أحدث الأخبار
الاثنين 29 نيسان/أبريل 2024
في حرب تيك توك العالمية الأولى: الفلسطينيون ومناصروهم يحققون انتصارا كاسحا على "إسرائيل"!!
بقلم : وديع عواودة ... 21.01.2024

الناصرة ـ : خلال أول أسبوعين من الحرب على قطاع غزة تحول منتدى التيك توك إلى ساحة حرب يحقق فيها الفلسطينيون والمناصرون لهم انتصارا يوصف بأنه كاسح. ففي هذه الفترة، تم نشر حوالي ثمانية ملايين فيديو مناصر لإسرائيل فقط مقابل حوالي 114 مليار فيديو مناصر للفلسطينيين. هذا ما يؤكده تقرير للمركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية «مدار» الذي يقول إنه من جهة، يمكن النظر بصورة تبسيطية للأمر والادعاء بأن إسرائيل فشلت في السيطرة على وسائل التواصل الاجتماعي، خصوصا التيك توك الذي يعتبر منصة صينية خارج إطار هيمنة إسرائيل-الغرب. من جهة ثانية، وعند التعمق في الأمر، فإن وراء هذا الفشل تحولات عالمية في الرأي بحيث أن الشباب العالمي ما دون عمر 35 عاما (وهو الأنشط على تيك توك) يعتبر أكثر مناصرة للفلسطينيين، ومناهضا للاستعمار، وناقدا لسياسات إسرائيل العدوانية، ولديه فهم تاريخي لأصل الصراع، وهو الجيل الذي يروج لهاشتاغ «الحرية من النهر إلى البحر».
من يسيطر على
محتوى التيك توك؟
وجاء في التقرير أنه في عالم السوشيال ميديا، يتربع تطبيق تيك توك كظاهرة ثقافية تحظى باهتمام عالمي عابر للأجيال، والثقافات، والحدود والصراعات السياسية. تأسست هذه المنصة لمقاطع الفيديو القصيرة، والتي أطلقتها الشركة التكنولوجية الصينية بايت دانس عام 2016. ويشكل التيك توك ثورة حقيقية أعادت تعريف مفهومنا حول إنشاء واستهلاك المحتوى الرقمي. وقد نمت قاعدة مستخدمي تيك توك بشكل سريع، لتصل إلى حوالي 2 مليار مستخدم، وأصبح التطبيق مسرحاً رقمياً ليس فقط لنقل الروايات وإنما لصناعة الرأي العام وبشكل فعال. لكن الخلاف الذي لم يحسم بعد في العالم يدور حول ما إذا كان محتوى تيك توك ينتشر بشكل تلقائي أم أن هناك من يوجهه ويتحكم به.
تستند إسرائيل في هيمنتها على الإعلام العالمي على تقنيات كلاسيكية، مثل العلاقات مع أباطرة الإعلام ووكالات الأنباء (تحديدا، سكاي نيوز، سي إن إن، وول ستريت جورنال). لكن الحرب الحالية المفروضة على قطاع غزة، كشفت أن هذه العلاقات باتت بالية وغير ناجعة، إذ باستطاعة فتى يبلغ من العمر 15 عاما أن يساهم أيضاً في صناعة الرأي العالمي، أحيانا بشكل يفوق قدرة محتكري المال والإعلام المناصرين لإسرائيل. بالطبع، السبب لا يعود إلى الفتى بحد ذاته بقدر ما إن الأمر يتعلق بطبيعة تطبيق التيك توك الذي تفقد إسرائيل الأدوات اللازمة للسيطرة عليه أو «إخضاعه» لروايتها.
