البؤس الجنسي عالق بين البوح الممنوع والممارسة المشروعة!!
بقلم : لبنى الحرباوي ... 05.11.2017 الجنس عالم الأبواب المقفلة عربيا لكن من المثير أن حياة العرب تدور حوله، هذا التناقض جعلهم يعيشون “حالة إحباط” سيطرت عليها فكرة “إذا كنا قد خسرنا الدنيا فعلينا ألا نخسر آخرتنا أيضا”.
“الجنس عزف حضاري على وترين وقصيدة يكتبها جسدان ولكنه يفشل في بلادنا لأنه يحدث بين فراشة ربيعية وبولدوزر”، وصف الشاعر السوري نزار قباني الجنس، لكنه لم يشرح كيف تحول إلى عزف منفرد يقوم به البولدوزر (الرجل وحده).
فالجنس في البلدان العربية بات يتلخص في “كونه اغتصابا مقننا بورقة اسمها عقد زواج!”. في هذا السياق، برأت محكمة كندية الأسبوع الماضي رجلا عربيا متهما باغتصاب زوجته بعد 15 عاما من التقاضي.
وأكد قاضي المحكمة العليا في أونتاريو، روبرت سميث، أن الرجل لم يكن يعرف أن سلوكه يعد جرما في كندا. وقال إن المدعين العامين فشلوا في إثبات أن الرجل كان يعلم أنه ضد القانون؛ لممارسة الجنس مع زوجته دون موافقتها.
وأوضح سميث “أجد أن المتهم ربما كان يمارس الجنس مع زوجته في مناسبات عديدة دون موافقتها، وفي الوقت ذاته كان يعتقد هو وزوجته أن لهما الحق في القيام بذلك”.
وكانت القضية تتعلق بالاعتداء المزعوم في عام 2002، عندما ادعت امرأة فلسطينية أن زوجها سحب بنطالها إلى أسفل، ومارس معها الجنس، رغم أنها طلبت منه ثلاث مرات أن يتوقف.
„في العالم العربي، بدل أن تنمو الثقافة الجنسية مع الطفل العربي منذ صغره في البيئات المناسبة والصحيّة لذلك، كالمدارس والبيوت، يتعرّف هذا الطفل إلى نفسه لاحقا بأسوأ الطرق والأماكن الممكنة“
وقالت صحيفة “ديلي ميل” البريطانية إن المرأة قالت إنها كانت تظن أنها ملزمة بممارسة الجنس مع زوجها، ولا تعرف أن إجبارها على ذلك يعد جريمة. وقالت إنها لم توافق على ممارسة الجنس في مناسبات عديدة، لكن كليهما كان تحت انطباع بأنه كان ضمن حقوقه.
ولكن عندما سمعت من ضابط شرطة بعد سنوات حول طبيعة القانون، قدمت قضية حول حادث في 2002. وعبرت حملة في أوتاوا لإنهاء العنف ضد النساء عن غضبها، واصفة الحكم بأنه “مخيب للآمال”.
وقال كارولين جونستون المدير التنفيذي للحملة “أي اتصال جنسي دون موافقة صريحة ومستمرة هو اعتداء جنسي، بغض النظر عن العلاقة”. ويذكر أن قانون الاعتداء الجنسي الكندي واضح في هذا المجال بعد التعديلات التي أدخلت ليشمل الاعتداء الجنسي على أحد الزوجين في العام 1983.
ولم يكن هذا الفلسطيني “استثناء”، فنفس القصة “المأسوية” تتكرر للكثيرين من العرب القادمين من العالم الثالث في دول العالم الأول المتقدم. وأصبحت البلدان الغربية تدرك جيدا أن واحدة من أكبر المآسي التي تعاني منها البلدان العربية هي علاقته غير السوية بالنساء.
سوق المتعة
يشكل الجنس “مفارقة كبيرة” في هذه الدول؛ فهو يثقل العقل بسبب الجهد المبذول في إخفائه ورغم ذلك يبقى مركز علاقات العرب ونقاشاتهم ومخاوفهم. وتخلق هذه التناقضات أشكالا لا تُحتمل من التوتر، فهذه العلاقة الحميمية بين اثنين أصبحت مصدر قلق للمجتمع بأكمله، وهو ما ولد “بؤسا” جنسيا وصل حد الهيستيريا.
