logo
استعباد جنسيّ... عاملات منازل في قبضة شبكات الدعارة بالأردن!!
بقلم :  بديعة الصوان ... 29.09.2025

وراء بعض إعلانات العمل اليومي أو الشهري لعاملات منازل في الأردن تختبئ شبكات اتّجار بالبشر، تستقطبهنّ بوعود لا تقاوم، ومن ثم تشجعهنّ على الهروب ليبدأ مسلسل الاعتداء عليهنّ وتشغيلهنّ في الدعارة.
- لم يكن قرار المُشغل الأردني رمزي سمارة، مالك مكتب استقدام العاملات، رفض عملهنّ بنظام المياومة لمجرد خشيته من المساءلة القانونية، إذ يفتح النمط هذا باباً أمام شبهات الاتّجار بالبشر، لكونه يخالف نظام التشغيل الذي يقوم حصراً على عقد يربط العاملة بمشغل يضمن لها حقوقها ويلزمه بواجباته تجاهها.
ويحدث هذا في ظل تنامي الطلب مجتمعياً على عاملات باليومية نتيجة ارتفاع كلفة الاستقدام، وصعوبة الالتزامات القانونية، ومع هذا رفض سمارة مراراً وتكراراً هذه الطلبات مدركاً ما يخفيه الأمر من مخاطر، فقد رصد عبر خبرته الطويلة في القطاع كيف تترصد شبكات إجرامية بالعاملات الهاربات من مشغلهنّ، لتعيد إنتاج مأساتهنّ ولكن على نحوٍ أبشع، فبعد إغرائهنّ بترك أماكن عملهنّ الرسمية مقابل وعود بفرص أفضل، يجدن أنفسهنّ عالقات في مستنقع الاستغلال الجنسي والتشغيل في الدعارة، كما يقول لـ"العربي الجديد" خلال لقاء في مكتبه بمدينة إربد شمال المملكة.
تؤكد المعطيات هذه، بيانات جمعية تمكين للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان (غير حكومية)، إذ تعاملت مع 241 ملفاً متعلقاً باستغلال عاملات المنازل جنسياً حتى نهاية العام الماضي وفق إفادة المحامية أسماء عميرة، المختصة في متابعة قضايا الاتّجار بالبشر داخل الجمعية. الهروب بداية رحلة الانتهاكات
في مطلع عام 2019، وصلت العاملة الفيليبينية مارسيلا لون (اسم مستعار لحماية خصوصية الضحية) إلى العاصمة الأردنية، عبر مكتب استقدام عاملات (يحتفظ "العربي الجديد" باسمه وبياناته)، وكانت برفقتها صديقتها وبدأتا العمل قانونياً، لكن سرعان ما انقلبت القصة من رحلة عمل لتصبح قضية اتّجار بالبشر، فبعد فترة قصيرة، تمكّنت العاملة من الهروب من منزل مخدومها في 16 إبريل/نيسان من العام ذاته، وشجعها على ذلك شاب أردني يملك مطعماً للمأكولات الصينية في محافظة العقبة جنوباً، تعرفت عليه عبر موقع "فيسبوك"، فعرض عليها عملاً مقابل 250 ديناراً (350 دولاراً أميركياً) يومياً على اعتبار أن العقبة منطقة سياحية وما تحصل عليه في شهر ستناله في يوم، وبالفعل هربت لتقتنص فرصة ذهبية لن تتكرّر، إلّا أنها وجدت نفسها أسيرة في المطعم، لتُجبر يومياً على علاقات جنسية تحت التهديد. وتوعّدها المالك بأن يبلغ عنها قائلاً "كل الشرطة أصدقائي"، مستغلاً هروبها وبحث الأمن عنها، ولم ينتهِ الأمر هنا؛ بل أجبرها على استقطاب صديقتها للعمل في مطعمه.
241 قضية استغلال جنسي لعاملات منازل تعاملت معها جمعية "تمكين"
في الثاني عشر من أغسطس/آب 2019، لحقت بها صديقتها بعدما هربت هي الأخرى من منزل الأسرة الذي كانت تعمل به في عمّان، حتى تبدأ العمل نادلة في المطعم، لكن سرعان ما اكتشفت طبيعة "الوظيفة" الحقيقية: مجالسة الزبائن والترفيه عنهم، ثم مرافقتهم وإقامة علاقات جنسية لقاء مبالغ مالية كان يتقاسمها معهما المالك مناصفةً، وفق شهادتيهما، لتستمر الجريمة بحقهما حتى منتصف أكتوبر/تشرين الأول 2019، حين داهمت الشرطة المكان بناء على معلومات عن وجود فتيات مستغلّات في أعمال غير مشروعة، وألقت القبض على المتهم الذي أُسندت إليه تهمة التكسّب من البغاء استناداً إلى المادة 315/1 من قانون العقوبات وجريمة هتك العرض، بحسب ملف القضية رقم 2468 لعام 2020 الصادر عن محكمة تمييز جزاء، الذي اطلع عليه "العربي الجديد" عبر محرك البحث القانوني "قسطاس".
