تقرير علي سمودي– "فقدان الأحبة وجعٌ لا ينتهي وجرحٌ ينزف في كل لحظة، وبين حزننا على رحيل رئيسنا وقائدنا الشهيد أبو عمار، واستمرار زج ابني خلف القضبان، ألمنا كبير، لكننا سنبقى الأوفياء ونكمل المشوار حتى تحقيق أحلامهم بالحرية والنصر على الاحتلال وهدم سجونه"، قالت الوالدة الخمسينية (أم محمد)، في مستهل حديثها عن نجلها الأسير مهند علي رشيد محمود سلامه، بمناسبة ذكرى اعتقاله (11-11-2006) التي تتزامن مع الذكرى السنوية لاستشهاد الرئيس ياسر عرفات.
واعتقل الاحتلال مهند بتاريخ 11-11-2006، عندما كان متوجهاً مع مجموعة من رفاقه من بلدته برقين إلى مدينة رام الله، للمشاركة في المهرجان التأبيني السنوي في ذكرى استشهاد الرئيس عرفات، لكنّ جنود الاحتلال قطعوا طريقه ولم يسمحوا له بمواصلة المشوار، اقتادوه إلى السجن، ويقضي حكماً بالسجن الفعلي لمدة 24 عاماً و11 شهراً و30 يوماً.
*اللحظات الأخيرة قبل الاعتقال..
تتذكر أم محمد آخر اللحظات التي شاهدت فيها محمد، وتقول: "في ساعةٍ مبكرة، أيقظني وودعني وأبلغني أنه متوجه إلى رام الله للمشاركة في تجديد العهد والوفاء للرئيس الذي كان يحبه كثيراً ويعتبره قدوته ومثله الأعلى".
وتضيف: "كانت حياته طبيعية، ولم يكن مطلوباً للاحتلال، والدليل أنه ذهب إلى رام الله كباقي رفاقه للمشاركة في المهرجان، لكن الاحتلال الذي يستهدف ويطارد كل فلسطيني اعتقله وزجه في غياهب السجون وسط ظروف وممارسات تعسفية وحكمٍ قاسٍ".
وتكمل: "رغم اعتزازنا بالشهيد أبو عمار والأسرى وصمودهم، فإنه كلما حلت الذكرى تعود إلى مخيلتي كل اللحظات والمواقف المؤلمة والقاسية، وعمر ابني يضيع خلف القضبان وفي سجون الاحتلال".
*الأسر والحرمان..
بالرغم من مرور السنوات، تشعر أم محمد أن تلك الصور والمواقف حدثت أمس، فهي تعتبرها أصعب وأشد لحظةً ومحطةً في حياتها، وتقول: "عندما اعتقلوه وحرمونا منه، كان يستعد للالتحاق بالجامعة وتحقيق حلمنا بعد نجاحه في التوجيهي، فقد كان يخطط لمستقبله بطموحٍ كبيرٍ وأملٍ مستمرٍّ في الدراسات العليا".
وتضيف: "بلمح البصر، تحوَّل حبيب قلبي والأقرب لي إلى أسيرٍ عاقبونا بحرماننا منه ومن مواقفه الجميلة، ولا أزال أبكي لشوقي الكبير لضمه إلى صدري".
*من العراق إلى فلسطين..
في منزلها في بلدة برقين الذي يتزين بصور مهند، الذي دخل عامه الرابع عشر في سجون الاحتلال، لا تتوقف أُم محمد عن الدعاء لرب العالمين ليكرمها بحرية وعناق نجلها الرابع في عائلتها المكونة من 8 أنفار.
وتقول: "في عام 1987 وُلد وتربّى ونشأ في العاصمة العراقية بغداد التي قضينا فيها سنوات طويلة في كنف زوجي الذي كان مناضلاً في صفوف حركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية".
وتضيف: "تعلّم في سنواته الأولى بمدارس العراق حتى حقق رب العالمين حلمنا بالعودة إلى الوطن عام 1994، واستقر بنا المقام في مسقط رأس زوجي بلدة برقين التي أكمل فيها مهند وإخوته تعلميهم، عاش حياته وفياً ومخلصاً وحنوناً، وهو بار بوالديه ومُحب لوطنه وشعبه وعمل الخير، وتفوق في دراسته لطموحه الكبير في الدراسات العليا".
*التحقيق والحكم..
بعد نجاح مهند في الثانوية العامة، وعندما كان يستعد للجامعة، اعتقله جنود الاحتلال على حاجز "زعترة"، عندما كان متوجهاً إلى مدينة رام الله للمشاركة في مهرجان تأبيني في ذكرى استشهاد الرئيس ياسر عرفات.