يعجز المعالجون الجنسانيون، الذين يعتبرون قلة في الدول العربية، عن التدخل ونادرا ما يتبَع أحد نصائحهم، فيحتكر رجال بحكم الأمر الواقع الحديث عن الجسد والجنس. وقد اتخذت بعض خطابات البرامج الدينية على الإنترنت أو التلفزيون أشكالا انحدر أغلبها إلى نوع من الإباحية-الإسلاموية.
وأصدرت السلطات الدينية في جميع الدول العربية دون استثناء فتاوى غريبة، مفادها أن التعري أثناء ممارسة الحب حرام، ولمس المرأة للموز حرام، ولا يحق للرجل أن ينفرد بزميلته إلا في حالة كانت أمه بالرضاعة. وانتشرت مؤخرا فتاوى شاذة على غرار تلك التي تقر التمتع بالزوجة المتوفاة قبل إيصالها لمثواها الأخير.
وأصبح الجميع مقتنعا، في العلن على الأقل، أنه لا يحق لأحدهم الاستمتاع بالنشوة الجنسية، إلا بعد الزواج عقب خضوعه للإملاءات الدينية التي تؤدي إلى إخماد الرغبة أو بعد الموت. وهذا سببه، وفق خبراء، أننا نعيش في حالة إحباط تام جعلت الناس تفكر من منطلق أنه إذا كنا قد خسرنا الدنيا فعلينا ألا نخسر آخرتنا أيضا.
أما في المسائل الجنسية الحميمية، فقد كان العرب يرفضون الوضعيات الجنسية التي تؤشر على سيادة المرأة على الرجل. وقد برّروا تفضيلاتهم بخرافات طبّية. ووصل الأمر إلى حديث الفقهاء عن الوضعيات الجنسية.
رغم أن الأخبار والروايات التي ترد في الأدبيات العربية القديمة المتخصصة في المسائل الجنسية ليست وقائع تاريخية. ويؤكد خبراء أن معظمها مختلق ولكنها بالتأكيد تعبّر عن نظرة الرجل العربي إلى المرأة.
هذا الخوف المضمر والعميق ساعد على فهم ظواهر إجتماعية كثيرة لا تزال سائدة في العالم العربي، فتصوّرات العرب حول طبيعة المرأة ولدت لديهم خوفا من انقلاب الأدوار الاجتماعية وسيطرة المرأة على المجتمع كونها، بتكوينها، تمتلك قدرات جنسية لا يمتلكها الرجل.
وتقول الصحافية والروائية المغربية الفرنسية ليلى سليماني، في هذا السياق، إن الحاجات الجنسية للنساء خارج نطاق الإنجاب يتم تجاهلها إلى حد كبير، ومن المتوقع أن تكون النساء عذراوات عند الزواج وغير فاعلات جنسيا بعد ذلك.
وتؤكد ”قبل أن تكون فردا، فإن المرأة أم وأخت وزوجة وابنة، هي الضامن لشرف العائلة، وما هو أسوأ، الضامن لشرف الهوية الوطنية، حيث تعتبر فضيلتها قضية عامة”.
نهم جنسي خارج عن السيطرة
نحن الذين نحارب الثقافة الجنسية من أجل الفضيلة من أكثر المجتمعات نفاقا. إذ تشير الأرقام والدراسات إلى أن العالم العربي يدخل مرحلة جديدة من مرحلة الانفتاح الجنسي، حيث يقبع تحت الظاهر المجتمعي وملابس الحجاب والتقوى الظاهرة، عالم كامل خفي من العلاقات الجنسية الكاملة.
ويربى الفرد في المجتمعات العربية في فضاءات اجتماعية كالبيت والمدرسة يغيب فيها الفكر النقدي التساؤلي، كون “الأساس في تربيته هو تلقينه النماذج الموجودة مسبقا حتى تتجسد فيه مستقبلا”.
