بؤر الرعي الاستيطانية... ماشية إسرائيلية تقضم الأراضي الفلسطينية!!
بقلم : مجد علي ... 15.04.2025  تقضم ماشية الاحتلال الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية، إذ يصادرها الجيش عبر قرارات تصدر بصيغة مؤقتة لتتحول إلى دائمة بعد ذلك، ثم يمنحها لرعاة من المستوطنين، وهؤلاء بدورهم ينهبون المزيد وتدعمهم منظمات صهيونية.
- فوجئ المزارع الفلسطيني جمعة عدوي، من قرية كفر مالك شمال مدينة رام الله وسط الضفة الغربية، بمنعه في فبراير/شباط الماضي من الوصول إلى أرضه المزروعة بالعنب والتي تبلغ مساحتها 1.5 دونم، بعدما تعرض للاعتداء من قبل مستوطنين وصلوا إلى المكان برفقة جيش الاحتلال.
ترك عدوي قبل عامين العمل في شركة كهرباء القدس بعد 37 سنة، وما حصل عليه من أموال "نهاية الخدمة" استثمرها في أرضه التي لم تعد له، بموجب قرار إسرائيلي منحها لمستوطنين صاروا يرعون أغنامهم وأبقارهم فيها، كما قال لـ"العربي الجديد".
ومثل عدوي جرت السيطرة على أرضي فارس دراغمة من محافظة طوباس شمال الضفة الغربية، وصادر الاحتلال 20 دونماً مملوكة له في مارس/ آذار الماضي، ليفقد كل شيء في ثوانٍ، كما يقول، "حضر المستوطنون المسلحون برفقة الجيش، وصادروا ماشيتنا بذريعة أن هذه الأرض لم تعد لنا، في محاولة لإجبارنا على الرحيل من المنطقة وتركها لرعاة المستوطنين، بالرغم من أن الزراعة والرعي يشكلان مصدر دخلنا الوحيد، وبدون ذلك سنتحول إلى متسوّلين".
وقد لا يحتاج الأمر إلى قرار عسكري بالمصادرة، مثلما جرى في حالتي عدوي ودراغمة، بحسب إفادة خلدون البرغوثي من سكان قرية كوبر شمال رام الله، الذي قال لـ"العربي الجديد" إن "أحد الرعاة من المستوطنين أحاط منطقة تقدّر بـ 20 دونماً مملوكة لسكان القرية بسياج في مطلع مارس الماضي، وأقام بوابة حديدية على الطريق المؤدية لها، ليمنع الأهالي من الوصول إلى أراضيهم تحت تهديد السلاح وبحماية من جيش الاحتلال الإسرائيلي".
ماشية المستوطنين تحاصر قرى فلسطينية
في 10 فبراير الماضي نشرت الإدارة المدنية (هيئة عسكرية إسرائيلية مسؤولة عن إدارة شؤون الضفة الغربية وقطاع غزة) التابعة لجيش الاحتلال عبر موقعها على الإنترنت ستة قرارات مصادرة تحت عنوان "إعلان نية المسؤول عن الأملاك الحكومية وأملاك الغائبين على المصادقة لاستخدام مؤقت في الأراضي الحكومية لغرض الرعي"، وكانت على النحو التالي: مصادرة 2622.056 دونماً من أراضي قرى دير بلوط واللبن وخربة مسمار التابعة لمحافظة سلفيت شمال الضفة الغربية. ومصادرة 8734 دونماً من أراضي محافظة طوباس شمال الضفة. ومصادرة 2394.505 دونمات من أراضي قرية دير جرير في محافظة رام الله وسط الضفة الغربية. ومصادرة 1505.389 دونماً من أراضي قرية كفر مالك في محافظة رام الله. ومصادرة أرض مشتركة بين قريتي كفر مالك ودير جرير بمساحة 439.85 دونماً، وينصّ القرار على أن "مسؤول الأملاك الحكومية يعلن عن استخدام مؤقت لأراضٍ من القريتين لغرض الرعي"، مع تفصيل لحدود الأرض المعنية.
