أحدث الأخبار
الجمعة 01 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
عبد العزيز العطي: الشيوعي (المجاهد) يروي…!!
بقلم : رشاد ابو شاور ... 24.07.2013

في (استهلال) كتابه (رحلة العمر: من شاطئ غزة إلى صحراء الجفر) كتب المناضل الكبير عبد العزيز العطي، مبررا سبب إقدامه على كتابة تجربته في صفوف الحركة الشيوعية الفلسطينية والأردنية، منذ انضم إلى صفوف عصبة التحرر الوطني الفلسطينية عام (1946)، وكان فائق ورّاد هو الذي دعاه لتقديم طلب الانتساب للعصبة، حين كانا مدرسين في كلية غزة: لقد رحل عن دنيانا عدد كبير من القادة الأفذاذ في عصبة التحرر الوطنية، والحزب الشيوعي الأردني، دون أن يتركوا أثرا مكتوبا، فتــــــداعى إلي رفاق وأصدقاء، مطالبين بإلحاح، ومشجعين، بان أضع تجربتي النضاليـــــة في قيادتي للعصبة والحزب على الورق، وقد بلغت من العمر ستة وثمانين عاما ( استهلال ص15).
عن ولادته، ومسقط رأسه يكتب: في قرية ياصور، أو ياسور، أبصرت النور يوم 25 آذار عام 1925، ويقال أن اسم القرية منسوب إلى قائد روماني يسمى آصور، بنى فيها قصرا ما تزال آثاره باقية هناك، وهي قرية ساحلية تبعت لواء غزة من جهة الشمال، وكانت تقع في منتصف الطريق بين يافا وغزة، وتبعد نحو عشرة كيلومترات عن شاطئ غزة ( ص18).
هذا الكتاب الواقع في 279 صفحة من القطع الكبير، والصادر في العام 2012 بجهد خاص، يغني معرفة القارئ بطرق وأساليب حياة الفلاح الفلسطيني، ومكابداته، ومعاناته من ظلم الاحتلال البريطاني، وببعض فصول ثورة فلسطين الكبرى، وموران الحركة السياسية الفلسطينية، وتباينات وجهات النظر، بل والتناقضات الحادة أحيانا والتي تصل حد العسف والاضطهاد الذي نال بعضه أعضاء عصبة التحرر الوطني الفلسطيني.
في الكتاب، يمكن للقارئ أن يتعرّف على بدايات النهضة التعليمية في فلسطين، ناهيك عن الصحفية، والثقافية، وهو ما كان يبشر ببروز فلسطين رائدة على مستوى المشرق العربي، ولعل هذا ما عجّل في وتيرة التآمر البريطاني الصهيوني لتحقيق المشروع الصهيوني في فلسطين قبل أن ينهض المجتمع الفلسطيني، وقبل أن تستيقظ الأمة العربية على هول ما تفعله بريطانيا لصالح حليفتها الحركة الصهيونية.
ولأن أبا الوليد متكلم وحكّاء بارع، هو ابن البيئة الفلاّحية الأصيلة، فقد سرد في عدة فصول مشاهد من حياة فلاّحي بلادنا، وعلاقتهم الحميمة بأرضهم، كما روى فصول نكبة عام 1948 من ذاكرته اليقظة، هو الذي عاش فصول النكبة لحظة لحظة، وساعده أنه تنقل بين قرى غزة، والخليل، وبيت لحم، ورام الله، بحثا عن أسرته التي تشردت عن (ياصور)، وأيضا للقيام بمهام أوكلت إليه من قيادة عصبة التحرر الوطنية التي دهمتها الحرب، كما دهمت الشعب الفلسطيني كله.
أنهى (أبوالوليد) الدراسة الثانوية، وحمل شهادة (المترك)، وهي الشهادة الثانوية وفقا لنظام التعليم البريطاني، ووظف أُستاذا، وتنقل للتعليم في أكثر من مدرسة، وإن اجتذبته غزة حيث التقى ببعض رفاقه في العصبة التي نسّبه إليها زميله في الدراسة والتعليم فائق ورّاد، الذي صار أمينا عاما للحزب الشيوعي الأردني بعد رحيل الأمين العام فؤاد نصّار: ولما عرض علي فائق بعد فترة من علاقتنا الانتساب إلى عصبة التحرر، كنت أعتقد أنني واحد من أعضائها، طالما أنني كنت مواظبا على قراءة منشورات العصبة، وأُبدي تأييدا لأفكار كتابها وتحليلاتهم وأطروحاتهم، وأدفع ثمن تلك المطبوعات منذ كنت طالبا في كلية غزة. فقال الرفيق فائق: هذا لا يكفي،عليك أن تقدم طلب انتساب للعصبة، وفعلاً قدمت طلب انتساب للعصبة، وزكاه في حينها الرفيقان فائق وفهمي ـ يقصد السلفيتي ـ وفقا للنظام…(ص35)
للشاعر الكبير معين بسيسو حضور في كتاب أبي الوليد، فهو يكتب عنه، وكانا زميلين في الكلية بغزة: في 7 تشرين الثاني نهضنا صباحا نحن طلاب الصف الرابع الثانوي والأخير في الكلية، استعدادا ليوم دراسي جديد، ولاحظت فيه أن معينا يرتدي ملابس أنيقة على غير العادة، فسألته ما الأمر، ولماذا كل تلك الأناقة بالبدلة، من دون الأيام؟ فأخرج من جيب صدر جاكتته منديلاً أحمر وعليه رسم المنجل والشاكوش، وسألني: أتعرف ما هذا ؟ فقلت هذا علم، قال: هذا العلم السوفييتي، واليوم هو عيد ثورة أكتوبر، وأنا احتفل في هذه المناسبة بالعيد.
