأسرة في دول العالم الثالث بشكل عام والأسرة اللبنانية بشكل خاص.
وأضاف أنه في ظل الحاجة إلى تقييد حركة الناس والمكوث لفترات طويلة في المنزل، تعرضت النساء وكذلك الأطفال خلال الأشهر الماضية، لعنف أكثر من السابق، خاصة داخل الأسر المضطربة، وهناك أيضًا مَن تعرضوا لعنف أسري للمرة الأولى، نتيجةً للضغوط النفسية المُستجدة في ظل الجائحة.
وباعتقاد الدكتور طبارة، أن الطفل اللبناني الذي تعرض للإساءة سيكون هو المسيء بعد مرحلة البلوغ، محذرا من أن يتسبب العنف المنزلي خلال زمن الكورونا في إعادة إنتاج العنف عبر الأجيال.
لافتا إلى أن التعرُّض للعنف الأسري طويل المدى ربما يتسبب في اضطرابات في النوم أو الأكل أو الوظائف المعرفية واضطرابات سلوكية، مضيفًا أن برامج العلاج تختلف بين الدوائي والسلوكي وفق الضرر الذي تسبَّب فيه العنف. وأشار إلى أن الأطفال الذين يتعرضون للعنف من الأب أو الأم يكونون بحاجة إلى عمليات تعويضية عن مشاعر الحنان والعطف والإحساس بالأمان، ويحتاج علاجهم إلى فترة طويلة من الوقت.
محذرا من أن الأشخاص الذين تعرضوا لعنف الشريك معرَّضون لمخاطر الإصابة بأمراض عقلية متعددة (اضطرابات المزاج، اضطرابات القلق، اضطرابات الأكل، اضطراب ما بعد الصدمة، تعاطي المخدرات) إضافةً إلى الأمراض الجسدية المحتملة (أمراض القلب والأوعية الدموية، والآلام المزمنة، واضطرابات النوم، ومشكلات الجهاز الهضمي).
وشدد على الحاجة إلى برامج تهدف إلى منع أعمال العنف المنزلي، وتحقيق تقييم دقيق لبرامج الدعم والعلاج في مجالات الإساءة المتعددة (النفسية والجسدية والجنسية) المقدمة من قِبَل موظفين مدربين متعددي التخصصات، وضمنهم الأطباء النفسيون وعلماء النفس ومقدمو الخدمات الاجتماعية والقانونية.
وفي ظل تفشي جائحة كورونا يطلب من الأشخاص لزوم منازلهم قدر الإمكان للحفاظ على سلامتهم، لكن يبدو أن ظروف الإغلاق والتباعد الاجتماعي جلبت نتائج عكسية للعديد من النساء اللاتي يتعرضن للعنف المنزلي، ما يهدد سلامتهن.
لذلك فإن التعامل مع العنف الأسري وتصاعد الأزمات المعيشية، يتطلب اتخاذ العديد من الإجراءات الحمائية، وهناك حاجة ملحة إلى زيادة عدد البيوت الآمنة التابعة لوزارة التضامن الاجتماعي، وتدريب العاملين فيها على كيفية التعامل مع الناجيات من العنف، ورفع الوعي المجتمعي بشأنها؛ لتطمئن النساء في حال كانت هناك حاجة إلى اللجوء إليها، إضافةً إلى زيادة عدد الخطوط الساخنة لتلقِّي الشكاوى والتوسع في الإعلان عنها عبر وسائل الإعلام المختلفة، وتوفير خدمات الدعم النفسي عبر الهاتف والمراكز المختصة.
العنف الأسري، ظاهرة تاريخية لكنها لم تكن بهذه المعدلات المرتفعة، فقد ذكرت تقارير الأمم المتحدة والمؤسسات المحلية والدولية المعنية بحقوق المرأة والطفل، أن العنف الأسرى تصاعد بشكل خطير في مختلف المناطق اللبنانية، وشكل ظاهرة أصبحت تهدد مستقبل العلاقات الاجتماعية والعائلية في لبنان
www.deyaralnagab.com
|