مع حشد القوات الروسية على الحدود الأوكرانية، وتوقف المحادثات، ازداد الخوف من الغزو الروسي لأوكرانيا، ولكن أستاذ التاريخ في جامعة ديبول، توم موكيتيس، لاحظ في مقال نشره موقع “ذا هيل” القريب من الكونغرس، أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يستخدم التهديد بشن حرب كبرى في أوروبا الشرقية لانتزاع التنازلات من الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (الناتو).
ووصف المعلقون تصرفات بوتين بأنها “غير عقلانية”، ولكن موكيتيس يعتقد بأن استراتيجية بوتين طويلة المدى متسقة ويمكن التنبؤ بها، حتى عندما لا تكون الأهداف قصيرة المدى متسقة معها.
ومثل القياصرة، يريد بوتين منطقة عازلة في أوروبا الشرقية، حيث أشار الكاتب إلى ما حدث في عقود سابقة عندما ضمت الإمبراطورية الروسية بحلول عام 1914 فنلندا وأوكرانيا وبيلاروسيا وليتوانيا ولاتفيا وإستونيا وجزء كبير من بولندا، وقال إن الاتحاد السوفيتي تنازل عن معظم تلك الأراضي عندما وقع معاهدة بريست ليتوفسك مع ألمانيا في عام 1917، وبعد الحرب العالمية الأولى، حصلت بولندا وجمهوريات البلطيق وفنلندا على الاستقلال، وفي 1920- 1921، خاضت بولندا حرباً ناجحة ضد الاتحاد السوفيتي بسبب نزاع حدودي، وبمجرد أن عزز البلاشفة سلطتهم وأعادوا قواتهم المسلحة، سعوا لتأمين حدودهم الغربية، وفي أغسطس 1939، وقع الكرملين على ميثاق عدم اعتداء مع النازيين، تضمن العديد من البنود السرية، من بينها تقسيم بولندا بين ألمانيا والاتحاد السوفيتي والسماح للكرملين بضم جمهوريات البلطيق.
ولم تمنع الاتفاقية الرايخ الثالث من غزو روسيا في يونيو 1941، وصد السوفييت الغزاة وتقدموا على طول الطريق إلى برلين، وأنشأ جوزيف ستالين، الذي يحظى بإعجاب كبير من بوتين، دولاً شيوعية في أوروبا الشرقية، التي احتلها الجيش الأحمر، واستمرت هذه الأنظمة حتى نهاية الحرب الباردة في عام 1989.
ووصل بوتين إلى السلطة بعد عقد من الضعف الروسي، وشاهدت موسكو توسعات الناتو، التي شملت الجمهوريات السوفيتية السابقة والدول الموالية، وكمسؤول سابق في المخابرات السوفيتية، أعرب بوتين عن أسفه لانهيار الإمبراطورية السوفيتية وفقدان هيبة روسيا وقوتها، وقال إنه مصمم على إعادة البناء.
ولاحظ توم موكيتيس، مؤلف كتاب “التطرف العنيف: فهم التهديد الإرهابي المحلي والدولي”، أن التركيبة السكانية الجديدة للمنطقة منحت بوتين فرصة للقيام بذلك، إذ أدى تفكك الاتحاد السوفيتي إلى ترك 25.3 مليون روسي خارج بلادهم، وعاش العديد منهم في جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابقة، على الرغم من انخفاض مرتبتهم من النخبة الحاكمة إلى الأقلية المستاءة، وواجه هؤلاء صعوبة في الاندماج في الدول الجديدة، التي لم ترحب بهم، وأعطى سخط هؤلاء للكرملين نفوذاً يمكن استخدامه ضد الدول المستقلة حديثا.
وقال الكاتب إن بوتين استغل التوترات العرقية في أماكن أخرى من الإمبراطورية السوفيتية السابقة، بما في ذلك مولدوفا وفي المقاطعات الجورجية، أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، وفي 2008، غزت روسيا جورجيا، وأشار الكاتب، ايضاً، إلى أن رد الغرب الفاتر على الغزو الروسي قد شجع بوتين على القيام بمغامرات في المستقبل.
وبالنظر إلى هذا السياق الاستراتيجي الأوسع، تبدو تحركات بوتين منطقية ضد أوكرانيا، حيث دعم الرئيس الروسي الحركة الانفصالية، التي سمحت بضم شبه جزيرة القرم، والآن، يقوم بوتين بدعم الحركة الانفصالية في منطقة دونباس.
وقال موكيتيس إن بوتين يدرك أنه لا يستطيع إحياء الإمبراطورية السوفيتية، ولكنه يعتقد أنه يستطيع إضعاف الدول الواقعة على حدوده وتقليص نفوذ الناتو في أوروبا الشرقية.
وأشار الكاتب إلى أن أهداف بوتين قصيرة المدى غير واضحة مقارنة مع الأهداف بعيدة المدى، خاصة فيما يتعلق بقضية علاقة أوكرانيا بحلف شمال الأطلسي، كما أن المطالب العسكرية أكثر تعقيداً.
صحافة : ذا هيل: التركيبة السكانية الجديدة لجمهوريات الاتحاد السوفيتي السابقة ساعدت بوتين على تحقيق طموحاته!!
23.01.2022