ويقول علماء الاجتماع إن “الطفل العربي يتعرض إلى القمع في سن مبكرة عبر قتل تساؤلاته وملء عقله بالأفكار الجاهزة على أساس أنها حقيقة مطلقة لا يجب بتاتا التشكيك فيها وإلا خرج عن إجماع الأمة وأصبح منبوذا”.
وحينما يكبر الطفل ويصبح راشدا، يصعب عليه كثيرا التخلص من تلك الأفكار. وتقول السليماني إن البؤس الجنسي منتشر في العالم العربي وهو يقود في النهاية إلى التحرش والاغتصاب.
وبنت السليماني استنتاجاتها على ملاحظات وحوارات خاضتها مع شباب في الجزائر وتونس والمغرب، وذلك منذ 2011 في أثناء ثورات الربيع العربي، حيث تعرضت العديد من الشابات لحوادث تحرش واغتصاب احتلت عناوين الأخبار عالميا.
ويقول الكاتب والصحافي الجزائري كمال داود في نفس السياق إن الثورات العربية فشلت في مس الأفكار والأعراف الاجتماعية، وبالأخص تلك الأعراف المتعلقة بالجنس.
ولم يعد ما يعرف بالثالوث المحرم في البلدان العربية موجودا، لقد بات الجميع يتحدث بحرية عن السياسة وأصبح من الممكن نقد السياسيين على الملأ خاصة في ظل طفرة الشبكات الاجتماعية.
وينسحب الأمر نفسه على الدين أو الأوصياء عليه، إذ أصبح من الممكن “كسر الأصنام” المتمثلة في رجال الدين خاصة عبر انتقادهم وتبيان تناقضاتهم التي أصبحت مكشوفة. ورغم هذه الحريات المكتسبة، لا يجوز عربيا الحديث بحرية عن الجنس.
ويقول المختص التونسي في علم الجنس هشام الشريف إن المشاكل والأمراض التي تعيشها المجتمعات العربية ناجمة عن وجود انتقال جنسي.
وربط الشريف في تصريح لـ“العرب” بين تفشي العنف والجرائم والاعتداءات على الأطفال والتحرش، بغياب التربية والثقافة الجنسية السليمة. فغياب التوازن يؤثر في العمل والمردودية وقد يفرز أمراضا جسدية ونفسية. ودعا إلى ضرورة إرساء ثقافة وتربية جنسية بالنسبة إلى كل الأجيال.
وقد أثبتت البحوث والدراسات الاجتماعية التي أعدتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة “يونسكو”، أن التربية الجنسية تؤدي إلى تأخير ظهور السلوك الجنسي عند الأطفال واتسامه بالمزيد من المسؤولية، على عكس ما هو متوقع.
ومفهوم التربية الجنسية هو ليس مصطلحا حديثا، بل إنه يعود إلى أواخر القرن السابع عشر، حيث ذكر الكاتب الفرنسي جان جاك روسو في كتابه “اعترافات”، أن الأطفال لا يدركون شيئا عن الجنس، وقال مقولته الشهيرة “نحن نولد مرتين، الأولى من أجل النوع والثانية من أجل الجنس”.
وبحسب هبة قطب استشارية الطب الجنسي المصرية فالثقافة الجنسية لا تعني بالضرورة ثقافة الفراش، وإنما ثقافة حفاظ الأطفال على أعضائهم الجنسية. وفي العالم العربي، بدل أن تنمو الثقافة الجنسية مع الطفل العربي منذ صغره في البيئات المناسبة والصحيّة لذلك، كالمدارس والبيوت، يتعرّف هذا الطفل إلى نفسه لاحقا بأسوأ الطرق والأماكن الممكنة.
فليست في مدارس أي من الدول العربية دروس ثقافة جنسية، بل دروس مختزلة جدا في العلوم لشرح غير عميق لتفاصيل جهاز التكاثر، ويأتي التعمّق في كيفية عمل هذا الجهاز في مراحل متقّدمة من الثانوية، بعد أن يكون التلميذ قد تعلّم ما تعلّم من أصدقائه. صحافية تونسية
www.deyaralnagab.com
|