ايران تحت الوصاية الأورو-أمريكية!!
بقلم : د. ابراهيم أبو جابر ... 24.07.2015 وقّع الاتفاق النووي أخيرا بين ايران والغرب في صفقة حملت مؤشّرات ايجابيّة لإيران واخرى سلبيّة. فصحيح أن ايران من حيث المبدأ حصلت على مكاسب معيّنة أهمّها اعتراف العالم ومن جملته الولايات المتحدة بإيران دولة نووية –ان صح القول- وهذا ما اثلج صدور الكثيرين في ايران ، رغم الشروط القاسية الملازمة لذلك، وصحيح أنه اتفق على رفع العقوبات بأنواعها تدريجيا عنها ، ،وصحيح أن أرصدة ايران المجمّدة في البنوك الدولية(الحديث عن 150 مليار دولار) سيفرج عنها ممّا يعني الكثير للاقتصاد الايراني ،وصحيح أن الاتفاق جعل من ايران دولة اقليميّة معتمدة وقويّة ممّا لم يرق للدول العربية وعلى رأسها دول الخليج والسعودية بالذات، وهذا ليس ذنب ايران وانما العرب وسياساتهم الفاشلة، اضافة الى قضايا اخرى خاصة بالنواحي الدبلوماسية والسياسية.
صحيح كل ما ذكر ،الا أن الاتفاق حمل في ثناياه نوعا من أنواع الوصاية الغربيّة على ايران، بوضع كل نشاطاتها النووية والعلمية والتكنولوجية ذات العلاقة تحت الرقابة الامميّة ،فقد اشتمل الاتفاق على حق المراقبين الدوليين زيارة وتفتيش ومراقبة كل المنشآت النووية الايرانية بما فيها المنشآت العسكرية لأكثر من عقد من الزمان، وحذرا على استيراد انواع من الاسلحة لمدة خمس سنوات ناهيك عن قضايا اخرى ذات علاقة بالتكنولوجيا العسكرية والتقنيات الحسّاسة مما يستخدم في مشاريع التطوير والانتاج العسكري.
فالغرب، ممثّلا في الولايات المتحدة الامريكية، لن يلتزم تماما بما نصّ عليه روح الاتفاق الثنائي، وانما كعادتها أمريكا، اما بشكل منفرد انطلاقا من مصالحها القومية ،أو بدوافع خارجيّة اخرى من أطراف أجنبية غير معنيّة بامتلاك ايران لقدرات نوويّة وعسكريّة متطوّرة كالكيان الاسرائيلي مثلا، او بعض دول الخليج ، ستفتعل أزمات مع طهران، وستختلق ذرائع غير موضوعيّة للتهرّب من التزاماتها، أولا من خلال اتهام ايران بنقض الاتفاق أو عدم الايفاء بما اتفق عليه .
تمتلك الولايات المتحدة تجربة عمليّة ناجحة في العراق فترة حكم الرئيس العراقي السابق صدام حسين، وكيف أنها اختلقت حججا وأدلّة كاذبة على امتلاك بغداد لأسلحة كيماوية واخرى غير تقليدية ،مما سهّل غزو العراق والقضاء على دولة بالكامل وقلب نظام الحكم فيها، بل وخلق فوضى داخل الشعب العراقي أفضت الى حرب أهليّة وطائفيّة لا تزال تحرق الاخضر واليابس.
أن الاتفاق المبرم هذا، لا يستبعد إفضاءه الى نفس النتيجة كالذي حصل في العراق، بحيث تضطر ايران مجبرة على تدمير بعض منشأتها النووية ،وحذرهم عليها استيراد بعض المواد والاجهزة والمعدات اللازمة في تطوير مشاريعها التنموية الاخرى، أو ربما أيضا فرض عقوبات على بعض الدول المصدّرة لها بعض هذه المعدات والتقنيات.
أن الاتفاق المذكور سيعطي الولايات المتحدة والغرب ايضا فرصة ذهبيّة للعبث بإيران من الداخل، سواء على المستوى الشعبي أو الرسمي وحتى العلمي والاستخباراتي. فعلى المستوى الشعبي سيمكّن الاتفاق الغرب من الاحتكاك بالشارع الايراني بعد رفع الحذر ، ممّا قد يوصل في النهاية الى ثورة على نظام الحكم الحالي غير المرضي عنه من الغرب، أما على المستوى الرسمي ففرصة شراء ذمم بعض المسؤولين الايرانيين حاضرة بقوّة وسهلة جدا، اما من خلال اغراءات مالية، او تسهيل هروب البعض من ايران الى الخارج ان ارادوا ، وحتى دعم بعض الموالين للغرب لتمكينهم داخل معاقل النظام، أما على المستوى العلمي ففرص اغتيال علماء ايرانيين سانحة، وتسهيل هروب بعضهم الى الخارج واردة.
ان أخطر ما في الاتفاق أيضا، ما دامت ايران غدت بأسلوب او اخر تحت وصاية المعسكر الأورو-امريكي، زراعة خبراء اسرائيليين أو يهود ضمن طاقم المراقبين مثلما حصل في مشروع بناء مفاعل تموز العراقي، لرصد وتهيئة الظروف لعمل ما استخباراتي وربما عسكري اسرائيلي ضد المنشآت النووية الايرانية، وهذا امر متوقع جدا ارضاء من واشنطن لتل ابيب.
وأخيرا، رغم الحنكة الايرانية الا أن ما سلف يحمل مؤشرات خطيرة، في ظل نجاح تجربة سلاح المقاطعة والحصار الاقتصادي على ايران ، فالاتفاق اذن - كما يرى البعض - وصاية أورو-امريكية على ايران نهايته غامضة.
www.deyaralnagab.com
|