وعن دور معين بسيسو في حماية مسيرة العصبة بعد ما تعرضت له عند دخول الجيوش العربية التي اضطهدت أعضاءها، يكتب منصفا: لكن المناضل والشاعر الملهم معين بسيسو تصدّى بشجاعة لتولي قيادة العصبة في تلك الظروف بالغة الصعوبة والتعقيد…(ص37 )
يسرد المناضل الكبير عبد العزيز العطي فصول (حياته)، والتطورات التي ألمّت بحياة الشعب الفلسطيني، والقضية الفلسطينية، بسلاسة، وانسيابية، وكأنه يقص رواية تاريخية ملحمية، لا تعنى فقط بالشيوعيين، ولكن بقطاعات واسعة من الشعب الفلسطيني.
ولأنه غير مدع، ويهمه أن يطلع القارئ على الحقائق الخافية، فهو يروي أحيانا ما يدلل على البراءة، والعفــــوية، وطيــــبة نفوس الفلاحين وأبنائهم الذين ورثوا الصلابة من تقاليد الريف المتوارثة أبا عن جد.
ولأن الشيوعيين لا يصفون أنفسهم بصفة (المجاهد)، ولأن شيوعية عبد العزيز العطي المبكرة كانت( جهادية)، وكان ثوار فلسطين على الانتداب البريطاني مجاهدين، فقد ارتضى لنفسه هذه الصفة: كنّا شبابا متحمسين ، وعندما اندلعت الثورة في سورية عام 1945 على المحتلين الفرنسيين تظاهرنا في شارع عمر المختار، وكان الشارع الرئيسي في مدينة غزة..تأييدا للثوار..وقمت أنا بصياغة بيان يطالب بالتطوع في صفوف الثوار، ورحت أجمع التواقيع عليه تحت اسم (المجاهد)، حتى صار هذا اللقب يلازمني، ويناديني الزملاء باسم المجاهد (ص33 ).
أيدت العصبة قرار تقسيم فلسطين، بعد رفض حازم، بتبعية للموقف السوفييتي الذي تغيّر وتبدّل وانحاز للقرار، ومع ذلك فإن (المجاهد) عبد العزيز العطي، ورغم مرور السنوات، ما زال يبرر موقف العصبة، والحجة أنه كان أفضل الخيارات الممكنة أمام شعبنا!( ص48).
في مقدمة الكتاب يرد الشيوعي اللبناني البارز سعد الله مزرعاني مفندا هذا الرأي: لم يكن قرار التقسيم في حينه سوى صيغة لإضفاء الشرعية الدولية على المشروع الصهيوني المغتصب…( 12 ).
يتوقف العطي مطولاً عند مرحلة الانضواء تحت اسم (الحزب الشيوعي الأردني)، وظروف الاختفاء، والمطاردات للشيوعيين فلسطينيين وأردنيين، وعمليات الزج في السجون، والنفي إلى معتقل الجفر الصحراوي، ويكشف بعض جوانب الحياة الداخلية للحزب، والخلافات مع الأمين العام الدكتور يعقوب زيادين…
ولأن أبا الوليد (قومي) الانتماء فقد تحمل النقد الجارح من رفاقه، وعند وقوع هزيمة حزيران 67 دعا (أبو الوليد) لحمل السلاح، والالتحاق بصفوف المقاومة، وبجهوده وبعض رفاقه الشباب، تمّ تشكيل فصيل (قوات الأنصار) الذي خاض عمليات مشهودة على أرض الجنوب اللبناني.
هذا المناضل الكبير عرفّني به والدي، وبأسرته المناضلة، وكان من أشد المعجبين به، حين اصطحبني معه إلى مخيم عين السلطان قرب أريحا، وكان قد ظهر بعد فترة اختفاء وسجن طويلة.
ناضل ( أبوالوليد) دائما من أجل حق عودة الشعب الفلسطيني، وسابق الشباب في الحراك معهم، وظل وفيا لشعبه، وأمته، وقضيته، وللروح الإنسانية التي تأصلت على امتداد سنوات كفاحه و(جهاده) الطويلة.
كتاب عبد العزيز العطي (رحلة العمر…) يضيف لسفر الذاكرة الفلسطينية ما يغنيه، خاصة لجهة تغطية دور الشيوعيين الفلسطينيين.
أمد الله في عمر هذا الرفيق الكبير(المجاهد) المتــــقد الروح والذاكرة.

1