لكن الأمور لا تقف عند الحدود التي يُعلن عنها الاحتلال، بحسب إفادة رئيس مجلس قروي كفر مالك، ناجح رستم، الذي قال لـ"العربي الجديد" إن "الاحتلال يُسيطر على المساحات المحيطة بالأرض المصادرة كذلك".
و"من أصل 55 ألف دونم، وهي إجمالي مساحة قرية كفر مالك، لم يبق للسكان الأصليين إلّا 10 آلاف دونم، فالمصادرة بذريعة الرعي أفقدت القرية 82% من مساحتها، لتصبح محاصرة ببؤر الرعي الاستيطانية"، بحسب ما يوضح رستم، الذي كشف عن توجه سابق من المجلس القروي إلى المحاكم الإسرائيلية، وقد جاءت قرارتها كلها لصالح شرعنة الاستيطان، وكانت آخر محطاته بمصادرة 1500 دونم من أراضي القرية في القرار الصادر عن جيش الاحتلال بتاريخ 10 فبراير، وهو ما يرفع عدد المزارعين المتضررين من هذه السياسة إلى 200 فلاح يُعيلون 80% من أهالي القرية البالغ عددهم 3000 نسمة.
80 % من أهالي قرية واحدة متضررون من بؤر الاحتلال الرعوية
وإلى جانب ما سبق من قرارات جرت مصادرة 426.56 دونماً من أراضي وادي الفارعة شمال الضفة الغربية. وفي 5 مارس نشرت الإدارة المدنية التابعة لجيش الاحتلال قراراً بمصادرة أرض تبلغ مساحتها 2.394 دونماً، وتقع في منطقة أريحا وسط الضفة الغربية، بالقرب من رأس العوجا، وهو التجمع البدوي الأكبر في المنطقة (ج) بحسب تصنيف اتفاقية أوسلو، ويضم 130 عائلة.
ويكشف المدير العام لدائرة العمل الشعبي في هيئة مقاومة الجدار والاستيطان (حكومية)، عبد الله أبو رحمة، لـ"العربي الجديد"، أن الاحتلال بدأ ينقل بعض المناطق التي كان يسيطر عليها بذريعة "الأغراض العسكرية" إلى المستوطنين لاستخدامها لأغراض الرعي، وتقدّر مساحتها حتى الآن بـ 16 ألف دونم، في ظل تنامي البؤر الاستيطانية الرعوية في الضفة الغربية التي وصل عددها إلى 256 بؤرة، بينها 71 منطقة تسيطر عليها عائلة واحدة من المستوطنين، كمزرعة بار يوسف، التي يحتلها المستوطن تسفي بار يوسف، وهو من أعنف "مدنيي" الاحتلال في الضفة الغربية، وفرضت عليه عقوبات أميركية في مارس من العام الماضي.
كيف يتحول "المؤقت" إلى "دائم"؟
شهد عام 2024 إنشاء 51 بؤرة استيطانية رعوية، وهو رقم قياسي منذ عام 1993 (تاريخ توقيع اتفاق أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية والاحتلال). ويشير أبو رحمة إلى أن دولة الاحتلال استخدمت القرارات العسكرية في الضفة الغربية منذ عام 1967 لشرعنة سيطرتها على الأراضي الفلسطينية، ولتفادي الانتقادات الدولية كانت تُرفق في قراراتها جملة "الاستخدام المؤقت لأغراض عسكرية"، وهو ما يعدّ تلاعباً بالمادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة التي تتيح لدولة الاحتلال أن تقوم بإخلاء كلي أو جزئي لمنطقة محتلة معينة، إذا اقتضى ذلك أمن السكان أو لأسباب عسكرية قهرية ولفترة مؤقتة، لكن حقيقة ما يجري أن 42 مستوطنة أقيمت منذ عام 1967 بعد سيطرة الاحتلال عليها بقرار عسكري يحمل صيغة "المؤقت".
