نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” مقالا للخبيرة غير المقيمة في معهد الشرق الأوسط في واشنطن، زينة آغا، ناقشت فيه أن وزارة الدفاع الإسرائيلية أدرجت في 19 تشرين الأول/ أكتوبر 6 من أبرز منظمات حقوق الإنسان والمجتمع المدني الفلسطيني، مستندة على أدلة قالت إنها “سرية” وغير كافية حتى الآن، تتهمها بأنها منظمات “إرهابية” لها صلات بجماعة مسلحة.
وبعد أيام قليلة، وافقت إسرائيل على بناء أكثر من 3000 وحدة استيطانية جديدة في الضفة الغربية المحتلة وأعلنت عن خطط لمضاعفة عدد السكان اليهود الإسرائيليين في وادي الأردن بحلول عام 2026.
وأضافت الكاتبة أن التجريم الفعلي للمؤسسات الفلسطينية وتوسيع المستوطنات وجهان لعملة واحدة. والهدف واضح: إسكات المراقبة المستقلة لانتهاكات إسرائيل لحقوق الإنسان التي تقف بين الضم الكامل للضفة الغربية المحتلة والمساءلة الدولية.
فقد توسع عمل منظمات العمل الفلسطيني منذ التسعينيات، ليتخذ دورا يعمل على فضح ومقاومة جرائم الاحتلال الإسرائيلي وفساد السلطة الفلسطينية وحركة حماس.
ولقد أصبحت هذه المنظمات خط الدفاع الأخير. وسيكون من الصعب محاسبة إسرائيل إذا تم إسكات أو إضعاف أو القضاء على بعض أهم منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية.
وتعتبر المنظمات المستهدفة وهي “الحق” و”الحركة الدولية للدفاع عن الأطفال في فلسطين” و”اتحاد لجان العمل الزراعي” و”الضمير” و”مركز بيسان للبحوث والتنمية” و”اتحاد لجان المرأة الفلسطينية” أركان المجتمع المدني الفلسطيني. ويختلف عملها على نطاق واسع، فالحركة الدولية للدفاع عن الأطفال في فلسطين تسلط من بين أمور أخرى، الضوء على احتجاز الأطفال وإساءة معاملتهم في نظام المحاكم العسكرية. وتقدم مؤسسة الحق أدلة مهمة للمحكمة الجنائية الدولية من أجل تحقيقها في جرائم الحرب المزعومة التي ارتكبت في الضفة الغربية المحتلة وغزة. وتشكل المنظمات معا جزءا من مجتمع مدني تتمثل مهمته في تمثيل وتقديم الخدمات لخمسة ملايين فلسطيني أو أكثر يعيشون تحت الاحتلال العسكري الإسرائيلي.
فلأكثر من 3 عقود كان التوثيق الدقيق والرصد وجمع البيانات وحشد التأييد الدولي أمرا حيويا للكشف عن الواقع على الأرض، وغالبا ما تكون عناصر منظمات العمل المدني أول مصدر للدبلوماسيين والأمم المتحدة والمجتمع الدولي الأوسع الذي يعتمد عليها لتقييم ما يحدث في الأراضي المحتلة.
ونتيجة لعمل هذه المنظمات، قامت السلطات الإسرائيلية بمداهمة مستمرة لمكاتبها ومضايقة موظفيها. وفي شهر تموز/ يوليو الماضي فقط، داهم جنود إسرائيليون مكتب الحركة الدولية للدفاع عن الطفل الفلسطيني في مدينة البيرة بالضفة الغربية، وصادروا أجهزة كمبيوتر وأقراصا صلبة وملفات موكلين تتعلق بالأطفال الفلسطينيين المعتقلين الذين يمثلونهم في المحاكم العسكرية الإسرائيلية. عندما تحدث مثل هذه المداهمات، يتم في بعض الأحيان إلقاء القبض على الموظفين.
ولم تسلم منظمات حقوق الإنسان الدولية المعروفة بتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان الإسرائيلية من ذلك. ففي عام 2019، قامت إسرائيل بترحيل مدير هيومان رايتس ووتش في إسرائيل وفلسطين، عمر شاكر، بعد معركة قانونية طويلة، وفي نفس العام فرضت حظر السفر على الناشط في منظمة العفو الدولية في الضفة الغربية ليث أبو زياد.
وتبدو هذه التكتيكات على ما يبدو جزءا من حركة مستمرة أوسع لنزع الشرعية عن المنظمات غير الحكومية الفلسطينية وإلغاء تمويلها وتخريبها بشكل دائم. لقد تم توثيق تقليص مساحة المجتمع المدني الفلسطيني بشكل كبير.