ملف قضية (قسطاس)
بدأت قصة العاملة وصديقتها بتحريضهن على الهروب وانتهت بالإجبار على الدعارة
هروب العاملتين جزء من ظاهرة واسعة، فبحسب نقابة أصحاب مكاتب الاستقدام واستخدام العاملين في المنازل من غير الأردنيين، بلغ عدد العاملات الوافدات الهاربات 13 ألف عاملة حتى ديسمبر/كانون الأول 2024. وغالبيتهنّ وفق ما يؤكده نائب رئيس النقابة طارق النوتي، هربن بتحريض من جهات وعدتهنّ برواتب أعلى وحياة أفضل، لينتهي بهنّ المطاف في المياومة، أو الملاهي الليلية، أو المطاعم والنوادي،
4591 قضية اتّجار بالبشر
الشهادات السابقة، تعزّزها بيانات جمعية تمكين، التي وجدت من خلال الحالات الموثقة لديها أن الأطراف التي تقف وراء الاستغلال تتراوح بين أصحاب العمل وشبكات تصل إلى الضحايا عبر وسطاء يستهدفون العاملات من خلال وسائل التواصل الاجتماعي أو عبر أماكن وجودهنّ، بحسب المحامية عميرة، مشيرة إلى أن العاملة التي تترك عملها تصبح بمجرد هربها "غير نظامية" وبالتالي أكثر عرضة للانتهاك وكأنها لقمة سائغة.
وقع هذا ايضًا للعاملة الفيليبينية سولا كارسو (اسم مستعار لحماية خصوصية الضحية)، والتي علّقت آمالها على العمل خادمة بنظام المياومة بعدما أقنعتها صديقة لها بالأمر، وجذبتها بوعد الراتب الأعلى، فهربت من المنزل، وتعرفت عليها سيّدة في ملهى ليلي بمنطقة الغاردنز في عمّان أوهمتها بأنها بحاجة إلى خادمة لرعاية أطفالها، لكن سرعان ما اكتشفت كارسو أنها تعيش بمفردها، هناك، عُرض عليها صراحةً العمل في الدعارة، وعندما رفضت وحاولت الهرب، أُغلقت الأبواب في وجهها وتعرضت للضرب والإكراه وعلى مدى ثلاثة أشهر، ليجري استغلالها جنسياً مقابل 200 دينار (280 دولاراً) يدفعها الزبون.
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ جرى تسليمها لاحقاً لشقيقة المتّهمة وزوجها، وواصلا إجبارها على الممارسات ذاتها تحت التهديد والاعتداء، وانتقلت بين بيوت عدّة جميعها تعمل ضمن شبكة أعمال منافية للآداب، حتى ألقت الأجهزة الأمنية القبض عليهم أثناء نقلها إلى أحد الزبائن، وبحسب ملف الحكم رقم (7487/2021) الصادر عن محكمة استئناف عمّان، أسندت إليهم النيابة العامة تهم الاتّجار بالبشر، وهتك العرض، والتكسب من البغاء استناداً إلى قانون العقوبات الأردني.
وتكشف الحقوقية ليندا الكلش، مديرة جمعية تمكين طرفاً جديداً ضمن المعادلة، يتمثل في مكاتب استقدام غير مرخصة، تستغل العاملات الأجنبيات في أعمال غير مشروعة بمجرد وصولهنّ إلى أراضي المملكة، علماً أن قانون العمل الأردني يحظر تشغيلهنّ إلّا بموجب تصريح عمل يصدر باسمها وباسم صاحب العمل الذي يشغلها.
لذا؛ عند ثبوت المؤشّرات على وقوع جريمة محتملة، تُحيل تمكين البلاغات إلى وحدة مكافحة جريمة الاتّجار بالبشر التابعة للبحث الجنائي، لتتولى جمع الأدلة والإفادات، قبل تحويل الملفات إلى النيابة العامة. وهناك، يقرّر المدعي العام توصيف الوقائع: إن كانت جريمة اتّجار بالبشر، أو جنحة أخرى تقع تحت طائلة القانون، بحسب توضيح المحامية عميرة. وتبدو خطورة تلك الحالات لدى ربطها بما نظرته المحاكم الأردنية من قضايا اتّجار بالبشر بلغ عددها 4591 قضية، خلال الفترة منذ عام 2000 وحتّى عام 2024 ومن بينها 1634 قضية اتّجار بالبشر مرتبطة بعاملات المنازل، بحسب محرك البحث القانوني "قسطاس".