إنشاء 51 بؤرة استيطانية رعوية في عام 2024 وهو رقم قياسي منذ عام 1993
ولدى الإدارة المدنية التابعة لجيش الاحتلال ثلاث هيئات تعمل في سياق السيطرة على الأرض، إحداها مسؤولة عن مصادرة الأرض، وأخرى مسؤولة عن إعلان مساحات من الأراضي كأراضي دولة، والأخيرة هي المسؤولة عن تخصيص استخدام الأراضي المصادرة للأغراض المختلفة، والجديد هذه المرة في الإعلانين الصادرين عن الاحتلال في فبراير ومارس، بحسب ما رصده ووثقه الباحث في قضايا الاستعمار بالمركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية "مدار"، وليد حباس، هو تخصيص أراضٍ لأغراض الرعي، بينما ظاهرة السيطرة على الأرض مستمرة منذ 1967. لكن هذا النقاش القانوني ليس ذا صلة، لأن القضية الأساسية هي سرقة الاحتلال لأراضي الضفة الغربية وتحويلها للمستوطنين، كما يقول لـ"العربي الجديد".
ويشير حباس إلى أن الاستيطان الرعوي يشمل ثلاثة أنواع رئيسية: التوراتي - العقائدي، ويتمثل في مزارع رعوية أقامها مستوطنون من التيار الصهيوني الديني. وتركز هذه المزارع على الاستحواذ على الأراضي الفلسطينية لتخصيصها للمستوطنين، مثل مزرعة "ميجد هآرتس" في طولكرم، التي تسيطر على 40 ألف دونم. والرعوي السياحي: وهي مزارع أنشأها مستوطنون يمزجون بين التمسك بالتوراة والأنشطة السياحية. على سبيل المثال، مزرعة "إله الواحة" التي تقدم خدمات الضيافة والمناسبات، والنوع الثالث مزارع رعي لمجموعة "شبيبة التلال" الصهيونية ويديرها شبان يتم تعريفهم كمحتاجين إلى برامج تربوية، لتُنهب الأراضي بهدف الاستيطان، كما هو الحال في بؤرة "تلة أهوفا" التي تأسست بعد مقتل مستوطن في 2020. وهؤلاء من المتورطين في قضايا عنف ضد الفلسطينيين، وقتل رعاة منهم ينتمون لمزرعة "عوز تسيون" في 4 أغسطس/ آب 2023 الراعي الفلسطيني قصي معطان 19 عاماً من قرية برقة شرق رام الله.
منظمات ترعى رعاة المستوطنين
تشير دراسة لمركز "مدار" صدرت بتاريخ 27 مايو/ أيار 2024 تحت عنوان "الاستيطان الرعوي في الضفة الغربية: نريد أن يكون يهود فقط في الضفة الغربية وليس عرباً!" أن "رعاة" المستوطنين يستولون على أكثر من 300 ألف دونم، أي حوالي 10% من مساحة الضفة الغربية، وهو ما يفوق في مساحته مجمل ما جرت السيطرة عليه من المستوطنات الإسرائيلية كافة منذ عام 1967. و"بعض البؤر الرعوية تتكوّن من 4 إلى 8 مستوطنين" وترعاها منظمات صهيونية عدة؛ من بينها "أمانا" و"شومير هيوش" و"نحلاه" و"إم تريتسو" و"أرضنا"، وتدعم الظاهرة وهدفها النهائي زيادة مساحة سيطرة الاستيطان في الضفة الغربية.
ولا تخفي منظمة "أمانا" أهدافها الحقيقية من وراء الاستيطان الرعوي في الضفة الغربية. فبحسب ما نشرت على موقعها الإلكتروني، فإن "إقامة بؤر الاستيطان الرعوي" وتشكيلها اجتماعياً يهدفان إلى تحويلها لمستوطنات متطورة من الناحية الاقتصادية والتنظيمية، وفقاً للظروف السياسية وبالتنسيق مع الجهات الحكومية. وبينما أعلنت وزارة الخارجية الكندية عن فرض عقوبات على المنظمة في يونيو/حزيران 2024، وتبعتها المملكة المتحدة بقرار مماثل في أكتوبر/تشرين الأول من العام ذاته، وبعدها بشهر وقّع الرئيس الأميركي السابق جو بايدن قراراً بفرض عقوبات على المنظمة، ألغى الرئيس دونالد ترامب القرار في يناير/كانون الثاني الماضي.
