العراق الجديد: دولة الميليشيات والعصابات!!
بقلم : علي الكاش ... 18.09.2015 يقول فولتير" إن الذين يجعلونك تؤمن بما يخالف العقل، قادرون على جعلك ترتكب الفظائع".
كشف مصدر أمني في محافظة البصرة جنوب العراق بأن الميليشيا (حزب الله العراقي) التي أختطفت العمال الأتراك في الثاني من شهر أيلول الجاري أطلقت سراح إثنين من المختطفين، وقد تم العثور عليهما قرب مستشفى تركي قيد الإنشاء، وكانوا معصوبي العين، طبعا موثوقي الأيدي والأرجل. ولم تؤكد حكومة العبادي الخبر، ولم تعلق عليه بتاتا، كأن الأمر لا يعنيها.
في مقال سابق ذكرنا بأن العبادي هو المسؤول المباشر عن الحشد الشعبي وهو أيضا القائد العام للقوات المسلحة وهذا يعني وجود إشكالية في عملية الخطف ذاتها على إعتبار أن الجهة التي أختطفت العمال الأتراك، والجهة التي تحاول إطلاق سراحهم يخضعان كلاهما الى سلطان رئيس الوزراء حيدر العبادي. وهذا يعني إحتمالين:
اولهما: أن حزب الله العراقي تمرد على رئيسه المباشر حيدر العبادي(رئيس هيئة الحشد يرتبط به مباشرة).
ثانيهما: إن العملية تمت بالإتفاق بين الطرفين الحكومي والميليشياوي للضغط على الجانب التركي، وقد رجحنا الإحتمال الأول.
لاشك أن عملية إطلاق سراح المختطفيين هذه والتي سيتبعها إطلاق سراح بقية المختطفين بسلام يستقرأ منها المشاهد السياسي موقفا شاذا، ويستنتج جملة من الملاحظات:
1. التمرد على حيدر العبادي.
على الرغم من حزمة الإصلاحلات التي زعمها العبادي والتي لم ينفذ منها شيئا، وهي إجراءات تقشفية وليست إصلاحية ومحدودة الأثر، لأنه من أقالهم من الوزراء والوكلاء والمدراء العامين وغيرهم بقيت رواتبهم ومخصصاتهم سارية المفعول، كما يقول المثل " كأنك يا بو زيد ما غزيت"، كما إنه لم يعتقل أي من حيتان الفساد لحد الآن. وقد إعترض ملالي إيران على الإصلاحات الهامشية ورأوا فيها تقويضا لحكم الشيعة وخشوا من توسعها، سيما ان التظاهرات إنتقدت ولاية الفقيه ومرجعية النجف. لذا أرسلوا على عجل الجنرال قاسم سليماني خلال إجتماع البيت الشيعي وأبلغ الرسالة بوضوح لكافة الأطراف الشيعية المتحالفة في الحكم. ويبدو أن العبادي مصر على تفريغ شحن من الإصلاحات المزعومة بين تارة وأخرى، وهذا الأمر يعني تحدِ سافر لإرادة ولاية الفقية، لذا صدرت الأوامر للميليشيات العراقية التابعة لولاية الفقية بالتمرد على إرادة العبادي أو كما يقول المثل العراقي"جرة إذن". لكي يعرف حجمه الحقيقي فهو قزم وليس ماردا على أقل تقدير أمام ولاية الفقيه. ويمكن القول أن القوادم من الأيام ستشهد المزيد من التوترات بين العبادي من جهة والميليشيات الشيعية من جهة أخرى.
2. التمرد على مرجعية النجف.
سبق أن اعلنت مرجعية النجف شجبها لعملية الإختطاف وطالبت بإطلاق سراح العمال الأتراك المختطفين وجاء في بيان المرجعية" إننا إذ نؤكد على انّ التعرّض لأولئك الأبرياء الذين لا دور لهم في أحداث المنطقة ومآسيها عمل غير اخلاقي وعلى خلاف الضوابط الشرعية والقانونية وهو مدان ومستنكر جداً. نطالب بإطلاق سراح المختطفين والكفّ عن هذه الممارسات التي تسيء إلى صورة الدين الإسلامي الحنيف ومذهب أهل البيت عليهم السلام، وتؤدي إلى إسقاط هيبة الدولة واضعاف الحكومة المنتخبة". يلاحظ أن هذه هي المرة الأولى التي تشن فيها المرجعية حملة قوية على الميليشيات الشيعية التي تمارس الإرهاب تحت راية الحسين بن علي، رغم إنها قتلت عشرات الألوف من العراقيين ونهبت وحرقت ودمر المؤسسات الحكومية والأهلية بما فيها بيوت الله، وما تزال تخطف وتغتال وتسرق وتدمر بحرية تامة دون أن تنبس المرجعية بكلمة واحدة.