تعتمد طريقة عمل تيك توك على البساطة والفعالية، حيث يمكن للمستخدمين صياغة مقاطع فيديو تتراوح بين 15 و60 ثانية تشمل مجموعة متنوعة من اللقطات، بدءاً من رقصات وتقليد الغناء وصولا إلى اسكتشات سياسية وإخبارية. الواجهة السهلة التي يوفرها التطبيق حققت تميزا كونها تعطي الفرد بغض النظر عن خلفيته الاجتماعية، الدينية، السياسية والعمرية، دوراً في صناعة القصص الرقمية. وإحدى السمات المميزة للتطبيق هي نظام اكتشاف المحتوى الذي يعتمد على الخوارزمية. على عكس منصات وسائل التواصل الاجتماعي الأخرى مثلا فيسبوك وإنستغرام، التي تظهر المحتوى بناء على ما ينشره «الأصدقاء» فإن تيك توك تستخدم تقنية مختلفة تماما وتعتمد على خوارزمية قادرة على اكتشاف ما يفضله المستخدم بغض النظر عن طبيعة أصدقائه. وقد أثار طابع الخوارزمية الغامض نقاشات عالمية حول من يتحكم حقاً في الروايات على تيك توك وهل هناك طاقم يجلس في غرفة تحكم ويقوم بفلترة المحتوى أو تعزيزه أو تقييده؟ ويؤكد النقاد أن تيك توك قد يعزز آراء معينة «عن غير قصد» وبشكل أوتوماتيكي لا يأبه بالمحتوى السياسي للرواية. ومع توسيع تأثير تيك توك بشكل عابر للحدود الجيوسياسية، تطرح الأسئلة حول دور المنصة في تشكيل الرأي العالمي خلال فترات الحروب والنزاعات: هل تعتبر تيك توك مساحة محايدة، أم أنها تتحول إلى ساحة حرب حيث تتصادم الروايات وتتكثف النضالات في الفضاء الرقمي؟ والسؤال الأهم الذي يجول ببال إسرائيل حاليا: هل تيك توك تعتبر مناصرة للفلسطينيين ومعادية للاستعمار والقوى الظلامية وجرائم الحروب التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي؟
«طوفان الأقصى»
يكتسح منصة تيك توك
في 12 تشرين الأول/اكتوبر 2023 أي بعد أقل من أسبوع على هجوم حماس واندلاع الحرب الإسرائيلية، وجه الاتحاد الأوروبي تحذيرا إلى تيك توك حول ما أسماه «المحتوى غير القانوني والمعلومات المضللة» على منصته. وفي رسالته قال مفوض الاتحاد الأوروبي: «في أعقاب الهجمات الإرهابية التي نفذتها حماس ضد إسرائيل، لدينا مؤشرات على أن تيك توك تستخدم لنشر محتوى غير قانوني ومعلومات مضللة في الاتحاد الأوروبي. بالنظر إلى أن منصتك تستخدم على نطاق واسع من قبل الأطفال والمراهقين، فأنت ملزم بشكل خاص بحمايتهم من المحتوى العنيف الذي يصور احتجاز الرهائن ومقاطع الفيديو الرسومية الأخرى التي يقال إنها تنتشر على نطاق واسع على منصتك، دون ضمانات مناسبة». وعلى الفور، قامت تيك توك بحذف حوالي 900 ألف فيديو، وقال المتحدث باسم التيك توك بأن شركته تواصل العمل على منع المحتوى الذي يعزز الكراهية (قصد «كراهية إسرائيل» دون أن يشير إلى ذلك صراحة) والمعلومات المضللة الضارة. من 7 تشرين الأول/اكتوبر إلى 17 تشرين الثاني/نوفمبر، حذفت تيك توك حوالي 1.164.000 مقطع فيديو لخرقها القواعد، «بما في ذلك المحتوى الذي يروج لحماس وخطاب الكراهية والإرهاب والمعلومات المضللة». بيد أن محاولات إسرائيل، عبر أصدقائها في الاتحاد الأوروبي، لتقييد عمل تيك توك لم تؤت ثمارها بشكل يرضي إسرائيل. وبحلول منتصف تشرين الثاني/نوفمبر 2023 ادعى عضو الكونغرس الجمهوري مايك غالاغر أن تيك توك تقوم «بغسيل دماغ متعمد» للشباب الأمريكي وتحرفهم عن التفكير السليم من خلال حثهم على دعم حماس.
وقال عضو الكونغرس إن 69.7 في المئة من الأمريكيين الذين تتراوح أعمارهم بين 12 و17 عاما، و76.2 في المئة من الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عاما يعتمدون فقط على تيك توك في البحث عن المعلومات، وأنه بإمكان «الحزب الشيوعي الصيني» الذي يقف وراء تيك توك، وبكل سهولة، تعديل الخوارزمية وفرض رقابة على المعلومات والتأثير على الأمريكيين من جميع الأعمار، لكنه لا يفعل عمدا. بيد أن تيك توك، أصدرت بيانا ذكيا، قالت فيه إن «الخلل» لا يكمن في الخوارزميات (التي بقيت حتى اليوم محط غموض للعالم) بل ان المشكلة تكمن في ان الشباب الأمريكيين والمراهقين يتعاطفون أكثر مع فلسطين وأقل مما مع إسرائيل قبل ان ينكشفوا على محتوى تيك توك. وقد استشهدت تيك توك باستطلاعات رأي عام نفذتها مؤسسات أمريكية أثبتت نتائجها هذا التحول بين أفراد الجيل الجديد والذي يعود إلى العام 2010.
لكن بالنسبة لإسرائيل، التي على ما يبدو تخسر كل الجبهات الإعلامية واحدة تلو الأخرى، مثل حجارة الدومينو كما يتجلى في حملات الهاشتاغ الكثيرة، فإن الأمر بات يشكل أزمة حقيقية.