وتقول والدته: "عزلوه وفتشوه وقيدوه واقتادوه إلى السجن، عشنا كوابيس رعب وقلق بعدما انقطعت أخباره ومُنعت زيارته أثناء خضوعه للتحقيق الذي استمر 45 يوماً، تعرض خلالها للعزل والعقوبات والضغوط النفسية والجسدية حتى صدر الحكم بحقه بتهمة مقاومة الاحتلال".
وتضيف: "لم أُصدق، شعرت بألم وانهيار من الحكم الظالم، فابني كان يواصل التخطيط لحياته ومستقبله.. جميعنا فرحنا بقرب التحاقه بالجامعة، ولم نتوقع هذا المصير المؤلم والقاسي".
*المرض والإهمال..
لم يكتفِ الاحتلال بالحكم، واستمر بعقاب مهند واستهدافه خلال محطات اعتقاله، ما أثّر على وضعه الصحي، فقبل اعتقاله لم يكن يعاني من أيّ أمراض، وتمتَّع بصحة ومعنويات عالية، لكنه بعد ظروف التحقيق والعزل أصبح يعاني من ألمٍ مستمرٍّ في قدمه ويديه.
وتقول والدته: "أهملوا علاجه، ورفضوا عرضه على طبيبٍ مُختصٍّ حتى أصبح يعاني من مضاعفاتٍ ونوبات وجع مستمرة، وحتى الآن لم يتمكن من معرفة حقيقة مرضه".
وتضيف: "قدم عدة طلبات لنقله إلى المستشفى لتحديد وضعه، لكنّ إدارة السجون لا تزال ترفض، فيما يدفع ابني الثمن وسط صمت مؤسسات حقوق الإنسان وغياب دورها!".
*الصمود والتحدي..
خلف القضبان، صمد مهند وتحدى الاحتلال وإدارة سجونه، تأقلم مع الحركة الأسيرة، وشارك في معاركها، لم تنل منه الضغوط والعقوبات، وقدّم الثانوية العامة مرةً أُخرى في السجن ونجح.
وتقول والدته: "السجن والسجان لم يكسرا شوكته أو ينالا من عزيمته، استطاع إكمال دراسته الجامعية في سجن هداريم، وانتسب إلى جامعة أبو ديس- تخصص علوم سياسية".
وتضيف: "بالرغم من معاناتي من الأمراض، لم أتأخر لحظة عن زيارته، كل حياتي ترتبط بمواعيد زيارته، لم أعد قادرةً على العيش من دونه، ولا أحد من أبنائي يمكن أن يُعوضّني عن مهند، ومهما كانت حالتي الصحية كنتُ أتوجه إلى زيارته التي كنت أعتبرها أجمل لحظة في عمري".
وتُكمل: "دوماً، اعتادت إدارة السجون على عقابنا والانتقام منا لإرغامنا على التوقف عن الزيارات، لكنا تحمَّلنا مشاق الطريق الطويلة وممارسات الاحتلال القمعية، وعندما حلت جائحة كورونا،استغلها الاحتلال لإلغاء الزيارات كعقاب وليس لحماية الأسرى، والدليل إهمالهم وعدم توفير متطلبات الحماية والوقاية لهم".
وتتابع: "استشهاد الأسير كمال أبو وعر وانتشار كورونا في سجن جلبوع يثيران الرعب لدينا، وأصبحنا نعيش على أعصابنا، ونتمنى أن يحمي الله الأسرى حتى يعودوا إلينا ويتمّ تبييض السجون".
*في الذكرى..
مع دخول مهند عامه الجديد، تقول والدته: "الدموع لا تجف على مهند الذي ننتظر حريته، فمنذ اعتقاله غادرت الأفراج حياتنا، حتى عندما تزوّج أبنائي وبناتي وأصبح لدينا أحفاد، فهو كل فرحتي وعالمي وحياتي".وتضيف: "لدينا اليوم 16 حفيداً لا يعرفون عمهم وخالهم إلا عن طريق الصور، فهم معاقبون أمنياً، ونتمنى نهايةً قريبةً لرحلة العذاب، واجتماع الشمل لنفرح بزفافه وحضوره الدائم معنا للأبد، فإلى متى سيبقى الاحتلال يفرض علينا حياة المعاناة باحتلاله أرضنا، واعتقاله أبناءنا والتحكم بحياتنا وقتل أسرانا المرضى داخل السجون ؟"
**المصدر : القدس دوت كوم
والدة الأسير مهند سلامة: سنكمل درب الشهداء والأسرى حتى الحرية!!
14.11.2020