من المؤكد ان السبب في هذا الموقف الجديد هو محاولة المرجعية ركوب موجة التظاهرات رغم أنها هي التي شرعنت الفساد وزكت وباركت الفاسدين ودعت أتباعها الى إنتخابهم، لكن أصابع الإتهام التي وجهها المتظاهرون للمرجعية من خلال الشعارات ورجم وكيل المرجع الأعلى بالحجارة والأحذية جعلتها تعيد حساباتها، فقد تحول خط المرجعية الأحمر الى أخضر، والنار وصلت إلى أطرافها، وهذا يعني مستقبلا تمرد الشيعة من تقديم الخمس لها وبالتالي الى إفقارها وإذلالها. الخمس هو أهم ما يهم المرجعية، إنه حبل المشيمة الذي يغذيها ويُحييها. وهذا يفسر لنا الغرض من إستفسار السيستاني من مواطنه الخامنئي حول حدود نفوذ الجنرال سليماني في العراق الذي أخذ ينعكس على سمعة المرجعية وهيبتها عند أتباعها. مع هذا فقد تمردت ميليشيا حزب الله على طلب المرجعية بكل جسارة ورفضت ان تنفذه، وهذه رسالة واضحة من ميليشيا حزب الله العراقي للمرجعية في النجف بأنها لا تستلم الأوامر من مرجعية النجف وانما من مرجعية قم حصرا.
3. العراق مستباح أمام الميليشيات
لا أحد يجهل بأن حشرة صغيرة وليس عناصر ميليشيا وعدد كبير من المختطفين في موكب مهيب من السيارات الحكومية يمكن أن يفلتوا من مئات السيطرات ما بين بغداد والبصرة، ان إنتقال المختطفين من بغداد الى البصرة كما يبدو كان الغرض منه إيصال المختطفين الى إيران، فولاء البصرة معروف ولا يستطيع احد ان يجافي هذه الحقيقية، لكن تدخل المرجعية والسفارة الامريكية ألغى المحاولة، مع هذا فقد أثبت هذه المحاولة بأن ولاء الجيش والشرطة للميليشيات وليس للقائد العام للقوات المسلحة، فليس من المعقول والمنطق ان لا يوجد عسكري واحد في هذه السيطرات ونقاط التفتيش لا يكن الولاء للعبادي ويخبره عن تحرك المختطفين من بغداد الى البصرة مرورا بمعظم محافظات الوسط والجنوب! وهذا يقود الى نتيجة أخطر، وهي ان ولاء الإستخبارات العسكرية وبقية الجهات الأمنية ليس للعبادي وإنما للميليشيات الإرهابية، والا كيف غفلت الإستخبارات عن هذا التحرك ولديهم عناصر في معظم نقاط التفتيش؟ لا شك ان هذه العملية تعني حرية التحرك للميليشيات دون الإكتراث بنقاط التفتيش، وأن بإمكانها الإنتقال بسهولة في الوسط والجنوب دون رادع، فلا هيبة للحكومة في ظل الميليشيات.
4. تسقيط العبادي وحكومته
عملية الإختطاف هي بحد ذاتها تحدي كبير للعبادي الذي وقف عاجزا أمامها، بالرغم من ارتباط الحشد الشعبي به، فلا الحشد الطائفي قدم له الولاء ولا الجيش والشرطة وبقية الأجهزة الأمنية التي يتزعمها قدمت له الولاء، خرج من المولد بلا حمص كما يقول المثل. إن شخصيته المهزوزة وضعف إرادته، وتخبط قراراته هي التي تقف وراء عدم إحترام زعماء الميليشيات له. وإلا كيف يمكن لوزير سابق مثل هادي العامري ان يسخر منه ومن جيشه منوها ان الحشد وليس قوات العبادي قادرة على تحرير الفلوجة؟ وكيف يجرأ زعيم ميليشيا عصائب أهل الحق قيس الخزعلي ان يهدد العبادي دون أن يجرأ الأخير على حسابهم أو مجرد نقد تصريحاتهم أو حتى التعليق عليها. هذا الضعف إعطى بلا أدنى شك جرعة مضاعفة للميليشيات لتتحدى العبادي وتستهين به.