وفي 17 تشرين الثاني/نوفمبر، قال ساشا نوعام بارون، ممثل أمريكي من أصول يهودية، بأن تيك توك «باتت تمثل حركة عالمية تقود معاداة السامية وهي الحركة الأكثر انتشارا منذ فترة النازيين». وحسب التقرير فانه في 8 تشرين الثاني/نوفمبر، نشرت صحيفة «هآرتس» أيضا مقالا ادعت فيه أن الحكومة الإسرائيلية عليها أن تتعلم كيف تتوجه إلى الجيل الجديد في العالم، وأبدت امتعاضها من أن هاشتاغات مناصرة للفلسطينيين تكتسح تطبيق تيك توك. لكن في الوقت الذي دعت فيه الحكومة الإسرائيلية إلى «تعلم لغة جديدة للتعامل مع الشباب العالمي» وقعت الصحيفة نفسها في الخطأ نفسه ولم تعرف هي نفسها التعامل مع الشباب العالمي بحيث أنها استخفت بعقول الشباب ونظرت إليهم على أنهم طائشون غير مثقفين وقالت: «هؤلاء الشباب ينادون بتحرير فلسطين من النهر حتى البحر، لكنهم لا يعرفون أين يقع النهر وأين يقع البحر».
السم والكراهية
أما صحيفة «ذي ماركر» الإسرائيلية فنشرت في 27 تشرين الأول/اكتوبر أنه «في حين أن كلاً من وسائل الإعلام والمواقع التقليدية ملزمة بإطاعة القانون والتصرف بمسؤولية، فإن الوضع هو عكس ذلك بالنسبة لشبكات التواصل، خصوصا تيك توك، حيث تنشر السم والكراهية من أجل زيادة الأرباح». ودعا كاتب المقال إلى فرض قوانين تشبه التقييدات التي نجدها في الدول الديكتاتورية وبالتالي حظر التيك توك في إسرائيل. ولتوضيح حجم القلق الإسرائيلي، قال توم ديفون، وهو طالب دكتوراه في الجامعة العبرية ومختص بدراسة سلوك المستخدمين على شبكات التواصل الاجتماعي، بأن «ما يظهر على تيك توك يشكل وعي الشباب وفهمهم للأحداث الجارية. هذه نقطة مهمة، لأننا ننسى أننا لسنا على دراية كافية بكيفية نشأة الشباب. نحن لا نفهم حجم تأثير تيك توك ومدى خطورة هذا الشيء». واقتبس هذا الطالب «الخبير» في سلوك مستخدمي تيك توك استطلاعات رأي عام مثيرة: 51 في المئة من الشباب في العالم الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عاما يعتقدون أن هجوم حماس في 7 تشرين الأول/اكتوبر يمكن «تبريره» بسبب المعاناة التي يتعرض لها الفلسطينيون. في المقابل، 89 في المئة من الذين تتراوح أعمارهم بين 55 و64 عاما قالوا إن قتل 1200 إسرائيلي في «يوم السبت الأسود» (7 تشرين الأول 2023) هو عمل لا يمكن تبريره. وعندما سئل المستطلعون: «هل تعتقد أن إرهابيي حماس قتلوا 1200 مدني إسرائيلي بإطلاق النار والاغتصاب وقطع الرؤوس، بما في ذلك عائلات بأكملها وأطفال ورضع؟» أجاب ما يقرب من ثلث المستطلعين (32 في المئة) أنهم يعتقدون بأنها مُجرّد كذبة.
تطبيق اكس وفيسبوك وتويتر
ومع أن إسرائيل لا تزال تنظر من موقعها كدولة «قادرة على التحكم بالرأي العام العالمي» إلا أنها لا تزال تركز جهودها الدعوية على منصات أخرى مثل تويتر وفيسبوك غير أنها حتى الآن لم تتعلم كيف تكتسح المنصات الشبابية مثل تيك توك، إنستغرام وتلغرام. بيد أنه في نهاية الأمر، يرى الخبراء الإسرائيليون بمعظمهم ما لا تراه حكومتهم؛ وهو أن المشكلة الحقيقية لا تكمن في تطبيق تيك توك، بل في جيل الشباب العالمي الذي يؤيد الفلسطينيين، ويناهض الاستعمار، ويرفض الاضطهاد القومي. وحتى لو استثمرت إسرائيل معظم طاقاتها، فإن عدد مناصري إسرائيل في النهاية هو قليل للغاية مقارنة بأعداد المعادين لإسرائيل من أبناء جيل الـ «زيد».

*المصدر: القدس العربي
1