logo
مسنّو غزة... قتل وتهجير وأمراض لا ترحم الكبار!!
بقلم : يوسف أبو وطفة ... 13.09.2024

لا يميز الاحتلال الإسرائيلي بين مسن أو طفل، ولا يتردد في استهداف المسنين الذين أنهكهم التهجير وسوء الرعاية الصحية والأمراض والجوع. فكما يقتل الأطفال والنساء، يقتل المسنين
وجدت عائلة المسن الفلسطيني فاروق عكيلة صعوبة في الوصول إليه بعدما استشهد خلال فترة حصار مجمع الشفاء الطبي غربي مدينة غزة، بفعل نقص الرعاية الصحية وقلة الغذاء والأمراض التي كان يعاني منها. وخلال حرب الإبادة الإسرائيلية التي يشنها الاحتلال على القطاع منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، قضى مئات المسنين إما بسبب المرض أو الاستهدافات الإسرائيلية المباشرة وغير المباشرة التي كانت تطاولهم أو تطاول أماكن تهجيرهم ومنازلهم والمستشفيات والشوارع.
وتعمّد الاحتلال الإسرائيلي، خلال العدوان، تنفيذ عمليات إعدام ميدانية، وكان للمسنين في القطاع نصيب منها. ويقول الفلسطينيون إن الاحتلال لا يُفرّق بين مدني وناشط أو طفل ومسن. وتعرّض المسنّون لاستهداف مباشر تمثل في عمليات تصفية داخل المنازل في المناطق التي يتواجدون فيها، من خلال عمليات إطلاق نار مباشرة وتصفية ميدانية نفذتها قوات الاحتلال المتوغلة.
وعلاوة على ذلك، شكلت عملية التهجير المتكررة معضلة حقيقية بالنسبة للمسنين الفلسطينيين، لا سيما عبر إجبارهم على السير مسافات طويلة في ظل تدهور حالتهم الصحية وعدم استطاعة كثيرين السير على الأقدام، ما اضطرهم إلى البقاء في بيوتهم، لا سيما في مدينة غزة وشمالها. أمر دفع قوات الاحتلال إلى تنفيذ تصفيات بحقهم داخل هذه المنازل أو قصفها إما من الجو بالطائرات أو عبر المدفعية، وكشف عن ذلك مشاهد مصورة نشرتها وسائل إعلام دولية.
غياب الرعاية
ويقول خالد عكيلة، نجل المسن فاروق عكيلة، إن والده حوصر في مجمع الشفاء الطبي خلال فترة تواجده للرعاية الصحية، وقد تدهورت حالته في تلك الفترة التي تعرض المجمع للاستهداف. يضيف عكيلة لـ "العربي الجديد"، أنه كان برفقة والده قبل ساعات من حصار مجمع الشفاء الطبي في المرة الأولى. وبعد حصاره، لم يتمكن من الوصول إليه أو الاتصال به أو بأي من المتواجدين فيه لمعرفة تطورات حالته الصحية.
ويشير إلى أنّه عرف باستشهاده من خلال بعض الاتصالات التي جرت مع أحد الطواقم الطبية الموجود في المجمع نتيجة لغياب الرعاية وقلة الغذاء وسوء حالته الصحية والنفسية خلال فترة حصار المجمع. ويصف عكيلة تلك الفترة بالمريرة والصعبة في حياته نتيجة عدم معرفة حالة والده الصحية في بداية الأمر ثم تلقيه خبر استشهاده بسبب الحصار وعدم توفر الغذاء والحالة التي كان عليها.
فلسطينيون أمام فرن مدعوم من برنامج الأغذية العالمي وأونروا في خانيونس - جنوب قطاع غزة - 8 سبتمبر 2024 (عبد الرحمن الخطيب/ الأناضول)
قضايا وناس
برنامج الأغذية العالمي: 2.2 مليون فلسطيني في غزة بحاجة ماسة لمساعدات
إلا أن التجربة الأصعب بالنسبة لعائلة المسن عكيلة كانت العثور على جثمانه، إذ ظلت العائلة تبحث عنه لمدة تتراوح ما بين ثلاثة أسابيع وخمسة، في ظل الدفن الجماعي للشهداء في تلك الفترة. ويوضح أنه عثر على جثمان والده في إحدى المقابر الجماعية مع تسعة آخرين، بعد مساع مكثفة للوصول إلى جثمان والده، قبل أن ينقله إلى قبر منفصل لاحقاً بعد المهمة المضنية في التعرف عليه من أجل دفنه.
أما الفلسطيني حارث أبو حصيرة، فقد تعرض والده المسن للاستهداف. كانوا يتواجدون مع مجموعة من الأبناء والأحفاد في منزلهم قبل أن يطاولهم القصف الإسرائيلي في حي الدرج في مدينة غزة. ويقول لـ "العربي الجديد" إن والده عبد أبو حصيرة كان يعاني من أمراض عدة، وكان يتواجد مع زوجته وأبنائه والأحفاد في المنزل. ويشير إلى أن الاحتلال يتعمد استهداف المسنين والنساء والأطفال من أجل الضغط على العائلات الفلسطينية للنزوح نحو الوسط والجنوب في القطاع، ولتعزيز حرب الإبادة التي يشنها منذ نحو عام كامل.