5. الحكومة تستغيث بنظام الملالي!
بلا أدنى حياء إعترفت حكومة العبادي عن عجزها في حل مشكلة المختطفين الأتراك وإقناع ميليشيا حزب الله بإطلاق سراحهم، وفي محاولة بليدة أكدت بأن نظام الملالي يقف وراء العملية ـ وهذه حقيقة يدركها أي مواطن لبيب ـ لأن حزب الله العراقي يأتمر بإمرة إيران ومثل هذه العملية الخطيرة لا يمكن أن تتم دون إيعاز او على الأقل التشاور مع نظام الملالي. لذا تم الإيعاز الى نائب رئيس الجمهورية أسامة النجفي وهو المقرب من تركيا ـ لا يزال في منصبه ـ بأن يطلب تدخل إيران في مسألة الأفراج عن المختطفين. وقد تزامن مع هذا الطلب إعلان السفير الإيراني في العراق بإستعداد حكومته التشاور مع حزب الله العراقي والمساعدة في إطلاق سراح المختطفين. وهذه إهانة مضاعفة للحكومة العراقية التي تطلب مساعدة دولة مجاورة للإفراج عن مختطفين على أرضها لدي ميليشيا عراقية يدعي العبادي بأنه المسؤول المباشر عنها، بإعتبارها أحد تشكيلات الحشد الشعبي الأساسية.
6. رسالة حزب الله العراقي للعرب ودول الجوار
بهذه العملية الإرهابية وضع حزب الله العراقي النقاط على الحروف ورفع الغشاوة عند البعض من الأنظمة التي لا تزال تنظر للعراق نظرة تخالف الواقع المؤلم. العراق الآن هو بلد الميليشيات والمافيات الإجرامية، والحكومة أضعف من أن تحمي نفسها وليس الشعب والمؤسسات الأجنبية ورعاياها، وان ولاء الميليشيات لإيران وليس لرئيس الوزراء العبادي، وأن العراق كله مستباح أمام الميليشيات. ومهما يقال عن التأثير السعودي والقطري والتركي في القرار العراقي فأن هذا الأمر لا صحة له، القرار الأول والأخير بيد الخامنئي وصنيعته الجنرال سليماني والسفير الايراني في العراق.
7. رسالة حزب الله العراقي الى العراقيين
أرسلت ميليشيا حزب الله رسالة قصيرة للعراقين بأن اليوم للعبادي لكن غدا للحشد الشعبي، وهذا يفسر قول الكثير من عناصر الحشد الطائفي بأن مستقبل العراق بيدهم! والحقيقة ان زعماء الحشد يثقفون عناصرهم وفق هذه الرؤية المستقبيلة. وما كان سرا البارحة كُشف عنه اليوم بكل صراحة. فقذ صرح قيادي في ميليشيا الحشد الطائفي بأن" قيادة الحشد تسعى للوصول إلى سدة الحكم في العراق، لافتاً إلى أن قائد مليشيا بدر، النائب البرلماني هادي العامري، هو المرشح الأبرز لتولي رئاسة مجلس الوزراء خلفاً لحيدر العبادي، بعد الإطاحة بالحكومة الحالية". وقد تزامن مع هذا التصريح تصريحا آخر من قيادي في ميليشيا عصائب أهل الحق لوكالة ( الخليج اون لاين) جاء فيه" موعد السيطرة على الحكم من قبل الحشد الشعبي بات قريباً"، موضحا أن من أهم الأسباب التي دعت إلى تسريع تنفيذ هذه الخطة سياسة العبادي الذي أمر بتمرير قانون الحرس الوطني، وعدم إعطائه الدعم الكافي للحشد لتحرير المناطق التي يسيطر عليها داعش". علما أن قرار الحرس الوطني ولد ميتا!
www.deyaralnagab.com
|