ضحايا إثيوبيات وأوغنديات وبنغاليات
لم تدرك العاملة لون أنّ تجاوبها مع منشور على "فيسبوك" سيكون بداية كابوس طويل، إذ بدا الإعلان مغرياً: "مطلوب عاملات مياومة بأجر مرتفع"، كان الوعد جذاباً لفتاة تبحث عن راتب أكبر وظروف أفضل من منزل مخدومها، لكن ما إن وصلت مدينة العقبة حتّى سُحبت أوراقها الثبوتية، وبدأت مرحلة جديدة من الاستغلال، لم يعد الأمر مجرد عمل منزليّ قد يكون مرهقاً أو قليل الأجر، بل إجبار على الجنس تحت التهديد: تارة بتسليمها للشرطة، وتارة بنشر صور التقطت لها في أوضاع حميمية، عندها فهمت أنّ "العرض المغري" كان مجرد صنارة لشبكة تتقاسم الأدوار بمهارة: نساء يستقطبن العاملات الهاربات، رجال ينقلونهنّ ويوفرون مكان الإقامة، وآخرون يجلبون الزبائن.
*مكاتب استقدام غير مرخصة تستغلّ العاملات الأجنبيات بمجرد وصولهنّ
هذه الآلية تكرّرت في 321 قضية تشغيل لعاملات أجنبيات في الرذيلة أحيلت إلى المحاكم الأردنية، إذ تبدأ القصة كما لو أنها إعلان لفرصة عمل مشروعة موجّهة لعاملات منازل عبر إيهامهنّ بزيادة الأجور أو الحصول على حرية أكبر مثل "مطلوب عاملة منزل باليوم"، أو "عاملات بالساعة – أسعار مناسبة"، "عاملة منزلية حرّة متاحة للعمل خمس ساعات يومياً"، وفق نمط تكرر عبر سبع صفحات على "فيسبوك" واحدة منها تحمل اسم "مكتب عاملات يوميّ"، وأخرى "خادمات منازل بالشهر". وتنجذب العاملات إلى هذه العروض، خاصة اللواتي يعانين من ظروف صعبة أو خلافات مع أصحاب العمل، رغم الغموض الذي يحيط بها وعدم معرفة المعلن، والتناقض المفترض بين عرض العمل اليومي لوقتٍ قليل والأجر المرتفع بحسب ما سجلته وحدة مكافحة الاتّجار بالبشر في جمعية تمكين، إذ اعتبرت "فيسبوك" المنفذ الأوسع لاستقطاب العاملات، وبهذه الآلية، تحصد العصابات أموالاً من الزبائن، بينما تُسلب العاملات إنسانيتهنّ، وغالبيتهنّ ينحدرن من الجنسيات الإثيوبية والأوغندية والبنغالية.
السؤال هنا أين الجهات الرقابية؟ مجيباً على ذلك، يحيل الناطق الإعلامي باسم وزارة العمل محمد الزيود المسؤولية في متابعة هروب عاملة أجنبية إلى الأجهزة الأمنية، ومشيراً إلى أنه يتوجّب على صاحب المنزل في حال هروب عاملته تبليغ الجهات المختصة مباشرة. ويتابع أن وزارة العمل تتعامل مع الانتهاكات بحقّ العاملات عبر المنصة الإلكترونية "حماية" التي تستقبل الشكاوى بأربع لغات، وغالبية ما يصل إليها يتعلق على نحوٍ رئيسيّ بتأخير الأجور أو عدم دفعها من صاحب المنزل، وتعمل الوزارة على متابعتها لتحصيل حقوقهنّ المالية، كما تستقبل المنصة الشكاوى المقدمة من أصحاب المنازل على مكاتب الاستقدام، ومنها عدم استكمال إجراءات استقدام العاملة أو انتقالها أو عدم إعادة المبالغ المالية لصاحب المنزل في حال لم تكمل العاملة عقدها معه، أو جرى نقلها خلال فترة كفالة المكتب إلى صاحب منزل آخر.
وبلغ عدد الشكاوى التي استقبلتها الوزارة خلال العام الماضي 811 حالة، منها 508 بلاغات مقدمة من أصحاب منازل بحق مكاتب استقدام، في حين بلغ عدد الشكاوى المقدمة من العاملات في المنازل 303 شكاوى. ومع هذا في الوقت ذاته، تبقى عاملات تُنتهك إنسانيتهن خلف الأبواب المغلقة لا يستطعن تقديم شكوى أو الهرب من أيدي من يتاجر بهنّ، خائفات بلا سند، لذا بحسب عميرة، يجب تشديد العقوبات على المتورطين في هذه الممارسات.

*المصدر : العربي الجديد

www.deyaralnagab.com