وتعتبر منظمة "شومير هيوش" (حارس الضفة الغربية) عبر موقعها الرسمي أن "الرعي هو إحدى الأدوات المهمة في الحفاظ على الأراضي المفتوحة في الضفة، والمساحة المتوسطة للمرعى الواحد تعادل مساحة مدينة متوسطة الحجم في دولة الاحتلال، مثلاً "كريات ملاخي" جنوب فلسطين المحتلة (4600 دونم) و"بئر يعقوب" وسط فلسطين المحتلة (9400 دونم)". ويتضح من منشورات المنظمة أنها تتلقى الدعم من الجهات الرسمية لدى الاحتلال، فتنقل عن وزير جيش الاحتلال السابق يوآف غالانت قوله إن "المزارع الرعوية تضمن مستقبلاً آمناً لإسرائيل، ولا بدّ من مباركة الفاعلين والمتطوعين في المنظمة"، فيما تؤكد وزيرة حماية البيئة في الحكومة الحالية عيديت سيلمان وجود تعاون من الجهات الرسمية مع فعاليات المنظمة وأهدافها.
نهب الأرض وثقافة أهلها
تؤكد مديرة الدائرة القانونية في المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان (منظمة دولية مستقلة)، ليما بسطامي، أن مصادرة الاحتلال للأراضي تحت مسميات وذرائع مختلفة، وباستخدام وسائل متعددة، سواء عبر الضم الرسمي أو الضم بحكم الواقع، يشكل انتهاكا لقواعد القانون الدولي، وعلى وجه الخصوص مبدأ حظر الاستيلاء على الأرض بالقوة، الذي يُعد من القواعد الآمرة في القانون الدولي، التي لا تقبل الاستثناء مهما كانت المبررات.
تستند بسطامي إلى ما قالته محكمة العدل الدولية في رأيها الاستشاري الصادر عام 2024 بأن :"الاستيلاء على الأراضي بالضفة الغربية لا يُعد مجرد خرق للقانون الدولي، بل تحوّل إلى عامل رئيسي في جعل وجود إسرائيل في الأرض الفلسطينية المحتلة غير قانوني بالكامل"، وتقول، "يؤكد ما ذهبت إليه المحكمة ضرورة إنهاء الأمر بأسرع وقت ممكن، وإلزام دولة الاحتلال بتقديم جبر كامل للضرر الناتج من أفعالها غير المشروعة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك إعادة جميع الأراضي والممتلكات غير المنقولة التي تم الاستيلاء عليها من أي شخص طبيعي أو اعتباري منذ بدء الاحتلال عام 1967".
ويتوقع حباس وأبو رحمة وبسطامي زيادة وتيرة مصادرة أراضي الفلسطينيين في الضفة لصالح رعي المستوطنين، في ضوء صعود تيار "الصهيونية الدينية" داخل الجمهور الإسرائيلي ومؤسسات الحكم من بينها الإدارة المدنية التي أصبح زعيم حزب "الصهيونية الدينية" بتسلئيل سموتريتش مسؤولا عنها بحكم منصبه في وزارة جيش الاحتلال، إذ يحاول هذا التيار إسقاط مفاهيم توراتية تشجع الرعي لأنه يحقق الانتماء للأرض.
و"ما يثير الأسى كون المستوطنين لا يحاولون سرقة الأرض فقط، بل أيضا ثقافة الرعي الفلسطيني، إذ يصدرون نفس الأصوات والإيحاءات التي يستخدمها الرعاة الفلسطينيون في التعامل مع ماشيتهم خلال عملية الرعي، ويلبسون ملابس تشبه لباسنا"، يقول المزارع دراغمة، وحتى وصل الحدّ بهم إلى التعرّي في حرّ الصيف حتى تتحول بشرتهم البيضاء وتشبه سكان الأرض الأصليين، في محاولة، لنهب ليس فقط الأرض بل طبيعتها وثقافة أهلها.  **المصدر : العربي الجديد
www.deyaralnagab.com
|