وترى الكاتبة أن ما يجري هو جزء من حملة تقودها الحكومة الإسرائيلية بدعم من مجموعات مثل مونيتور ومحامون بريطانيون من أجل إسرائيل لنشر معلومات مضللة وملاحقة هذه المنظمات في المحاكم، واستهداف منظمات المجتمع المدني التي تراقب وتقاوم انتهاكات حقوق الإنسان الإسرائيلية، بما في ذلك استمرار التوسع في المستوطنات غير الشرعية.
ولا تقتصر هذه الهجمات على المجتمع المدني وعلى المنظمات العاملة في إسرائيل وغزة والضفة الغربية. فقد وصلت إلى قاعات المحاكم والجامعات والمكاتب الحكومية في جميع أنحاء أوروبا وأمريكا الشمالية من خلال حملات التشهير وانتشار القوانين غير الدستورية المناهضة للمقاطعة والدعاوى القضائية التي تهدف إلى تشتيت واستنزاف المنظمات غير الربحية التي تتضامن مع المجتمع المدني الفلسطيني.
وتساءلت الكاتبة عن السبب الذي يدعو لوصف هذه المنظمات بـ “الإرهابية” والآن؟ مجيبة أنها لا شك تستهدف الجمهور في أمريكا وأوروبا. يبدو أن هدف إسرائيل هو استخدام البنية التحتية المترامية الأطراف لقوانين مكافحة الإرهاب التي تم إنشاؤها في جميع أنحاء العالم بعد 11 أيلول/ سبتمبر كسلاح تستهدف به المدافعين الفلسطينيين عن حقوق الإنسان من خلال تصنيف عملهم المشروع على أنه “إرهاب”، وبالتالي جعل منظماتهم وجهودهم وأفرادهم سامة لا يمكن التعامل معها، والأهم من ذلك، جعل تمويلها أصعب بكثير.
هدف إسرائيل هو استخدام البنية التحتية المترامية الأطراف لقوانين مكافحة الإرهاب التي تم إنشاؤها في جميع أنحاء العالم بعد 11 أيلول كسلاح تستهدف به المدافعين الفلسطينيين عن حقوق الإنسان من خلال تصنيف عملهم المشروع على أنه إرهاب
ولم تتضح بعد الآثار الكاملة المترتبة على هذا التصنيف، ولكنه بالتأكيد يفتح الباب أمام المزيد من المضايقات لموظفي وموارد هذه المنظمات، مما يزيد من خطر الاعتقال والمحاكمة المحتملة. علاوة على ذلك، إذا وافق المجتمع الدولي على تصنيف إسرائيل، فقد ترى هذه المنظمات نهاية جهودها للحصول على تبرعات.
وتقول إن هذه اللحظة هي شهادة على روح هذه المنظمات والتقدم المستمر الذي أحرزته. ومع ذلك، فإن التداعيات مثل التهديد الذي يتعرض له المدافعون الفلسطينيون عن حقوق الإنسان، والافتقار المحتمل للتدقيق في الانتهاكات الإسرائيلية والتعدي المستمر دون رادع على الأراضي الفلسطينية، كلها تنذر بأوقات أكثر قتامة في المستقبل. علاوة على ذلك، فإن تصنيف المنظمات التي ترصد الانتهاكات في الضفة الغربية المحتلة هو صرف متعمد للأنظار عن مشروع الاستيطان في الضفة الغربية الذي بدأ منذ أكثر من 50 عاما.
وتختم بالقول إن جماعات حقوق الإنسان الدولية أصدرت تصريحات قوية حول الطبيعة الاستبدادية والقمعية لمثل هذا الإجراء، مع دعوات لإلغاء التصنيف على الفور. وهناك أيضا معارضة في شكل قرار للكونغرس في مجلس النواب الأمريكي. وهذا أمر جيد، فوجود مجتمع مدني قوي هو سمة أساسية للديمقراطية السليمة. إنها الأنظمة الاستبدادية هي التي تسكت وتقمع مؤسسات المجتمع المدني.
وقد طلبت وزارة الخارجية الأمريكية (التي قالت إنه لم يتم إخطارها مسبقا بالقرار) توضيحا، ودعا المكتب المحلي لمفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان إسرائيل إلى “الاحترام الكامل للحق في حرية تكوين الجمعيات والتعبير، دون أي تدخل أو مضايقة ضد المنظمات أو موظفيها”.
وبالمثل، أصدرت منظمات المجتمع المدني الفلسطيني وهيئات حقوق الإنسان الدولية دعوات لإسرائيل للإلغاء الفوري لهذه التصنيفات. ويجب على أي شخص مهتم بحماية المؤسسات الديمقراطية أن يقف إلى جانبهم.
نيويورك تايمز: "إسرائيل" تحاول إسكات منظمات العمل المدني الفلسطيني للتغطية على جرائمها والاستيطان!!
06.11.2021