ويلفت إلى أن والديه كانا يحتاجان بشكل دائم للرعاية الصحية نظراً لإصابتهما بأمراض مزمنة مثل السكري وضغط الدم وغيرها من الأمراض بفعل نقص الرعاية والتغذية.
قتل تحت الأنقاض
ويوثق تقرير حديث صادر عن المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، أن نحو 4% من ضحايا حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة من المسنين، وتم توثيق عشرات حالات الإعدام بحقهم خلال الجرائم التي ارتكبها الاحتلال. وبحسب المرصد الحقوقي، فقد تم توثيق استشهاد 2122 مسناً من الجنسين خلال 330 يوماً الأولى من الحرب، بما يقارب 2% من إجمالي عدد المسنين في القطاع البالغ عددهم 107 آلاف.
ويشير التقرير إلى أن غالبية هؤلاء المسنين قتلوا سحقاً تحت أنقاض منازلهم أو مراكز الإيواء التي لجؤوا إليها بعدما قصفتها الطائرات الإسرائيلية فوق رؤوسهم، أو خلال تحركهم الاضطراري لقضاء حاجاتهم الأساسية في الشوارع والأسواق. ويقول رئيس المرصد الأورو متوسطي، رامي عبده، لـ "العربي الجديد"، إن عمليات الإعدام والقتل بحق المسنين مرتبطة بالكراهية للفلسطينيين، لافتاً إلى أن الاحتلال لا يعطي اعتباراً للمسنين أو الأطفال. يضيف أن ما يجري يعكس نية مبيتة لارتكاب جرائم حرب وإبادة، لا سيما وأن المسنين في كثير من الأحيان لا يمثلون أي احتمالية تهديد للجندي الإسرائيلي، وغالبيتهم غير قادرين على الحركة من الأساس.
ويلفت عبده إلى أن الخطير أن العشرات منهم استهدفوا على نحو مباشر من خلال عمليات تصفية وإعدامات ميدانية، عدا عن تحولهم لأهداف مباشرة ومتعمدة لجيش الاحتلال. بالإضافة إلى قتل مئات المسنين في غزة، يقول إن الآلاف أصيبوا بجروح ويصعب تعافيهم منها نظراً لأوضاعهم الصحية الهشة أساساً، بالإضافة إلى عدم توفر الرعاية الصحية الملائمة، عدا عن اعتقال عشرات المسنين من الرجال والنساء ممن تزيد أعمارهم عن 70 عاماً.
ويلفت عبده إلى أن خطر الموت يهدد جدياً عشرات الآلاف من المسنين في قطاع غزة، إذ أن 69% منهم يعانون أمراضاً مزمنة، وغالبيتهم لم تتلق أية رعاية صحية بسبب تدمير جيش الاحتلال للقطاع الصحي.
عمليات تصفية
من جهته، يقول نائب المدير العام للهيئة المستقلة لحقوق الإنسان "ديوان المظالم"، جميل سرحان، إنّ المسنين كانوا جزءاً من عملية الإبادة التي يتعرض لها الفلسطينيون في القطاع من معاناة وانتهاكات في كافة مناحي الحياة. ويوضح في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن المسنين تعرضوا لانتهاكات متمثلة في الحق في الحياة والحق في السكن والحق في الصحة وكل المجالات التي تؤكد ممارسة قوات الاحتلال الإسرائيلي الإبادة الجماعية، وفقاً لما تشير إليه اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها. ويلفت إلى أن أحد أبرز الانتهاكات التي تعرض لها المسنون على الصعيد المباشر، هو الحق في الحياة، إذ عمدت قوات الاحتلال إلى استهداف مباشر أسفر عنه استشهاد 2500 مسن فلسطيني من بين عشرات آلاف الشهداء.
وبحسب سرحان، فإنّ عمليات الاستهداف كانت تستهدف المسنين بشكل عشوائي عبر قصف البيوت على رأس ساكنيها أو التصفية الشخصية من خلال القناصة الإسرائيلية أو الطائرات المسيرة "الكواد كابتر". ويشدد على أن هناك عمليات تصفية جرى توثيقها لمسنين رفضوا الخروج من منازلهم، وكان عدد منهم لوحده في المنزل خلال فترة العمليات البرية التي كانت تجري في مختلف مناطق القطاع وتمت تصفيتهم.
ويستدل بحالة المسن الفلسطيني ذيب الرزاينة، الذي كان يتواجد برفقة عائلته في منزله شمالي القطاع. وعند دخول قوات الاحتلال المنزل، أطلقت النار على رأسه بشكل مباشر. وينبه إلى أن من أبرز عمليات الانتهاكات التي تعرض لها المسنون هو تكرار النزوح بشكل متكرر؛ فهناك من نزح أكثر من 10 مرات بفعل العمليات العسكرية الإسرائيلية في القطاع. وخلال النزوح، حرموا من كل ظروف الحياة. ويشير إلى وجود أزمة على الصعيد الصحي متمثلة في عدم وجود أدوية خاصة بالأمراض المزمنة مثل أمراض ضغط الدم والسكري، وعدم توفرها بشكل مستمر، وهو ما انعكس سلباً على المسنين الفلسطينيين.

*المصدر: العربي الجديد

www.deyaralnagab.com